جسر – متابعات
كشفت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية في تقرير مطول أن مسؤولاً أمنياً سورياً سابقاً أدلى بشهادة هي الأولى من نوعها أمام محققين أمريكيين، أكد فيها أن الصحافي الأميركي أوستن تايس قُتل عام 2013 بأوامر مباشرة من رأس النظام السابق بشار الأسد.
ووفقاً للصحيفة، فإن اللواء بسام الحسن، الذي كان يشغل منصب مستشار الأسد للشؤون الاستراتيجية وعضواً في دائرته الضيقة، أبلغ مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) ووكالة الاستخبارات المركزية (CIA) بهذه المعلومات خلال جلسات استجواب سرية أجريت في بيروت في نيسان الماضي، بحضور مسؤولين لبنانيين.
الحسن أوضح في إفادته أن الأسد أمر بتصفية تايس بعد أن تمكن من الفرار لفترة وجيزة من أحد مراكز الاحتجاز، مشيراً إلى أنه حاول إقناع الرئيس السابق بالإبقاء عليه على قيد الحياة لاستخدامه كورقة تفاوض مع الولايات المتحدة، لكن الأسد رفض وأصر على قتله.
وأضاف الحسن أن تنفيذ الأمر جرى عبر أحد مرؤوسيه، بعد وقت قصير من إعادة القبض على تايس.
وأشارت الصحيفة إلى أن الحسن قدم للمحققين أوصافاً لمواقع يُعتقد أنها تضم رفات تايس، تتركز حول العاصمة دمشق، لكن هذه المواقع لم يتم تحديدها بدقة.
وتباشر حالياً فرق أميركية محاولات للبحث فيها، ضمن مساعٍ مستمرة لكشف مصير الصحافي الذي اختفى خلال تغطيته للأحداث في سوريا عام 2012.
ورغم أهمية شهادة الحسن، أفادت مصادر أميركية للصحيفة بأن الرواية لا تزال تفتقر إلى الأدلة الحاسمة، وقال أحد المسؤولين: “نظرياً، من الصعب فهم سبب اختلاقه مثل هذه الرواية، لكن لا يمكننا الجزم بشيء في الوقت الحالي”.
والد الصحافي، مارك تايس، عبّر عن تشككه في أقوال الحسن، واصفاً إياه بـ”مجرم حرب يحاول تبرئة نفسه”، وقال في تصريحات للصحيفة: “هذا الرجل معروف بإنكاره للفظائع، ولا يمكن الوثوق بكلامه”.
بدورها، زارت والدة تايس، ديبرا تايس، العاصمة اللبنانية بيروت في أيار الماضي على أمل لقاء الحسن، إلا أن الاجتماع لم يتم، بعدما غادر الأخير البلاد وتوارى عن الأنظار، عقب خضوعه للتحقيق.
ونقلت الصحيفة نأيضاً عن صفوان بهلول، وهو ضابط استخبارات سوري سابق، أنه أشرف على استجواب تايس في أحد “الكراجات” جنوب دمشق بعد فترة وجيزة من اعتقاله، وأكد أن الحسن هو من سلّمه الهاتف الشخصي لتايس بهدف التحقق من هويته، وأوضح أن الصحافي الأميركي قدم نفسه كضابط سابق في مشاة البحرية الأميركية ويعمل مراسلاً حراً لصالح “واشنطن بوست”.
وأضاف بهلول أن ظروف احتجاز تايس كانت “معقولة” رغم تقييده بالأصفاد، مشيراً إلى أن الفيديو الشهير الذي نُشر عام 2012 ويظهر فيه تايس مخطوفاً لدى جماعة متطرفة، كان من إنتاج النظام بأمر من اللواء الحسن، بهدف تضليل الرأي العام.
وتابعت “واشنطن بوست” أن تقييمات استخباراتية أميركية بين عامي 2016 و2024 كانت تميل إلى احتمال أن تايس لا يزال على قيد الحياة، رغم عدم وجود دليل قاطع، إلا أن سقوط نظام الأسد في كانون الأول 2024، وفرار رموزه، وعلى رأسهم بشار الأسد إلى روسيا، غيّر من تلك التقديرات، إذ لم تظهر أي إشارات تؤكد بقاء تايس على قيد الحياة منذ ذلك الحين، ما رجّح فرضية مقتله.
وأكدت الصحيفة أن الحكومة السورية الجديدة، بقيادة الرئيس أحمد الشرع، أبدت استعدادها للتعاون مع واشنطن وعائلة تايس من أجل كشف مصيره، في محاولة لطي صفحة الانتهاكات السابقة.
وفي السياق ذاته، صرّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب في آذار الماضي قائلاً: “مرت سنوات طويلة منذ اختفاء أوستن. لكننا لن نتوقف عن البحث عنه حتى نحصل على إجابة قاطعة. كثير من الأمور السيئة حدثت، لكن الأمل لا يزال قائماً”.
وكانت والدة تايس قد زارت الفاتيكان الأسبوع الماضي، حيث التقت بالبابا ليو الرابع عشر، الذي منحها ما وصفته الصحيفة بـ”بركة الأمهات”، وأكد لها دعمه في متابعة جهودها لكشف مصير ابنها.