ماذا تبقى من (مبادرة الجنرال) لتوحيد “الصف الكردي” في سوريا؟!

جسر: خاص

بينما كان الجيش التركي يتوغل في الشمال السوري، وينتزع السيطرة مع “الجيش الوطني” على القرى والبلدات الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، أطلق قائد قسد ما أسماها “مبادة لتوحيد الصف الكردي” في تشرين الأول-أكتوبر العام المنصرم. حيث عقد (الجنرال) كما يسميه محبوه، لقاءات ومشاورات مكثفة مع من تبقى من الأطراف الكردية الأخرى، من مقر قيادة القوات في حقل العمر النفطي.

المبادة التي تلقفها الشارع الكردي على ايقاع الهجمات التركية، كانت بالنسبة لهم، فرصة ذهبية لكسر جبال الجليد بين الإدارة الذاتية وقواتها العسكرية من جهة، وبقية الأحزاب الكردية من جهة أخرى، كما أنها شكلت بالنسبة لقسد، دفعة أوكسجين إضافية، بعد أن كانت على وشك فقدان مصداقية حديثها الدائم عن التحرير والمقاومة، على وقع الهزائم المتتالية أمام الآلة العسكرية التركية.

اللوحة السياسية الكردية بعد الثورة السورية:

يبدو المشهد السياسي الكردي في سوريا معقداً بالنسبة للمراقب الخارجي، وهو كذلك بالفعل، في ظل تجاذب الحركة السياسية الكردية بين الأطراف”الكرستانية” (أو الكردية الكبرى في تركيا والعراق)  منذ تسعينات القرن المنصرم.

لكن، ومع انطلاق الثورة السورية، وخروج معظم المناطق الكردية في مظاهرات مناهضة للنظام السوري، شهدت الساحة الكردية انقساماً سياسياً، أكثر حدة ووضوحاً، لجهة الاختيار بين مناصرة الثورة السورية في تحقيق مطالبها والالتحاق بركب الأطر السياسية الوطنية المعارضة، وهو ما سعت إليه الأحزاب الكردية (التقليدية) بتشكيل المجلس الوطني الكردي والانضمام إلى الائتلاف السوري المعارض، أو “انتهاج الخط الثالث” كما أطلق عليه حزب الاتحاد الديمقراطي أي (لا نظام ولا معارضة)، وبالتالي تشكيل إدارة ذاتية وقوة عسكرية في المناطق التي بدأ النظام بالفعل تسليمها تباعاً لعناصر الحزب.

هكذا أصبحت المدن والقرى ذات الغالبية الكردية شمال سوريا، في قبضة قوات عسكرية تابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، الذي شكل لاحقاً وقاد ما اسماها “الإدارة الذاتية الديمقراطية” والتي احتكرت العمل السياسي والعسكري في المنطقة، ومنعت أي نشاط شبابي معارض.

مبادرة الجنرال:

على الرغم من الاستجابة السريعة والإيجابية من قبل شخصيات وأطر سياسية كردية، وتحت ضغط الشارع الكردي، الذي كانت تشتد العزلة عليه مع كل قرية جديدة يسيطر عليها الجيشان التركي و”الوطني” السوري، فإن مباردة الجنرال (قائد قسد مظلوم عبدي)، ولدت ميتة، بالنسبة لمن يدرك طبيعة وبنية حزب الاتحاد الديمقراطي وهيئاته الإدارية والعسكرية الحاكمة.

مصدر مطلع على المباحثات المباشرة التي جمعت عبدي بوفد من الأحزاب الكردية، قال لجسر إن الأجواء كانت إيجابية بالفعل، حيث تعهد عبدي لأعضاء الوفد بقيادة مبادرة الصف الكردي “ولو على دمه”. المصادر ذاتها وجدت في حديث عبدي، تلميحاً إلى معارضة أجنحة قوية ضمن حزب العمال الكردستاني، لمبادرة الرجل، وسعيها الحثيث إلى إجهاضها.

طالبت أحزاب المجلس الكردي خلال الاجتماع بمجموعة إجراءات لبناء الثقة بين الطرفين وتبيان حسن نوايا الإدارة الذاتية التي بدأت ببسط سيطرتها على المدن الكردية في الشمال السوري منذ أواخر 2012 ومنعت أي نشاط سياسي ومجتمعي في مناطق سيطرتها، من دون الحصول على ترخبص مسبق من هيئاتها الإدارية والأمنية.

وعلى الفور، أصدرت الإدارة الذاتية “قراراً بإسقاط كافة التهم الموجهة إلى شخصيات المجلس الكردي” كما أنها ألغت القيود المفروضة على نشاط الأحزاب الكردية. حيث أكد قرار الإدارة الذاتية بإمكانية فتح المكاتب الحزبية في مناطق سيطرتها من دون شرط الحصول على أية تراخيص.

بدوره قدم المجلس الكردي إلى قيادة قسد، قائمة ضمت 10 اسماء بينهم قيادات في المجلس والحراك الشبابي في الجزيرة السورية، تزعم اختطافهم من قبل جهات محسوبة على الإدارة الذاتية. حيث ردت قسد على القائمة  بانها بدأت بالفعل بتشكيل لجنة تقصي حقائق لتبيان مصير المذكورين.

مظلوم عبدي

النتائج الأولية ورود الفعل:

كشف بيان أصدرته القيادة العامة لقوات سوريا الديمقراطية خلال اليومين الماضيين، عن النتائج الأولية لعمل اللجنة المشكلة من طرفها في تقصي مصير المختفين العشرة. وقال البيان إن 8 اسماء ضمن قائمة المجلس، قد اختفوا خلال ما أسماها “مرحلة الفوضى وتداخل السيطرة العسكرية” فيما قال إنهم في قوات سوريا الديمقراطية يتحملون المسؤولية الإخلاقية عن فقدان الشخصين الآخرين. وكان لافتاً وصف البيان للمختفين قسرياً بـ “الضحايا” حيث قرأ الكثيرون الدلالات السلبية للمفردة.

بيان الإدارة بحسب ردود الفعل الأولية، لم يرق إلى مستوى الحدث، كما أنه لم يقدم جديداً. وعلق فؤاد عليكو القيادي في الائتلاف السوري المعارض وعضو اللجنة السياسية في حزب يكيتي الكردستاني (أحد أعضاء المجلس الكردي) على بيان قسد بالقول: ” كان هـذا متوقّعاً منذ البداية (…) وأدركنا من لغة البيان أنهم لن يكشفوا مصير المختفين، وسيقومون بإنكار معرفة مصير المعتقلين السياسيين.” وطالب عليكو قيادة قسد بإجلاء مصير المختفين لعوائلهم وأمام الرأي العام.

من جهته نشر الصحفي مسعود حامد شقيق المعتقل أمير حامد، على صفحته الشخصية في الفيسبوك معلومات تؤكّد اعتقال شقيقه أمير من منزله في مدينة الدرباسية منذ أكثر من ستة أعوام. وكشف حامد ملابسات اختفاء شقيقه في رسالة إلى قائد قسد: “إن كنت تبحث عن المتورطين، أنا أقول لك أولهم في الدرباسية والمسؤول عن خطف أخي أمير حامد هو رشيد الذي كان يرفض الالتقاء بنا.” مؤكداً أن المذكور (رشيد) وهو كادر عسكري ضمن حزب العمال الكردستاني، رفض اللقاء بعائلة المختطف على مدار أعوام.

وفي سياق متصل، أصدرت عائلة المعتقل (أحمد عثمان سيدو) توضيحاً رفضت فيه بيان قسد، وقالت إنها (قسد) تتنصل من مسؤولياتها في اختفاء ابنها. وكشفت العائلة ملابسات اختفاء أحمد: ” أحمد عثمان سيدو أب ل ست أولاد تم اختطافه بتاريخ 10/9/2013 في حلب حي الشيخ مقصود غربي من أمام منزله من قبل شخصين تابعين ل مجلس شيخ مقصود غربي والمعروفين ب اسم أبو عبدو جنديرس وحسين من شيلتاح التابعين ل حزب الاتحاد الديمقراطي.”

الفان الأبيض، حكاية ديمقراطية الإدارة الذاتية:

كان لافتاً خلال أعوام سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي، مشهد (الفان الأبيض) متجولاً تحت جنح الظلام في شوارع المدن والبلدات الكردية، يصطاد السياسيين والإعلاميين والثوار.. من خرج منهم عن المسار الايديولوجي للفان الأبيض، فيما تصدح منها أغاني تمجد الحرية والديمقراطية.

اتسمت فترة سيطرة الإدارة الذاتية، من عفرين غرباً إلى المالكية شرقاً، بالطغيان السياسي والعسكري شبه المطلق. حيث زجّت بالعشرات في السجون، ومنعت عمل الأحزاب الكردية والتجمعات الثورية، كما أنها خطفت العشرات ونفت سياسيين وإعلاميين من مناطق سيطرتها إلى إقليم كردستان العراق.. وعلى رأسهم السياسي الكردي إبراهيم برو، والإعلامي بيشوا بهلوي. واعتمدت الإدارة مفردات التخوين والاقصاء بحق كل من يخالف الخط السياسي والأيديولوجي لحزب العمال الكردستاني وتفريعاته السورية.

كردياً، تقول كل المعطيات إنه من المستحيل حصر انتهاكات حزب الاتحاد الديمقراطي، في قائمة واحدة، كما لا يمكن حل العقد والخراب الذي خلفته الإدارة الذاتية في الشمال السوري، من خلال بيان أو قرار ولا حتى اعتذار.

 

 

 

قد يعجبك ايضا