خرج العرب من التاريخ ويخرجون شيئا فشيئا من الجغرافيا

نتنياهو أثناء عرض خطته لضم "غور اﻷردن"

جسر: متابعات

نتنياهو أثناء عرض خطته لضم “غور اﻷردن”

تصريح بنيامين نتنياهو أنه سيضم منطقة غور الأردن الفلسطينية في حال فوزه في الانتخابات يدعونا لعدة تساؤلات: هل باتت أراضي العرب مشاعا لكل من يريد احتلالها جهارا نهارا ولا أحد يذود عنها، أو حتى يحتج؟ المؤلم في الأمر أن عمليات قضم الأراضي العربية تجري على قدم وساق من كل الجوانب ومن قبل عدد كبير من الدول.

في الواقع فكل ذي لب يعي اليوم أن العرب وبفضل سياسات الأنظمة العربية العقيمة والمتخاصمة، بل والمتعادية، لم يعد لهم أي وزن سياسي على المستوى الدولي، وجامعتهم باتت كخانات طريق الحرير بعد أن توقفت القوافل التجارية.

وباتت قضاياهم المصيرية تحاك، وتطبخ، وتسوق دون مشاركتهم في مصيرهم فهناك من يقوم بهذا الدور فالتاريخ العربي اليوم يكتب في طهران، وأنقرة، وموسكو، وتل أبيب، وواشنطن.. أو بمفهوم آخر لقد أخرج العرب انفسهم من التاريخ وباتوا على هامشه. واليوم يخرجون من الجغرافيا شيئا فشيئا منذ بدايات القرن الماضي حتى الآن والحبل على الجرار.

في نظرة عجلى لضيق المكان والزمان نبدأ من سوريا صبيحة التحرر من الوجود العثماني حيث استولت تركيا على ديار بكر وهي أراض سورية استوطنها العرب (قبائل بكر بن وائل في عهد معاوية بن ابي سفيان ابان الفتوحات) وقد أخضعت لتركيا بموجب معاهدة لوزان في العام 1923، وهذه المنطقة تشمل: أضنة، ومرسين، وماردين، وأورفة، ومرعش، وغازي عنتاب. ولم ينته الأمر بضم ديار بكر، بل تعداها إلى لواء اسكندرون، المحافظة 15 التابعة لحلب، والذي « أهدته « فرنسا الدولة المنتدبة لسورية في العام 1939 لتركيا مقابل عدم مشاركتها ألمانيا في الحرب على الحلفاء، وتم تتريك الاسم فبات إقليم هاتاي، وقد أطيح بحكومة جميل مردم، واستقال الرئيس هاشم الأتاسي إثر هذا الضم، وظلت سوريا تطالب باللواء لغاية العام 1998 وبعد الأزمة الكبيرة بين تركيا وسوريا ارتضى نظام حافظ الأسد بالتخلي عن المطالبة بلواء اسكندرون.

في العام 1967 خسرت سوريا مرتفعات الجولان وهي أهم نقطة استراتيجية على الحدود مع دولة الاحتلال، وقد قامت بضمه في العام 1982 واعترف دونالد ترامب بسيادة إسرائيل على الجولان السوري ضمن لا مبالاة عربية ودولية، وقام بنيامين نتنياهو ببناء مدينة باسم ترامب على أراضي الجولان وكأن هذه الأراضي مشاع يمكن أن يتصرف بها كما يشاء. وكذلك تم ضم منطقة الحمة (أكبرمنابع المياه الكبريتية على ضفاف بحيرة طبريا) والتي حولت إلى منتجع سياحي. فخلال سبعين سنة تقريبا قضمت إسرائيل أراضي من فلسطين وسوريا ولبنان (مزارع شبعا)، وهي مستمرة في مشروعها الاستعماري الاستيطاني وتنفيذ شعارها الشهير:» حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل «على الحدود الشرقية للعالم العربي، وتحديدا في إمارة المحمرة (وهي عاصمة لمملكة عربية تدعى ميسان واسس المدينة شيخ قبيلة بوكاسب يوسف بن مرداو في العام 1812 وهي من أكبر المرافئ على الخليج العربي، في أوائل القرن العشرين حكمها الشيخ خزعل 1897ـ 1925 وقد تم اغتياله في العام 1936 من قبل المخابرات الايرانية) نجد أن إيران البهلوي قد ضمت إليها الإمارة (وهي أغنى منطقة بالنفظ في إيران) وقامت بتغيير الاسم إلى منطقة خوزستان.

وكرر شاه إيران العملية في احتلال جزر الامارات الثلاث الأختين طنب الكبرى والصغرى وجزيرة أبو موسى في العام 1972 بعد اجلاء القوات البريطانية منها. في فلسطين قامت حكومة الاحتلال بقضم الأراضي الفلسطينية منذ قرار التقسيم في العام 1947 ولغاية اليوم ببناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية.

واليوم يعد نتنياهو ناخبيه أنه سيضم غور الأردن وكأنه ورث الأرض عن أجداده دون أي ردة فعل عربية أو دولية عدا السيناتور الامريكي ساندرز الذي اعتبر الخطوة مخالفة للقوانين الدولية وتنهي حل الدولتين.

في الجانب الإفريقي قامت الولايات المتحدة بدفع جنوب السودان للانفصال وتساوي مساحته ربع مساحة السودان ككل، عبر استفتاء أجري في العام 2011 بعد حرب طويلة بين الشمال والجنوب وتدخل الأمم المتحدة في العام 2005 وفرض مفاوضات سلام بين الجانبين في أبوجا. وانسلخ جنوب السودان ليس عن السودان فحسب بل عن العالم العربي، وكانت اول زيارة لسيلفاكير ميارديت الرئيس السوداني خارج الدولة الوليدة إلى تل أبيب وهذا يعني كل شيء.
بقى المغرب الذي يعاني من احتلال جزيرة ليلى ومدينتي سبتة ومليلية منذ القرن الخامس عشر بعد طرد العرب من الأندلس من قبل اسبانيا والبرتغال. وهما ما زالتا محتلتان إلى اليوم وتصر اسبانيا على اسبنتهما رغم وجودها على الضفة الأخرى من المتوسط وعلى الأراضي المغربية، أي أن الحرب الصليبية لم تنته.

واليوم ونحن في أسوأ حالاتنا من التردي والانحطاط بسبب أنظمة سياسية لم تنظر إلى الامن القومي إلا من منظار الخوف من شعوبها وكيف يمكنها أن تؤطرها وتسيطر عليها حتى بالحديد والنار ننظر إلى هذا الأمر كمسألة وجود، أو بلغة شكسبيرية: «نكون أو لا نكون هذا هو السؤال».

القدس العربي 14 أيلول/سبتمبر 2019

قد يعجبك ايضا