جسر – هبة الشوباش
تسبب الحرب في سوريا بشلل شبه تام للقطاع السياحي الذي كان يعد من أبرز مصادر الدخل للبلاد، لكن مع بداية تحسن الأوضاع الأمنية، بدأت الحكومة السورية الانقتالية ومؤسسات محلية، باتخاذ بعض الخطوات في محاولة لإعادة إحياء السياحة، من خلال ترميم المواقع الأثرية، وتشجيع الاستثمار، وتحسين البنية التحتية.
قبل اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، كانت البلاد تُعد وجهة سياحية شهيرة، حيث زارها حوالي 10 ملايين سائح في عام 2010، حيث تتمتع بمقومات سياحية متنوعة، من مواقع أثرية مثل مدينة تدمر وقلعة حلب، إلى الطبيعة الخلابة في الساحل السوري والجبال الخضراء.
ومع اندلاع الحرب، تراجعت السياحة بشكل كبير، وأصبحت زيارة سوريا محفوفة بالمخاطر، فقد واجه أهالي المناطق الخارجة عن سيطرة النظام البائد تمييزاً منهجياً خلال فترة حكم نظام بشار الأسد، كما فرض النظام قيوداً على حركة السكان من هذه المناطق نحو أخرى، خصوصاً إلى الساحل السوري، حيث تعرضوا لمعاملة غير إنسانية على الحواجز الأمنية، مما جعل السفر إلى البحر أمراً صعباً وخطراً بالنسبة لهم.
كذلك، أصبح الزوار من خارج البلاد يخشون زيارة سوريا بسبب الظروف الأمنية المتدهورة.
وبعد سقوط النظام نهاية 2024 ومع تحسن الأوضاع السياسية والأمنية تدريجياً، بدأت مدينة اللاذقية هذا الصيف تستعيد حركة السياحة من جديد، حيث تشهد إقبالاً واسعاً من قبل زائرين حُرموا لأكثر من 13 عاماً من الاستمتاع بأجواء الصيف والبحر.
وفي تصريح خاص لصحيفة جسر، قالت فاطمة خليفة، رئيسة نقابة عمال السياحة في اللاذقية إن “قطاع السياحة هو أول قطاع يعاني وآخر قطاع يتعافى. لكنه يمتلك إمكانيات نمو وتنوع كبيرة بين السياحة الترفيهية، البيئية، الثقافية، الدينية، والاستشفائية”.
وأضافت أن التحدي يكمن في استعادة البنية التحتية، تأهيل الكوادر المحلية، وتوفير الخدمات التي تليق بالمدينة، مشيرةً إلى أن ذلك “سيُسهم في جذب المستثمرين والزوار معاً، لاستكشاف سحر المدينة والاستثمار في مستقبلها الواعد”.
كما أكدت أن اللاذقية، “قلب الساحل السوري النابض بالحياة”، تحتوي على كنوز أثرية تروي قصص آلاف السنين، من رأس شمرة إلى قلعة صلاح الدين، مما يستدعي منحها الاهتمام الذي تستحقه.
وبحسب تصريحات المسؤولين، تعمل الحكومة السورية حالياً على تنفيذ عدة مشاريع حيوية تهدف إلى إعادة النهوض بالقطاع السياحي، ومنها: توسعة مطار دمشق الدولي لاستيعاب 5 ملايين مسافر سنوياً، وتحديث أنظمة الجوازات وإعادة افتتاح بعض خطوط الطيران الدولية، وترميم المواقع الأثرية مثل مدينة تدمر وقلعة حلب، بدعم من منظمات دولية.
كما تعمل على تشجيع الاستثمار الأجنبي من خلال إصدار قانون يمنح إعفاءات ضريبية تصل إلى 10 سنوات للمشاريع السياحية الكبرى، والترويج السياحي عبر إنتاج أفلام قصيرة وجولات افتراضية، ودعم السياحة الشعبية في الشواطئ المفتوحة، مثل شاطئ “لابلاج” في اللاذقية.
وكل هذه المبادرات تأتي في إطار استراتيجية متكاملة لإعادة بناء الثقة وإعادة جذب السياح، محلياً ودولياً.
لقد كانت السياحة جزءاً مهماً من الهوية الثقافية والاقتصادية لسوريا، إذ جمعت بين التاريخ العريق والطبيعة الساحرة، وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي واجهها القطاع خلال السنوات الماضية، فإن جهود إعادة الإعمار وتنشيط السياحة تمثل بارقة أمل لمستقبل أكثر إشراقاً في هذا المجال.