جسر – غدي النهار
في سياق تصاعد التوترات الطائفية التي تشهدها سوريا مؤخراً، تعيش بعض المناطق على وقع أحداث أمنية مقلقة تنذر بموجة جديدة من العنف الداخلي، فقد شهدت محافظات دمشق وحماة واللاذقية خلال الأيام الماضية حوادث دامية، استهدفت مدنيين من الطائفة العلوية، وسط تضارب في الروايات الرسمية والمحلية.
وعُثر يوم الثلاثاء على جثامين خمسة أشخاص في مشفى “المجتهد” بدمشق، بعد الإبلاغ عن فقدانهم أثناء عودتهم من عملهم في أحد مطاعم المبيت إلى مساكنهم في برزة، بالعاصمة دمشق، وفي اليوم التالي، الأربعاء، تعرض سرفيس يقل مدنيين في قرية الربيعة، في الريف الغربي لمحافظة حماة، لإطلاق نار مباشر أثناء مروره قرب منطقة عسكرية، ما أدى إلى مقتل سبعة أشخاص بينهم سيدتان.
إلا أن الحدث الأهم والأكثر خطورة كان في محافظة اللاذقية، فقد شهدت قريتا الدالية وبيت عانا والمناطق المجاورة لهما في جبلة وريفها ليلة عصيبة، بدأت بفرض حظر تجوال من قبل مديرية الأمن الداخلي، بدءاً من الساعة السابعة والنصف مساء يوم الأربعاء وحتى صباح الخميس، رافق ذلك انتشار مكثف لعناصر من الأمن الداخلي ووزارة الدفاع السورية.
ماذا جرى في اللاذقية؟
تفاجأ سكان قريتي الدالية وبيت عانا بفرض حظر التجوال، الذي تزامن مع انتشار أمني غير معتاد، وذلك بعد أن أعلنت قناة “الإخبارية السورية” الرسمية عن هجوم نفذته “مجموعة خارجة عن القانون” على مركز الاتصالات في قرية الدالية، إلا أن مصادر محلية تواصلت معها صحيفة “جسر” نفت وقوع أي هجوم، وأكدت وجود حالة من الخوف والقلق بين الأهالي بسبب الانتشار الأمني الكثيف وغير المبرر.
وتحدثت المصادر عن وجود حالة من الخوف بين الأهالي وسط ما وصفوه بانتشار “غير مبرر” للعناصر الأمنية، التي دخلت إلى القرية، دون وجود أي سبب يستدعي ذلك، وفقاً لما رصده الأهالي، الأمر الذي دفع العديد من الأشخاص والعائلات للتوجه نحو الأحراش خوفاً من تكرار المجازر المروعة التي طالت أبناء الطائفة العلوية في آذار الماضي، حيث كانت قرية الدالية شرارة الانطلاقة لتلك الأحداث.
تضارب الروايات بين الإعلام الرسمي والناشطين
مع نفي وجود اشتباكات أو إطلاق نار من قبل السكان، أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي ساحة لتضارب الأنباء، إذ تحدث ناشطون عن خلاف داخلي بين موظفين مفصولين من مركز الاتصالات ومديره، بينما ادعى آخرون حدوث إطلاق نار على المركز من قبل هؤلاء الموظفين، أما الرواية الرسمية فاكتفت بالحديث عن “هجوم” مجهول الهوية.
كما انتشرت أنباء عن قدوم رتل عسكري من محافظة حماة وانتشاره في المنطقة، ما فاقم مشاعر القلق لدى الأهالي، الذين لم يتمكنوا من التحقق من صحة الروايات المتضاربة.
وقال أحد سكان بيت عانا لصحيفة “جسر”: “كان من المستحيل معرفة ما يجري، الكثير من الأنباء ربما لا شيء منها صحيح، أو ربما كلها صحيحة.. المخاوف التي رافقت تلك الأنباء هي الحقيقة الوحيدة، وفي الصباح تأكدت حقيقة مخاوفنا”.
مع ساعات الصباح الأولى من يوم الخميس، سُمع إطلاق نار متفرق في المنطقة، تبعته أنباء عن مداهمات للمنازل وعمليات اعتقال، وأكدت مصادر متعددة لصحيفة “جسر” عدم وقوع أي مواجهات بين الأهالي والقوات الأمنية، في حين قُتل ثلاثة أشخاص على يد مجموعات مسلحة تابعة للحكومة.
وذكرت المصادر أسماء الضحايا وهم عصام حسن شروف ومازن حبيب إبراهيم وعلي عبود رسوق (من بيت عانا)، وأشارت إلى إحراق 5 منازل على الأقل، وتخريب أو حرق ست سيارات، وسرقة خمس سيارات في قرية الدالية.
في المقابل، أفاد “المرصد السوري لحقوق الإنسان” بإحراق عشرات المنازل في بيت عانا، إضافة إلى مدرسة ومركز تجاري (مول)، ونادٍ رياضي.
وخلال ذلك، تم اعتقال ما بين 5 إلى 10 أشخاص، من بينهم المحامي رضوان الأحمد، وشقيقه الدكتور بسام الأحمد، ولا يزال مصيرهم مجهولاً حتى لحظة إعداد التقرير. بينما أعلنت جهات رسمية عن “اعتقال بعض المتورطين” في الهجوم المزعوم على مركز الاتصالات.
وأكدت مصادر لصحيفة “جسر” أن معظم القوات التي انتشرت في القريتين انسحبت لاحقاً، دون أي إعلان رسمي عن انتهاء الحملة الأمنية.
احتقان شعبي ومطالبات بالمحاسبة
أثارت الفوضى الأمنية والانتهاكات الأخيرة غضباً واسعاً بين الأهالي، خاصة في ظل غياب أي دليل على أعمال عدائية من قبل سكان القريتين تجاه القوات الأمنية، وطالب السكان بمحاسبة المسؤولين عن عمليات القتل والتخريب، والكشف عن مصير المعتقلين، خصوصاً وأن السلطات لم تنفِ انتماء القوات المنتشرة في المنطقة لها.
وأبدى الأهالي استياءهم من أداء الإعلام الرسمي، وغياب الشفافية في تغطية الأحداث، محملين السلطات كذلك مسؤولية محاسبة مروجي الأخبار الكاذبة الذين ساهموا في تأجيج التوترات، كما تساءلوا عن مدى التزام القوات الأمنية والعسكرية بتعليمات وزارة الدفاع وتوجيهات وزارة الداخلية.
مخاوف من تصاعد العنف
مع ارتفاع عدد الضحايا إلى 15 شخصاً خلال ثلاثة أيام فقط، تزداد المخاوف لدى أبناء الطائفة العلوية من استمرار موجة العنف وغياب المساءلة.
وأفادت مصادر محلية لـ”جسر” في الساحل السوري، أن عدداً كبيراً من السكان باتوا يفضلون البقاء في منازلهم وعدم التوجه لأعمالهم، خوفًا على حياتهم، في ظل أوضاع اقتصادية متردية، وارتفاع في نسبة المفصولين من وظائفهم.