مراهقون ويافعون يندفعون إلى ميادين العمل العسكري ومطالبات بتحييدهم عن الصراع

فتى: لا أخشى من الموت فإن متّ كنت شهيداً
حسين الغجر/ حلب
“يلعن روحك يا حافيييـظ” صرخ بصوت مرتفع، رغم أنه يعاني من مشاكل كثيرة في النطق، مستفزاً بهتافه القنّاص الذي يرابط على بعد عدة أمتار عنه، ليختبئ بعدها خلف جدار يحميه من رصاصات يعاجله بها القناص، رداً على هتافه، ويجري الفتى ضاحكاً، فهذه اللعبة باتت مصدر تسليته.
حمدو (17 عاماً) من سكان حي كرم الجبل في مدينة حلب، الذي طاله الدمار جراء قصف النظام لمعظم أحياء حلب، تطوع للعمل في محرس تابع للجيش الحر في منطقته، منذ شهر تقريباً، وهو يعاني من صعوبة في النطق والسمع، لذا قام أخوه بالتحدث نيابة عنه لترجمة ما يقول، فيروي “فشلت عائلتنا عن ثني حمدو عن التطوع في الجيش الحر، فبات يخرج يومياً لقضاء وقته في المحرس الذي خصص له، رغم المخاطر التي تحيط به”.
لم يتحدث حمدو كثيراً عن نفسه، فكلامه كله دار حول إصراره على القتال ضد النظام الذي دمّر وقتل أبناء حيّه، وأنه يجب الاستمرار بذلك حتى يتم تحقيق النصر.
من التشرد للقتال
“لم أعد أخشى شيئاً” هذا ما قاله عمر (16عاماً) في بداية لقاء “جسر” معه، لا يعرف عمر والده إلا إلا من خلال اسمه، فقد تركهم منذ زمن بعيد، وأمضى معظم سنواته بعد تركه للمدرسة، في شوارع حلب نهاراً، لينام في الحدائق والسيارات ليلاً، وباندلاع الثورة انتقل للعمل في صفوف المقاتلين.
مهمة عمر الحراسة، يحمل بندقيته متحسباً من وقوع أي طارئ لإعلام المقاتلين، وجوّاله لا يكف عن ترديد أهازيج الثورة وأناشيدها، رغم أن حديثه بمجمله دار عن الأحياء التي دمّرت وعن أعداد القتلى، وأنه بات على يقين أنه لا يوجد مكان آمن على الإطلاق.
مقاتل يحلم بورشة سيّارات
ولمهند (15 عاماً) وهو أصغر من التقتهم”جسر” حكاي أخرى ومعاناة جديدة، إلا أنها لم تبدأ بالحرب, فمهند لم يكمل دراسته إذ أجبره والده على تركها، والعمل في ورشة لتصليح السيارات، محملاً إياه عبئ عائلة مكونة من ستة أفراد.
قسوة والده في معاملته كانت تتجلى في ربطه بسلاسل حديدية، عندما يشتكي منه صاحب ورشة السيارات في حال ارتكب خطأً ما أو عبّر عن تعبه أو مرضه، فيجبره الأب على العودة إلى العمل من جديد. لم يحتمل مهند ذلك فهرب إلى إحدى النقاط التي قال إنها لشرطة أحد أحياء حلب المحررة، لينتقل فيما بعد إلى المجموعة التي يعمل معها الآن,لم يتردّد مهند عن التعريف عن نفسه بأنه مقاتل ويحب الاشتباكات، ولا يخشى من الموت حيث أنه سيكون شهيداً، بحسب تعبيره, إلا أن لديه أحلام لا تتعلق بالأعمال القتالية، فهو يريد أن يصبح مالكاً لورشة تصليح سيارات كبيرة، ويعزو حلمه هذا إلى أن تلك المهنة “بتقص ذهب”.
ظروف صعبة
والتقت “جسر” أبو عادل وهو مقاتل متواجد مع مهند، للحديث عن عمل الشبان اليافعين معهم، فيقول “نحن نرفض وبشدة وجود أي فتى دون الثامنة عشر عاماً في أماكن الاشتباك والمناطق الخطرة، إلا أني أحمل المسؤولية وألوم الجمعيات والمنظمات التي من واجبها أن ترعاهم”.
ويؤكد أبو عادل أن تلك المجموعات القتالية لا ترغب بوجود اليافعين ضمن صفوفها إلا أن معظمهم من أسر مفككة وغير مسؤولة، ومنهم من تعرض لظلم من قبل أهله فلجأ للقتال، وطالب بوجود جمعيات ومؤسسات تنحيهم عن القتال وتقوم بمساعدتهم، فهم ما زالوا صغاراً ومن حقهم التعلم والعيش حياة كريمة، ويختم بالقول “من سوء حظهم أنهم انتموا لعوائل لم تهتم بهم، ومن سوء حظنا جميعاً بقاء هذا النظام الذي شوه كل شيء في المجتمع”.
بيئة غير سليمة
بدوره اعتبر عابد، وهو ناشط إعلامي من حلب، أن تلك الظاهرة نتيجة طبيعية للـ “الجهل المتجذر في المجتمع”، إذ يرى أن الأطفال سابقاً كانوا يمارسون الكثير من الأعمال التي لا تتناسب مع أعمارهم، كتصليح السيارات وبيع البضائع والعمل في المطاعم وغير ذلك، لذا فمن الطبيعي في ظل وجود هكذا ثقافة أن ينخرط هؤلاء في العمل المسلح عند انتشاره, وسط غياب للمنشآت التعليمية والمدارس في المناطق المحررة, وعدم وجود منظمات تعنى بهم, فالطفل جزء من الواقع الذي يعيشه ولا بدّ أن يتأثر به.
من هم الأطفال المجندون؟
تقول المدرّسة لمادة الإرشاد النفسي أ. خزامى في حديثها لـ “جسر” :
يعرّف العلماء وصندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفول (اليونيسيف، 1997: 1) الأطفال المجندين (المسلحين) بأنهم “كل من هو دون الثامنة عشر من العمر، وجزء من فريق يقوم بأعمال قتالية منتظمة، سواء كانوا مقاتلين أو طباخين أو مراسلين أو من يرافقون المجموعات لأي سبب كان، وهو لا يشير إلى الطفل الذي يحمل السلاح حصراً “.
يعاني الراشد في مثل هذه الحالات من صراع الإقدام/ الإحجام المترافق بالقلق والضغط النفسي الناتج عن هذا الصراع بين انتمائه للمجموعة الحاملة للسلاح وبين رفضه إلحاق الأذى بالآخرين المقربين، فكيف بالطفل الذي لا يدرك معنى الصواب والخطأ، وليس لديه القدرة على تحديد ماهية ما يجري وإصدار الحكم الأخلاقي الصحيح، إذ تصبح هذه الضغوط النفسية مضاعفة، وتخلق لديه تشوهاً فتتشكل هويته الذاتية التي تتكون في هذه المرحلة الحرجة والخطرة من مراحل تكون مفهومه عن ذاته، هل هو فرد من مجتمعه أم مضاد لمجتمعه؟ وتكمن الخطورة الأكبر في حال ترسخّت لديه مفاهيم القوة المرتبطة بالعنف واستخدام السلاح، لتصبح جزءاً من هويته ومفهومه عن ذاته المرتبط بهما في مراحل حياته اللاحقة.

قد يعجبك ايضا