كي لا نعيد سيرتها الأولى..

بسام يوسف

كثيراً ما يكتب السوريون ويرددون عبارة (سنعيد سيرتها الأولى) في إشارة إلى بدايات الثورة السورية في آذار 2011م، وهم يقصدون أنهم سيشعلون نار الثورة التي خفتت كما أشعلوها سابقاً، لكنهم بالتأكيد لا يقصدون أنهم عندما يتحدثون عن سيرة ستعاد، فإن حديثهم يستبطن معنى آخر، يوحي بالانقطاع والغياب ثم العودة.

لم تتوقف الثورة السورية منذ أن اشتعلت، على الرغم من الأهوال الكثيرة التي عصفت بها، والجرائم التي ارتكبت بحقها، ليس من قبل النظام السوري وحلفائه في الداخل والخارج وحسب، بل ومن قبل مجتمع دولي، متواطئ، وقد أطلق يد النظام المتوحش في الجسد السوري فمزّقه، لكنها تثبت اليوم أنها أكثر أصالة وتجذراً، وأنها عصية على التغييب أو الإلغاء.

بغض النظر عن حرتقات اللغة ومدلولاتها، فإن في بدايات السيرة الأولى الكثير مما يجب أن لا يستعاد، لا بل يجب التنبيه من خطورته، وإن كانت الثورة لا تزال حتى اليوم مستمرة رغم كل الأخطاء والطعنات، فإنّها إن استعادت سيرتها الأولى من دون أن تتجنب الكثير من تفاصيل البدايات، فإنّها قد تموت.

أول ما يجب أن نستبعد من سيرتها الأولى، هو إمكانية تطييفها، أي تحصينها ضد وباء الطائفية الذي حضّر له النظام منذ بدايات حكمه، واستطاع حقنه في أوردتها بعد انطلاقها في 2011م، اليوم تتعافى الثورة من هذا الوباء، لكنّها لم تتخلص منه تماماً، وإن كان يصعب على النظام وأدواته استعماله مجدداً، لكن بمزيد من العنف المتوحش، وبخلق حالة من الرعب الشديد وسط صمت دولي فقد يتمكن النظام من إعادة السوريين إلى التخندق مرة أخرى، خلف متاريس الطائفية أو التصنيفات الأخرى.

أيضا لا بد من استبعاد تدخل الدين بأي صيغة كانت في واجهتها، فالمعركة هي معركة كل السوريين بكل تصنيفاتهم، ضد عدو يستثمر في كل التصنيفات لغاية وحيدة هي البقاء في موقع الحكم، إن المعادلة الوحيدة الحقيقية للصراع في سوريا، هي شعب في مواجهة استبداد مافياوي خائن وطنياً، وإن المحافظة على أولوية هذه المعركة قبل أي شيء آخر، هو شرط ضروري لانتصار الثورة.

أيضاً لا بدّ من واجهة لهذه الثورة يختارها السوريون، ولا تفرض عليهم من دول وأجندات خارجية، فقد دفع السوريون باهظاً ثمن رهن قرارهم للخارج، ودفعوا باهظاً ثمن تولي قيادات صُنّعت في كواليس السياسة الدولية وألاعيبها، وكانت مرجعياتها مصالح الآخرين، وليست مصلحة سوريا وشعبها.

اليوم تُقدم الثورة المتأججة في السويداء ودرعا، فرصة كبيرة لتصويب الأخطاء الكبرى التي نخرت جسد الثورة في بداياتها، وهو تصويب لا بدّ منه، وبالغ الضرورة، إن كنا نريد خلاص سوريا، وإن كنا نسعى مخلصين لإنهاء الكارثة السورية بلا أي حسابات أخرى، شخصية، أو حزبية أو فئوية.

اليوم يتصدر حراك الجنوب السوري في السويداء ودرعا – والذي هو امتداد أصيل للثورة السورية- واجهة هذه الثورة، وبالتالي فإن العمل على حماية هذه الصدارة، وتعزيزها، وتفويضها وفق محددات يتم الإعلان عنها في بيان يصدر في السويداء ودرعا، وتدعمه مختلف القوى السورية على امتداد الشتات السوري في الداخل والخارج، سوف يشكّل نقلة نوعية في مسار الثورة السورية.

ما يُعزّز من الدعوة لنقل تمثيل الثورة السورية من الأطر القائمة حالياً، والتي عجزت طوال سنوات عن أن تكون ممثلاً حقيقياً للثورة إلى الحراك الثوري الراهن في الجنوب السوري للثورة السورية هي النقاط الآتية:

1- يغلق الباب أمام كل الذرائع الكاذبة التي استعملها النظام وأدواته، لسحق الثورة في بدايتها، فهذا الحراك لا يمكن اتهامه بالإرهاب، ولا والارتهان للخارج، بالتأكيد سيحاول النظام اتهامه بهذه التهم، لكنها لن تنطلي على أحد.

2- يبعد التيارات السياسية الإسلامية عن قيادة الثورة السورية.

3- يُنظف الثورة من واجهات أصبحت عبئا على الثورة، وساهمت بنشر اليأس بين صفوف السوريين، وأعاقت تجدد الثورة وقدرتها على التصحيح والتطور، بما يتناسب وحاجتها في كل مرحلة من مراحل الصراع، وتبدل معطياته.

4- وجود حاضنة شعبية، تُشكِّل أغلبية ساحقة، منسجمة وواعية لما تريد، وهذا يُسقط عن كاهل الناشطين عبئاً ثقيلاً، أرهق الناشطين في بدايات الثورة.

5- تمكُّن الناشطين في السويداء من تحجيم وجود السلطات والأجهزة الأمنية التابعة للنظام في منطقتهم، وبالتالي أصبحت مساحة الحرية المتاحة للفعل السياسي واسعة، وهذا ما يُشكّل ضمانة بالغة الأهمية لأي حراك سياسي حقيقي.

لكن هناك ما هو ضروري ويجب فعله لحماية هذا الحراك، وضبطه، وجعله رافعة لانطلاق حراكات المناطق التي لا تزال ساكنة إلى حد ما، والتي لا تزال تتلعثم في صرختها ضد النظام، وأهم ما يجب فعله هو:

1- إطلاق الحراك في الجنوب لوثيقة وطنية تجمع السوريين، وتكون بمنزلة ميثاق شرف للسوريين على امتداد مناطق وجودهم، وثيقة تبدأ من إسقاط الاستبداد وفي مقدمته استبداد العصابة الأسدية، ورحيل القوى المحتلة لسوريا، ووحدة سوريا الكاملة، وينتهي بالمواطنة المتساوية العادلة لكل المواطنين السوريين.

2- تشكيل قيادة ميدانية يختارها الشارع المتحرك، ويعرفها جيداً، ويحفظ تاريخها، ويكون لأفرادها حضور أخلاقي، ووطني مؤثّر يعزز ثقة السوريين بهم، وتُحاط هذه القيادة بمجلس استشاري، من سوريين يتم اختيارهم من بين كل السوريين في الداخل والخارج.

3- وضع محددات وطنية للخطاب الوطني السوري، تستبعد كل مفردات الطائفية، والكراهية، والعنف، وتعلي من مفردات المصير الواحد والوطن والتشارك في إنقاذ سوريا والسوريين.

إن اتساع رقعة المساحة الجغرافية للحراك الثوري، ووصولها إلى مناطق أخرى يفوت على النظام وأدواته وألاعيبه، فرصة الاستفراد بالحراك الثوري في درعا والسويداء، ومحاصرته، ومحاولة إجهاضه من داخله عبر أتباعه.

سوريا اليوم تقف على بوابة الخلاص، فإذا أخلص السوريون لسوريتهم، فسوف يتمكّنون من تقليل خسائرهم، ومن حسم معركتهم مع نظام القمع والاستبداد، عندها يُمكنهم البدء بحواراتهم حول سوريا المستقبل، بكل تفاصيلها.

المصدر: تلفزيون سوريا

قد يعجبك ايضا