جسر – دمشق (ياسر الظاهر)
في ظل التحولات الكبرى التي شهدتها سوريا منذ انطلاق ثورتها في عام 2011، تبرز الثقافة والفن كعناصر أساسية لإعادة صياغة الهوية الوطنية واستعادة الذاكرة الجمعية. وفي هذا السياق، استضافت حديقة المتحف الوطني بدمشق يوم السبت الماضي، 24 أيار 2025، جلسة حوارية بعنوان “الثقافة والفن شأن عام”، برعاية وزارة الثقافة، وكجزء من نشاطات منصة “ذاكرة إبداعية للثورة السورية”.
وأدارت الجلسة المذيعة والناشطة المدنية لارا عيروطي، وضمت نخبة من المفكرين والفنانين، من بينهم الأستاذ الدكتور عبد الرزاق معاذ، الباحث في فن العمارة والتراث، والأستاذة سنا اليازجي، مديرة منصة “ذاكرة إبداعية للثورة السورية”.
وبدأت عيروطي الحوار بسؤال جوهري: “ماذا يعني وجود ذاكرة إبداعية للثورة السورية في قلب دمشق؟”، لتفتح بذلك المجال أمام نقاش عميق حول الثقافة والفن في المجتمع السوري.
أجابت سنا اليازجي قائلة: “ذاكرة إبداعية تعود بنا إلى ما قبل 2011 لنعرف ما حصل لنا بعد 2011، وعن دور الثقافة والفن في المجتمع. الآن انفتح المجال لتعبر مخيلة كل إنسان وكل مجموعة عن فنها وعن مجتمعها. الفن لا يقدم إجابات جاهزة، لكنه يطرح الأسئلة بقوة، إنه ينقل النقاشات من ساحات السياسة المغلقة إلى ساحات الوجدان العام، وهو كسر لاحتكار السردية وفتح المجالات لسرديات بديلة أكثر صدقًا وأقرب إلى الناس، ومشاركتهم في تشكيل الذاكرة الجمعية ويعيد للضحايا أسماءهم ووجوههم”.
من جانبه، تحدث الدكتور عبد الرزاق معاذ عن محاربة النظام السابق للتراث اللامادي، مشيراً إلى إغلاق مديرية التراث اللامادي بدعوى تناقضها مع أهداف حزب البعث آنذاك. وعندما طرح أحد الحضور سؤالًا حول من كرس الفجوة بين الفن والناس وجعل الفن نخبويًا، أجاب معاذ: “من كرسه النظام الحاكم عبر أربع وخمسين عاماً”.
كما أثرى المخرج السينمائي أسامة محمد النقاش بمداخلة حول نخبوية الفن من خلال السينما، قائلاً: “لا نستطيع أن نحكم أن الفن نخبوي أم غير نخبوي حين لا تتهيأ للناس أجواء فنية. دمشق لا تملك إلا ثلاث صالات سينمائية لستة ملايين من سكانها، ونحن لا نستطيع أن نحكم أو نجيب عن السؤال هل الفن نخبوي أم لا إلا من خلال إنتاج عدد كبير من الأفلام وامتلاك صالات كثيرة. حزب البعث والأسدية دمروا السينما، علماً أن الناس تفهم الفنون بغض النظر عن مستواها التعليمي”.
وفي سياق متصل، تساءلت المهندسة أمان نجار عن كيفية حماية الثقافة والفن من الاحتكار أو التأويل مرة أخرى، فأجابت سنا اليازجي: “نعم نستطيع حمايتها بالضغط ومزيداً منه والعمل من أجل الثقافة والمزيد من أجلها وبالشراكة والتفاهم مع الشأن السياسي”.
أما الفنان التشكيلي فادي عساف فطرح تساؤلاً حول ما إذا كانت الثقافة والفن شأناً عاماً، مشيراً إلى أن “أصحاب الشأن لم يحضروا”، واستفسر عن الخطوات القادمة لمشروع “ذاكرة إبداعية للثورة السورية”، وعن إمكانية الوصول إلى تسمية واضحة للثورة السورية.
وفي نهاية الجلسة، عبر الدكتور معاذ والأستاذة اليازجي عن رغبتهما في فرض هذا التراث المعاصر للثورة من خلال منظمة اليونسكو، والسعي لإدخاله في المناهج الدراسية السورية.
كما أعلنت سنا اليازجي عن تقدمها بطلب ترخيص لإنشاء مركز “ذاكرة إبداعية للثورة السورية”، في خطوة تهدف إلى تعزيز هذا المشروع وتأصيله كجزء من الهوية الثقافية السورية.