عاني الموسى.. يروي لـ”جسر” تجربته القاسية في معتقلات داعش

 

جسر:دير الزور:

يستقبل المختطف السابق في سجون داعش، عاني الموسى المهنئين والزوار، وأهالي المعتقلين الذي يحاولون معرفة أي شئ عن ابنائهم وذويهم المغيبون في سجون التنظيم الإرهابي، بمنزله ببلدة غرانيج.

مراسل جسر زار الموسى، واستمع لتفاصيل تجربته المريرة التي بدأت يوم ١٨ من تشرين الثاني ٢٠١٨، عندما كان يبذر أرضا بعلية في بادية قريتهم، مع بعض اقاربه.

يقول العاني:” كنت ابذر الأرض مع تسعة من أقاربي من قبيلة الشعيطات، وكانت السماء مغبرة، فجأة حاصرتنا عدة دراجات نارية عليها مسلحون، وتتبعهم شاحنة، ظننا في البداية أنهم من قوات “قسد” فمنطقتنا تم تحريرها من مدة، ولا أثر لداعش فيها. لكن المسلحون بدأوا باطلاق النار فوق رؤوسنا لترويعنا، واجبرونا على الصعود إلى الشاحنة المصفحة، كنا جميعاً من المدنيين، ومعنا طفلين لا تتجاوز أعمارهم الثالثة عشرة. استولوا على آلياتنا وانطلقوا بنا نحو بلدة هجين التي كانت حينها لا تزال تحت سيطرتهم. وما ان وصلنا إلى البلدة حتى بدأوا بالتكبير واطلاق النار فرحاً، وراحوا يصرخون “جئنا بأسرى من مرتدي الشعيطات”، بعدها قاموا بنقلنا إلى مقر لا أعرف أين يقع، وانهالوا علينا ضرباً، لكنهم تحاشوا ضربنا على وجوهنا، من أجل تصويرنا كما عرفنا لاحقاً.

اقتادونا إلى غرفة بها معدات تصوير، ولقننا أحدهم ما يجب ان نقوله، وبعد تصويرنا وضعونا في السجن، كنا 23 شخصاً في غرفة صغيره جداً، وكانوا يقدمون لنا كوباً من العدس كل ٢٤ ساعة،  وبقينا في هذا السجن شهراً كاملاً، جاء بعدها سجان من الرقة يدعى “أبي عبد الرحمن” واختارني مع ثلاثة آخرين، ونقلونا بسيارة مغلقة إلى قرية الكشمة بالقرب من الشعفه، وفي بيت مهدم ومهجور البسونا البدلات البرتقالية، ولقوننا ما يجب أن نقوله أمام الكاميرا، بدأ تسجيل الفيديو، وقلنا ما طلبوا منا قوله، بعد ذلك أخذوا أحد الشبان الثلاثة، وهو من الرقة، وبدأوا بذبحه أمام الكاميرا، كانت تلك أصعب لحظة في حياتي، وعندما انتثر دم زميلي علي، فكرت بأطفالي، وبالآخرة، شعوري في تلك اللحظات لايمكن وصفه، ايقنت أنني سأذبح أيضاً، لكنهم عندما انتهوا من تصوير العملية، جمعوا ادوات التصوير، واعادونا إلى السجن.

ورغم البرد والجوع والخوف الذي يهيمن على المكان، إلا أني شعرت بسعاد غامرة لأنني لم أُقتل، وبينما كنت افكر بأمر نجاتي على هذا النحو، دخل علينا الشخص الذي ذبح زميلي، وقال لي:”استعد ياعاني! ستكون الضحية التالية”.  فأصبت بحالة من الهستيريا، وبقيت ثلاثة أيام بدون طعام، ونال مني التعب والمرض، فطلبت دواء، لكنهم قالوا لي بالحرف الواحد:” ان شاء الله تفطس، لنرتاح منك، ونوفر طعامك”.

وحين تقدمت “قسد” وحررت الشعفه والسوسة، قاموا بنقلنا من السجن السابق إلى “كرفانة” صغيرة في مخيم الباغوز، كانت معدنية ومغلقة باحكام، ولم نكن نستطيع التنفس سوى من شق صغير، نتناوب عليه لمدة تقارب العشر دقائق لكل واحد منا، وادخلوا إلينا وعاء بلاستيكي لقضاء الحاجة، كانت الرائحة في الكرفان خانقة، ومرض احد زملائنا، وهو من الرقة،   وأفضل عدم ذكر اسمه الآن، وطلبنا منهم أدوية أو نقله إلى أحد المستوصفات، لكنهم رفضوا وقالوا “ليفطس…”. وبالفعل ساءت حالة الرجل بسبب المرض ونقص الاوكسجين، وتوفي بعد يومين، وحين طلبنا إخراج الجثة رفضوا ايضاً، وقالوا لنا بالحرف:”هو ميت وانتم ايضاً أموات”.

بقيت الجثة بيننا أربعة أيام، بعدها اخرجونا لنحفر له قبراً، تحت الكرفان ودفنه، اعادونا بعد ذلك واغلقوا الباب علينا، وبقينا شهراً ونصف آخر على هذا الحال، ثم أتى السجان بعد ذلك، وطلب مني الخروج مع تسعة من زملائي، فسألته إلى :”إلى أين؟”. فرد :”إلى الذبح”.   شعرت حينها بخوف وقلق رهيبين، بينما كانوا يغطون أعيننا بـ”الطماشات”، واصعدونا إلى سيارة مغلقة، وانطلقت بنا، وبعد مدة توقفت، وسمعت صوت “تركس” يزيل ركاماً أو تراباً، ثم تقدمت السيارة، وتوقفت بعد دقائق، وفتحوا الباب، كنت أشعر باقتراب الموت، وباننا سنذبح في الساعة التالية، ثم أنزلولنا وازالوا ال”الطماشة” عن اعيننا، لافاجأ برؤية عناصر من قوات التحالف ومن مقاتلي قسد على بعد نحو ٥٠ متراً ينتظروننا، فركضت نحوه، والقيت نفسي في أحضانهم، غير مصدق…كانت لحظات أشبه بالحلم.

*عاني حسين الموسى، من مواليد ١٩٨٧، من بلدة غرانيج، ويقول إنه التقى خلال مدة اعتقاله بـ ٥٧ معتقلاً، معظمهم، من عناصر قسد، واضاف أنه علم بوجود نحو ٤٠٠ معتقل آخر، وبين هؤلاء المعتقلين أجانب، ومنهم عناصر من التنظيم ذاته، تم اعتقالهم بتهمة الغلو بالدين!.

*المعتقل السابق عاني، أخبر مراسلنا أنه على استعداد لاستقبال ذوي اي معتقل يريد الاستفسار منه، في منزله ببلدة غرانيج، في منطقة “محلات الحماد”.

قد يعجبك ايضا