جسر – طرطوس (غدي النهار)
تشهد سوريا هذا العام واحدة من أقسى موجات الجفاف في تاريخها الحديث، امتدت آثارها إلى مختلف المحافظات، بما في ذلك المناطق الساحلية التي تُعرف عادة بغزارة أمطارها. هذا التراجع الكبير في الهطولات المطرية، إلى جانب انخفاض منسوب السدود وجفاف العديد من الينابيع والآبار، تسبب في أزمة حقيقية طالت القطاع الزراعي ومصادر مياه الشرب، وأثار مخاوف واسعة لدى المزارعين والسكان المحليين من تبعات قد تطال الأمن الغذائي والاستقرار المعيشي
وفي محافظة طرطوس، بلغ معدل الهطول حتى نهاية أيار الماضي 542 ملم، مقارنة بـ1039 ملم في الموسم السابق، بينما يبلغ المعدل السنوي العام في المحافظة حوالي 837 ملم، وذلك وفقاً لإحصائيات المديرية العامة للأرصاد الجوية.
ويُنذر هذا الانخفاض الحاد في معدلات الأمطار، وما يرافقه من نقص كبير في نسب تخزين السدود، إضافةً إلى جفاف أو شح العديد من الينابيع المحلية والآبار الارتوازية، بكارثة على المستويين الإنساني والزراعي، في حال استمرار موجات الجفاف خلال المواسم المقبلة.
وضع الزراعة البعلية في ظل انخفاض نسب الهطول
تعد الزراعة البعلية الأكثر تضرراً من تدني مستوى الهطول المطري، إلا أنه من الصعب حصر الضرر في بعض المحاصيل الزراعية، وذلك نظراً لتداخل عوامل أخرى مثل خصوبة الأرض المزروعة، وتوقيت الزراعة.
ويشتكي مزارعو التبغ الذين تحدثت معهم صحيفة جسر في منطقتي القدموس والشيخ بدر من تراجع الإنتاجية هذا الموسم إلى حد كبير.
يقول أبو ياسين: “أنقذت موسمي بسقي شتل التبغ، نظراً لقرب الأرض من مصدر المياه، وبالتالي حققت 50 بالمئة من إنتاج العام الماضي.. في بعض أراضي التبغ في ريف القدموس والتي تعتمد تماماً على مياه الأمطار بقيت الشتلات كما هي دون نمو، بينما في أراضٍ أخرى حققت نمواً بسيطاً مع انخفاض في جودة الورق”.
كما تأثرت الأشجار المثمرة بشكل ملحوظ، وسط مخاوف من تراجع الإنتاج في الموسم القادم، في حال لم تتعافَ الأشجار، ويقول عمار وهو مزارع تفاح في ريف الدريكيش لصحيفة “جسر”: “من الواضح تأثر أشجار التفاح والدراق والخوخ من خلال صغر الثمار وانخفاض جودتها، وضعف وذبول الشجر، إلا أنه ومن خلال خبرتي الزراعية فإن تعافي الأشجار بأسرع وقت مرهون بهطول أمطار مبكرة في الموسم القادم وإلا ستواجه الأشجار خطر اليباس”.
الزراعة المروية
تتنوع مصادر الري للمحاصيل المروية بين الآبار الارتوازية والينابيع، إلا أن الآبار الارتوازية وتحديداً تلك التي تقع على عمق أقل من 100 متر، بعضها جف وبعضها يشهد انخفاضاً في منسوبها، وذلك بحسب المنطقة وطبيعة الأرض.
كما لوحظ شح وجفاف العديد من الينابيع التي تُستعمل للسقاية عبر استجرار مياهها للأراضي الزراعية.
ويزيد الوضع الراهن من الخطر على الزراعات المروية، وتحديداً محاصيل الموسم الصيفي الحالي، والمحاصيل الخريفية التي سيُقبل المزارعون على زراعتها.
ورغم الشح الملحوظ في مياه الينابيع، يناشد المواطنون الجهات المعنية بوضع حد للهدر في بعض الينابيع الجارية، عن طريق صيانتها وإصلاح البرك المعدة لتجميع مياهها، بما يتيح تأهيلها لتخدم القرى الأخرى البعيدة عن الينابيع والتي تعاني من مشكلة مياه أكبر سواء على صعيد سقاية المزروعات أو تأمين مياه الشرب.
وتكمن المشكلة الأساسية في الأراضي المروية بسهل عكار إذ يعتمد المزارعون إلى حد كبير على مياه سد الأبرش في ري محاصيلهم، غير أن نسبة التخزين في السد انخفضت إلى 29 بالمئة، مقارنةً بـ88 في العام الماضي.
وتحدثت صحيفة “جسر” مع مصدر في مديرية الموارد المائية حيث أشار “إلى أن المديرية تتجه لتقنين إمداد السهل بالمياه، وذلك لضمان استمرارية تغذية المياه بالحد الأدنى لنهاية الموسم” كما لفت إلى “أن الأولوية في ظل الشح الحالي تتجه لسقاية أشجار الحمضيات”.
ويخشى مزارعو سهل عكار من خسائر قد تنجم في موسمهم الزراعي الحالي في ظل تقنين المياه، حيث لفت مهيار وهو مزارع للفستق، أن “أيام القطع تصل لـ10 مقابل أسبوع وصل، وهذه النسبة ليست جيدة لسقاية محصولي”.
يُضاف إلى ذلك تخوف لدى المزارعين من عدم تمكنهم من زراعة المحاصيل الخريفية نظراً لتقنين المياه الحالي والانخفاض المستمر في منسوب مياه السد.
زيادة تقنين المياه الرئيسية
قال مصدر في مؤسسة المياه لصحيفة “جسر” إن “جفاف بعض الآبار الارتوازية التي كانت تغذي بعض المناطق السكنية، دفع للاعتماد على آبار أخرى تغذي مناطق مختلفة، الأمر الذي ساهم في زيادة أيام التقنين”.
كما لفت أيضاً أن “انخفاض منسوب السدود غير المخصصة للسقاية، مثل سدي الدريكيش والصوراني إلى نحو 60 بالمئة، دفع المؤسسة لاتباع تقنين في إمداد المياه الرئيسية”.
وتختلف نسبة تقنين المياه الرئيسية من منطقة إلى أخرى، حيث تتراوح بين 7 إلى 20 يوماً في بعض المناطق، ما يدفع المواطنين إلى تقليل الاستهلاك قدر المستطاع، مع توجه بعضهم لشراء صهاريج مياه، حيث يبلغ سعر الصهريج حوالي 20 ألف.
وتزداد معاناة القرى في الأرياف البعيدة، حيث تقوم عدد من القرى الأقرب لخط ضخ المياه، بزراعة مشاريع زراعية اعتماداً على المياه الرئيسية، مما يمنع وصول المياه إلى القرى الأبعد وسط مناشدات يطلقها سكانها دون جدوى.
ويزداد التخوف والمعاناة في أوساط المزارعين والفلاحين من تبعات الجفاف الذي شهدت المحافظة الغنية بالينابيع والأنهار، ومدى تأثيره مع انقضاء الموسم الصيفي الحالي، وتعقد الآمال على الموسم القادم في تحقيق نسب هطول مطرية تعيد جريان الينابيع التي تغذي السدود، وتحقق تعافي على المستوى الزراعي في الأرياف.