واقع مرير يعيشه أطفال سوريا وسط الأزمات المستمرة

شارك

جسر – هبة الشوباش

رغم انتهاء الحرب في البلاد نظرياً، لا تزال الأزمات السياسية والاقتصادية التي تشهدها سوريا منذ سنوات، تلقي بظلالها الثقيلة على المجتمع السوري، حيث يعد الأطفال من أكثر الفئات تضرراً، بفعل ما تعرضوا له من حرمان وقسوة وظروف غير إنسانية أثرت على حياتهم النفسية والجسدية، وحرمتهم من أبسط حقوقهم في التعليم والرعاية.

وأفرزت الظروف غير المستقرة جيلاً يعاني من اضطرابات نفسية خطيرة، أبرزها القلق والخوف والاكتئاب، نتيجة ما شهده الأطفال من مشاهد عنف ودمار وفقدان أفراد من عائلاتهم، ما ترك آثاراً عميقة على نفسياتهم، كما أدى النزاع إلى تفكك العلاقات الاجتماعية، حيث اضطر كثير من الأطفال إلى النزوح داخلياً أو اللجوء إلى دول أخرى، مما عمّق شعورهم بالغربة وعدم الأمان.

في هذا السياق، تروي السيدة “أم سامر” لصحيفة جسر معاناتها مع هذه الظروف، فتقول: “اضطررت لإرسال ابني تهريباً إلى أوروبا عبر البر والبحر وهو في العاشرة من عمره، بسبب وضعي الاقتصادي الصعب”.

وأضافت: “أنا أم لثلاثة أطفال وزوجي توفي في تفجير القزاز، ولم يكن لدي أي معيل.. لم يكن أمامي خيار سوى المغامرة بابني الأكبر. واليوم، أنا في ألمانيا بعد أن أرسل لي طلب لم الشمل، ولكن لا يمكن نسيان ما تعرض له ابني سامر من خوف ومصاعب في عمر الطفولة”.

كما أدت النزاعات المسلحة إلى تدمير المدارس والبنية التحتية التعليمية، مما حرم ملايين الأطفال من فرص التعليم المناسبة، وفي ظل انهيار الاقتصاد السوري، اضطرت آلاف الأسر إلى تشغيل أطفالها في أعمال شاقة وخطيرة، لكسب لقمة العيش.

وقد تسبب تفشي الفقر في تعريض الأطفال للاستغلال ضمن بيئات عمل غير آمنة، وحرمانهم من العيش في ظروف صحية ملائمة أو الحصول على الغذاء والرعاية الطبية الضرورية، ولكن رغم قساوة الظروف، لم تغب مبادرات المنظمات الإنسانية عن المشهد، إذ تعمل بعض الجمعيات على دعم الأطفال السوريين في مجالات متعددة، أبرزها:

جمعية الهلال الأحمر العربي السوري، التي تقدم مساعدات إنسانية وإغاثية للأطفال والعائلات المتضررة، إلى جانب خدمات الرعاية الصحية في المناطق المحتاجة، وجمعية “بسمة” التي تركز على دعم الأطفال المصابين بالسرطان، وتوفر لهم الدعم الطبي والنفسي، وتسعى لتحسين جودة حياتهم أثناء العلاج.

وأيضاً، جمعية “الأيادي البيضاء” التي تهتم بدعم التعليم والرعاية الصحية للأطفال الذين فقدوا فرص التعلم، وتوفر المستلزمات الدراسية والمساعدات الصحية.

وبحسب تقارير منظمات دولية، يواجه الأطفال السوريون عدة تحديات خطيرة، من أبرزها:

– الأزمة الاقتصادية: يعيش نحو 90% من الأطفال السوريين في ظروف معيشية قاسية، في ظل ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية، ما أثر على تغذيتهم وصحتهم.

– الحرمان من التعليم: هناك أكثر من 2.4 مليون طفل خارج العملية التعليمية نتيجة تدمير المدارس أو النزوح المستمر، ما يهدد مستقبلهم الثقافي والمهني.

– الخطر الأمني: يُقدّر عدد الأطفال المعرضين لخطر الألغام بنحو 5 ملايين طفل، حيث تنتشر هذه الألغام في مناطق عديدة من البلاد، ما يشكل تهديدًا دائمًا لحياتهم.

حددت المرشدة النفسية شذى عبد اللطيف عدة حلول يمكن أن تخفف من معاناة الأطفال السوريين، منها: إعادة بناء المدارس وتوفير بيئة تعليمية آمنة، مع دعم برامج التعليم عن بعد للأطفال الذين لا يمكنهم الوصول إلى المؤسسات التعليمية، مع الدعم النفسي والاجتماعي من خلال برامج تأهيل نفسي للأطفال المتضررين، وتعزيز شعورهم بالانتماء عبر الأنشطة المجتمعية، والعمل على تحسين الظروف الاقتصادية من خلال تقديم مساعدات مالية للأسر الفقيرة، ودعم مشاريع صغيرة لتحقيق دخل مستدام.

كما دعت عبد اللطيف إلى حماية الأطفال من الاستغلال عبر تطبيق قوانين صارمة لمنع عمالة الأطفال، وتوفير بدائل تعليمية ومهنية، وأكدت أهمية الرعاية الصحية والتغذية من خلال تعزيز برامج التغذية وتحسين الخدمات الصحية في المناطق المتضررة.

إن مواجهة هذه التحديات تتطلب تكاتف الجهود الدولية والمحلية، لإعادة إعمار المدارس، وتقديم الدعم النفسي والغذائي والطبي للأطفال، وضمان حقوقهم الأساسية في التعليم، الصحة، والاستقرار، فالمستقبل الآمن للأطفال السوريين لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال خطط جدية وإرادة حقيقية لحمايتهم من آثار الحرب القاسية.

شارك