عن العدالة الانتقالية.. صالون دمشق يعرض الفيلم الإسباني “صمت الآخرين”

شارك

جسر – ياسر الظاهر

ضمن فعاليات تظاهرة فنية وثقافية تتمحور حول العدالة الانتقالية، عرض صالون دمشق السينمائي يوم الخميس، الفيلم الوثائقي الإسباني “صمت الآخرين” (The Silence of Others) في صالة زوايا للفنون بحي القصاع الدمشقي، وسط حضور لافت من المهتمين بالشأن الحقوقي والفني.

الفيلم من إنتاج عام 2011، أخرجه ألمودينا كاراسيدو وروبيرت باهار، ويستعرض تجربة العدالة الانتقالية في إسبانيا من خلال شهادات مؤثرة لضحايا حكم الجنرال الديكتاتور فرانكو. يقدم الفيلم قصة نضال مجموعة من الناجين وأقرباء المغيبين قسرًا، الذين تحدّوا قانون العفو الصادر عام 1977 في إسبانيا، والذي منع ملاحقة مجرمي الحرب، واختاروا اللجوء إلى القضاء الأرجنتيني في ما عُرف بـ”الدعوى الأرجنتينية”.

ويسلط الفيلم الضوء على سلسلة من الجرائم المروعة التي ارتُكبت خلال الحقبة الديكتاتورية: من القتل والتعذيب والاختفاء القسري، إلى سرقة الأطفال من أمهاتهم حديثات الولادة وبيعهم لعائلات ميسورة، بمساعدة أطباء ومسؤولين متواطئين مع النظام. هذه الجرائم، التي حاولت الدولة طي صفحتها بصمت، عادت إلى الواجهة بفعل إصرار الضحايا على المحاسبة والحقيقة.

وما يميز الفيلم، بحسب رئيسة الجمعية العربية الثقافية في السويد السيدة هدى الزعبي، هو أنه “لم يكن تقليدياً، فلم يعتمد على تمثيل درامي، بل كان الضحايا أنفسهم هم أبطاله الحقيقيون. عرضوا مشاعرهم، تجاربهم، وعمق الألم الذي حفّزهم للبحث عن الحقيقة، ورفات أحبائهم المغيبين في المقابر الجماعية”.

وأضافت الزعبي: “الفيلم خلق وعيًا لدى الشباب حول مفاهيم العدالة والإنصاف، ووجه رسالة قوية مفادها أن الألم الإنساني لا يعرف حدودًا ولا جنسيات، وهو ما يجعل من هؤلاء الضحايا قدوة لجيل جديد”.

من جهتها، تحدثت الناشطة الحقوقية والإعلامية وفا مصطفى، ابنة المعارض المغيب علي مصطفى، خلال النقاش الذي تلا العرض، مؤكدة على أهمية ما طرحه الفيلم في نبذ الثأر الفردي، والدعوة إلى المحاسبة القانونية، وضرورة التعلم من تجارب الشعوب الأخرى في هذا المجال، “خاصة في ظل الانتشار الواسع لثقافة الانتقام الفردي في سوريا”.

وقالت السيدة ناديا حلمي، إحدى الحاضرات، إن “هذا الفيلم يخصنا كسوريين في العمق، فنحن في بدايات الطريق نحو العدالة الانتقالية. التجربة الإسبانية التي عرضها الفيلم مهمة، لأنها تُظهر أن الزمن وحده لا ينهي الألم، وأن ازدهار الدولة الاقتصادي لا يغني عن تحقيق العدالة لضحاياها. الفيلم ذكرنا أن صوت الضحية لا يجب أن يخبو، وأن الكرامة لا تسقط بالتقادم”.

استمر عرض الفيلم لأكثر من تسعين دقيقة، وترافق مع نقاش موسّع حول إمكانية مقاربة العدالة الانتقالية في سوريا، لا سيما بعد إعلان تشكيل هيئة العدالة الانتقالية. وأكد الحضور على دور السينما والفن في التوعية المجتمعية، وتوثيق الانتهاكات، وطرح الأسئلة الصعبة على الذاكرة الجمعية.

واختتم الفيلم بسؤال مفتوح بقي يتردد في أذهان الحضور: هل يمكن فعلاً أن نتصالح مع ماضٍ لم نواجهه بعد؟

“صمت الآخرين” لم يكن مجرد عرض سينمائي، بل مرآة لتجارب الشعوب الباحثة عن العدالة، ودعوة جريئة لكل المجتمعات التي عاشت ويلات الاستبداد، بأن الصمت لا يشفي الجراح، وأن العدالة ليست فقط حساباً… بل حقاً في الكرامة والذكرى والمستقبل.

شارك