بين الشائعات والحقائق.. غموض يلف حوادث اختفاء النساء في الساحل السوري

شارك

جسر – محمود مرهج

مع دخول عام 2025، تصاعدت موجة جديدة من التوترات الطائفية في سوريا، رافقها تنامٍ مقلق في ظاهرة اختفاء النساء، خصوصاً في محافظات الساحل السوري وحمص وحماة. هذه الحوادث، التي تم ربط بعضها بأبعاد طائفية، تثير تساؤلات واسعة حول أسبابها، ودور السلطات في التعامل معها، وسط صمت رسمي شبه تام.

حوادث اختفاء متزايدة وسط توتر طائفي

وفقاً لتقارير منظمات حقوقية، وعلى رأسها “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، تم توثيق أكثر من 50 حالة اختفاء لنساء ينتمين في معظمهن إلى الطائفة العلوية، منذ مطلع يناير/كانون الثاني 2025.

وأشار المرصد إلى أن معظم الحالات لا تزال مجهولة المصير، فيما لم تُعلن الجهات الرسمية أي نتائج ملموسة بخصوص التحقيقات، رغم مرور أكثر من أربعة أشهر على بداية هذه الموجة.

الحالة الأولى: اختفاء الاستاذة الجامعية رشا العلي

تشير مصادر محلية إلى أن أولى حالات الاختفاء الموثقة تعود إلى منتصف كانون الثاني، عندما فُقدت الاستاذة الجامعية رشا العلي، وهي من محافظة حمص.

ومنذ ذلك الحين، تسارعت وتيرة الحوادث، وبرزت نماذج عديدة لسيدات اختفين في ظروف غامضة، دون تفسير رسمي أو تحركات أمنية واضحة.

مناشدات وتهديدات.. ذوو المفقودات في الواجهة

أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي المنصة الأساسية لذوي المفقودات، حيث نشر كثيرون مناشدات علنية بحثاً عن أي معلومات. ومن أبرز الحالات، فيديو لشاب يبحث عن شقيقته عبير يونس سليمان، التي اختفت صباح يوم الأربعاء في طرطوس.

وذكر الشاب في فيديو مصور تلقّيه “تهديدات من رقم هاتفي عراقي” تطالبه بوقف البحث عنها، مؤكداً أنها “لن تعود”.

وبحسب فيديوهات متداولة تظهر تواصل الشاب مع أشخاص مجهولين طلبوا منه سحب البلاغ الرسمي أو دفع فدية، مدعين نقل شقيقته إلى محافظة إدلب.

عودة غامضة لبعض المختفيات

رغم بعض حالات العودة، إلا أن معظمها تم وسط غموض يثير الريبة، فقد عادت الشقيقتان لبنى ولانا حمود بعد اختفائهما مع شقيقهما حمزة في آذار الماضي بقرية بيت شنتة في ريف طرطوس، بفضل وساطات أهلية، لكن مصير حمزة ما يزال مجهولاً.

وفي حادثة مشابهة، عادت الشابة نور أسعد بعد يومين من اختفائها قرب نفق المواساة في دمشق، في فيديو صامت بجانب والدتها، دون تقديم أي توضيح رسمي للرأي العام.

أما الطفلة سيما حسنو (12 عاماً) فعادت بعد غياب استمر أسبوعين، برواية أثارت الجدل، إذ قالت إنها تعرضت للخداع من فتاة أقنعتها بأنها من “أهلها السابقين”، في إشارة إلى معتقدات التقمّص المنتشرة في بعض المجتمعات المحلية، لكن مراقبين وصفوا القصة بأنها “غير مترابطة وتفتقر إلى المصداقية”، وفقاً لتصريحات نقلها موقع سيريا نيوز المحلي.

وفي طرطوس أيضاً، اختفت الشابة آية قاسم نهاراً، وانتشر تسجيل يُسمع فيه صوتها وهي تصرخ أثناء تعرّضها للضرب، وبعد ثلاثة أيام، عادت وقدّمت رواية عن “عملية احتيال” تعرضت لها من قبل صديقتها، التي أوهمتها بوجود فرصة عمل في حلب، إلا أن تناقض تصريحاتها مع روايات ذويها أثار مزيداً من الشكوك.

غياب شبه تام للسلطات

حتى اللحظة، لم تصدر أي وزارة أو جهة أمنية سورية بيانات رسمية بشأن هذه الحالات، ويرى مراقبون أن غياب الشفافية والتعامل الجدي من قبل الحكومة، يزيد من تفاقم المشكلة.

وقال ناشط حقوقي من الساحل السوري، فضل عدم الكشف عن اسمه، لصحيفة “جسر”: “نحن أمام ظاهرة خطيرة تتقاطع فيها الجرائم المنظمة مع الانفلات الأمني، وغياب الدولة هو العامل المشترك”.

وأضاف أن “الشائعات عن اختطاف فتيات بهدف التزويج القسري أو لأغراض طائفية تعزز الشعور بالخوف والانقسام، خاصة مع تداول مصطلحات خطيرة مثل سبايا الحرب، وهي دلالات لا يجب تجاهلها في ظل السياق الطائفي الراهن، ويجب أخذها بعين الاعتبار بدلاً من إنكارها بشكل مطلق”.

روايات مضادة وأسباب شخصية

في المقابل، أرجع البعض بعض حوادث الاختفاء إلى “دوافع شخصية أو اجتماعية”، مثل حالة الشابة “ميرا” التي تبين أنها هربت وتزوجت دون علم أهلها، لتظهر لاحقاً في فيديو تعلن فيه زواجها طوعاً.

ورغم أن مثل هذه الحالات قد تكون واقعية، إلا أن استمرار اختفاء أخريات دون أثر يقلل من فاعلية هذه التبريرات العامة.

مطالبات متصاعدة باستعادة الأمن

يطالب ناشطون ومواطنون بضرورة تحرك سريع من قبل الجهات الأمنية لكشف مصير المختفيات، وضبط الفوضى المتزايدة، ويؤكدون أن تكرار عمليات الاختفاء في وضح النهار، ومن مناطق يفترض أنها تحت سيطرة الدولة، يكشف عن “ثغرات” خطيرة في النظام الأمني.

كما تتزايد الدعوات إلى تشكيل لجنة تحقيق مستقلة ونزيهة تضم ممثلين عن المجتمع المدني، لكشف الحقائق ومحاسبة المسؤولين.

وفي ظل غياب الأجوبة، تستمر معاناة العائلات السورية في مواجهة مصير مجهول لبناتهن، ويبقى الأمل معقوداً على تحرك جاد يعيد الحد الأدنى من الشعور بالأمان، في بلد أنهكته الحرب والانقسامات، ويواجه اليوم أزمة أخلاقية وإنسانية لا تقل خطورة عن أي معركة أخرى.

شارك