جسر – عبد الله الحمد
بعد أربعة عشر عاماً من الصراع العنيف، تحاول الأسر السورية التكيّف مع مرحلة جديدة في تاريخ البلاد، حيث تدعو منظمة “اليونيسف” إلى تقديم الدعم العاجل لضمان مستقبل آمن ومزدهر لأطفال سوريا، الذين شكلت الحرب واقعهم الوحيد منذ ولادتهم.
75% من أطفال سوريا ولدوا في زمن الحرب
تشير تقديرات “اليونيسف” إلى أن أكثر من 75% من أطفال سوريا – من أصل 10.5 مليون طفل – وُلدوا خلال سنوات الحرب، ما يعني أن معظمهم لم يعرف سوى العنف، التهجير، والدمار.
وفي هذا السياق، قالت المديرة التنفيذية لـ “اليونيسف”، السيدة كاثرين راسل: “لقد دمرت سنوات الحرب والعنف حياة أطفال سوريا، وعانى الكثيرون من شظف العيش طيلة سنوات حياتهم جميعها. نحتاج إلى العمل بشكل عاجل لضمان أن يتمكن كل طفل في سوريا، أينما كان، من استعادة طفولته، والوصول إلى التعليم، وعيش حياة خالية من العنف والخوف”.
وفي ظل الواقع المأساوي، يعيش تسعة من كل عشرة سوريين تحت خط الفقر، ما يدفع العديد من الأسر إلى تدابير قاسية مثل تشغيل الأطفال وتزويج القاصرات.
وتقول الخبيرة التربوية تالين قزازيان إن الظاهرة تفاقمت بشكل كبير مع استمرار النزاع، حيث ازدادت حالات عمالة الأطفال، نتيجة الفقر وفقدان المعيل.
وأكدت على “أهمية تفعيل دور المنظمات الإنسانية بالتنسيق مع الحكومة السورية الجديدة والأمم المتحدة”، داعية إلى “تقسيم العمل على مستويات آنية، متوسطة، واستراتيجية طويلة الأمد، مستفيدة من تجارب دول نجحت في معالجة أوضاع مماثلة”.
كما أشار الإعلامي ماهر محمد، المتخصص في الشؤون التربوية والاجتماعية، إلى أن “تأثير الحروب على الأطفال لا يقتصر على السلوك العنيف، بل يشمل عمالة الأطفال، التسرب من المدارس، واضطراب العلاقات الاجتماعية في المستقبل”.
أرقام صادمة تكشف حجم الأزمة
وفقاً لإحصاءات “اليونيسف”، فإن وضع الأطفال في سوريا لا يزال مقلقاً للغاية، وتوضح الأرقام التالية حجم التحديات:
– أكثر من 5 ملايين طفل معرضون لخطر بقايا الحرب القابلة للانفجار، مع وجود نحو 300 ألف جسم متفجر في البلاد.
– أكثر من 40% من المدارس (من أصل 20,000 مدرسة) مغلقة، ما يترك أكثر من 2.4 مليون طفل خارج العملية التعليمية، ومليون آخرين مهددين بترك التعليم.
– يعاني أكثر من 500,000 طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية المهدّد للحياة، وهناك مليونا طفل إضافيان على حافة هذا الخطر.
– تغطي أنظمة المياه أقل من 50% من الاحتياجات في 14 محافظة، وتنخفض النسبة إلى 23% عند انقطاع الكهرباء.
– يتم تصريف 70% من مياه الصرف الصحي دون معالجة، ما يشكل تهديداً صحياً خطيراً، خصوصاً على الأطفال.
دعوات دولية تركز على الأطفال في مستقبل سوريا
في أعقاب مؤتمر “الوقوف مع سوريا” في بروكسل، دعت منظمة “اليونيسف” قادة العالم إلى اعتماد نهج يركز على الأطفال في عملية التعافي وإعادة الإعمار، وشددت على ضرورة أن تكون حقوق وسلامة الأطفال في قلب إعادة البناء السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
وتتضمن أبرز مطالب اليونيسف، حماية فورية للأطفال وتوفير الخدمات الأساسية، من مدارس ومستشفيات وبنية تحتية للمياه، واستثمار في التعليم لضمان وصول جميع الأطفال إلى تعليم جيد وآمن وشامل، وتوسيع الوصول الإنساني لتقديم الدعم المنقذ للحياة للأطفال المتأثرين، ودعم دولي مستمر لإعادة بناء الأنظمة الأساسية (الصحة، المياه، الصرف الصحي) لضمان استقرار دائم.
إعادة الأمل تبدأ بالاستثمار في الطفل
اختتمت المديرة التنفيذية لليونيسف، السيدة كاثرين راسل، تصريحاتها بالتأكيد على ضرورة استشعار الأمل وتحمل المسؤولية الجماعية، قائلة: “آن الأوان للعمل بقوة لإعادة البناء، حماية كل طفل، والاستثمار في مستقبله داخل كل مجتمع محلي في سوريا”.
وأضافت أن “اليونيسف” ستواصل العمل مع شركائها نحو التعافي الشامل والإصلاح المنهجي، بما في ذلك تطوير المؤسسات، تقديم الخدمات الاجتماعية المستدامة، واستمرار تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة لضمان عدم تخلف أي طفل عن الركب.
في نهاية المطاف، يحتاج أطفال سوريا إلى ما هو أكبر من المساعدات الطارئة؛ إنهم بحاجة إلى حل سلمي طويل الأمد يعيد لهم الطفولة المفقودة. وحتى يتحقق ذلك، يجب توفير بيئة حاضنة عبر إصلاحات حكومية، وتشريعات واقعية، ومبادرات مجتمعية تكفل لهم فرصًا حقيقية لبناء مستقبل أفضل.