جسر – متابعات
في قصة أشبه بالخيال السياسي والرياضي، كشفت صحيفة لوموند الفرنسية في تقرير نشرته بــ 17 أيار الجاري، النقاب عن المصير المذهل لسمير سليمان، السوري الذي جمع بين الاحتراف في دوري كرة القدم الفرنسي والعمل في أعلى مؤسسات الدولة الفرنسية، قبل أن يقع في فخ الأجهزة الأمنية السورية التي حاولت تجنيده في لعبة استخباراتية معقّدة.
وُلد سليمان في حي ركن الدين الدمشقي في سبعينيات القرن الماضي، وسرعان ما لمع نجمه كحارس مرمى شاب. في الثمانينات، انتقل إلى فرنسا ليصنع التاريخ بانضمامه إلى نادي سانت إتيان الشهير، حيث لعب إلى جانب نجم الكرة الفرنسية ميشيل بلاتيني، ليكون أول سوري يخوض تجربة احترافية بهذا المستوى.
بعد اعتزاله كرة القدم، التحق بجامعة سانت إتيان، ثم اجتاز امتحان القبول في المدرسة الوطنية للإدارة (ENA) عام 1989، وهو إنجاز استثنائي جعله جزءاً من النخبة الإدارية الفرنسية إلى جانب شخصيات مثل إيمانويل ماكرون.
لكن خلف هذا النجاح الباهر، كانت تنتظره مواجهة مريرة. ففي زيارته الوحيدة إلى سوريا عام 2001، تم استدعاؤه من قبل شعبة المخابرات العامة (أمن الدولة)، حيث خضع لتحقيق استمر عدة ساعات في أحد مكاتب الفرع الواقع في كفرسوسة. البداية كانت هادئة، لكنها سرعان ما تحوّلت إلى جلسة ترهيب مقنّع.
في إحدى الجلسات، التقاه ضابط برتبة عميد يُعرف بلقبه الأمني “أبو جمال”، متخصص في متابعة ملف “النخب السورية في الخارج”. قدّم الأخير ما يشبه العرض المغلّف بكلمات وطنية: “نحن نعرف من أنت، وموقعك مهم جداً. بلدك بحاجة إليك، وكل ما نطلبه بسيط… فقط كن آذاننا في باريس”.
سليمان رفض العرض بشكل لبق، فاستُبدلت النبرة فوراً بالتهديد: “تذكر أنك ابن هذا البلد… ومن يبتعد كثيراً قد لا يجد طريق العودة سالكاً”.
خرج سمير من التحقيق بأعجوبة بعد تدخل عائلي على مستوى رفيع، وغادر سوريا في اليوم التالي، ولم يعد إليها حتى اللحظة.
هذه الحادثة كانت بمثابة قطيعة نهائية مع الحياة العامة، فاختفى سليمان عن الأضواء طوال عقدين، ولم يظهر إلا بعد سقوط نظام الأسد في كانون الأول 2024، حين كشف للصحيفة تفاصيل ما جرى، متحدثاً بنبرة لا تخلو من ألم.
تجربة سمير سليمان تكشف الوجه الآخر من معاناة السوريين في الشتات، خصوصاً أولئك الذين رفضوا أن يتحوّلوا إلى أدوات بيد النظام. إنها قصة نجاح، لكنها أيضاً قصة نجاته من براثن آلة أمنية لا تقبل الحياد، ولا تغفر الاستقلال.