جسر – طرطوس (غدي النهار)
أدت السياسات الحكومية المتمثلة بتحرير أسعار المشتقات النفطية إلى خلق أزمة جديدة للمواطنين، فقد تضاعفت أجور المواصلات بنسبة تتراوح بين 300 إلى 400%، مما أدى إلى انخفاض كبير في حركة المواطنين عبر وسائل النقل العامة، كما شكلت حوادث القتل المتفرقة وحالات الإبلاغ عن اختفاء السيدات قيداً إضافياً على تنقلات المواطنين، الأمر الذي انعكس سلباً على دخل سائقي السرافيس.
ورغم تناسب التعرفة الجديدة مع سعر المازوت، يشتكي السائقون من قلة الركاب وانخفاض الدخل اليومي بشكل كبير.
مشكلة أصحاب السرافيس
يعاني أصحاب السرافيس من انخفاض غير مسبوق في أعداد الركاب، فالسرافيس التي تنقل المواطنين إلى الأرياف أصبحت تنطلق برحلة أو رحلتين يومياً كحد أقصى، بعد أن كانت تقوم بـ 4 أو 5 رحلات، كما أن تسريح آلاف العساكر، الذين كانوا يعتمدون على وسائل النقل العامة للوصول إلى الكلية البحرية أو كراج طرطوس للسفر إلى محافظات أخرى، ساهم بشكل مباشر في انخفاض عدد الركاب.
ويصطف أصحاب السرافيس في الكراج منذ الرابعة صباحاً للحجز في الدور، على الرغم من أن الرحلات قد لا تنطلق قبل السابعة صباحاً أحياناً.
يقول أبو محمد، سائق سرفيس على خط طرطوس-بانياس، لصحيفة “جسر” إنه “نظراً لوجود أعداد كبيرة من السرافيس، فأنا أصطف مبكراً على أمل القيام بأكثر من رحلة في اليوم”.
كذلك، تعاني السرافيس التي تعمل ضمن مدينة طرطوس من نقص الركاب، حيث تدور السرافيس شبه خالية، ويقول يامن، سائق على خط مشبكة-مشفى-صناعة: “أصبحت أنتظر في أماكن ازدحام المواطنين مدة تصل إلى الساعة، بعد أن كنت أقف دقائق لينزل الركاب ويصعد غيرهم”.
يضاف إلى ذلك شكوى السائقين من ارتفاع تكاليف صيانة السرافيس بسبب غياب الرقابة على محلات الصيانة، التي تفرض أسعاراً مرتفعة.
الطلاب الجامعيون وتحدياتهم
تأثر الطلاب الجامعيون بشكل كبير بارتفاع تكاليف المواصلات، ويؤكد العديد من الطلاب الذين تحدثت معهم صحيفة “جسر” أن دوامهم الجامعي بات يقتصر على المحاضرات العملية التي تتطلب حضوراً إلزامياً.
يوضح علي، طالب في السنة الرابعة بكلية هندسة الاتصالات من سكان طرطوس: “أرغب في حضور المحاضرات النظرية في الأيام الأخرى، لكن الصعوبات المادية تقف عائقاً في وجهي.. كان أجر السرفيس إلى الجامعة ألف ليرة، أصبح الآن أربعة آلاف، لذا لا يمكنني تحمل تكاليف المواصلات التي تصل إلى 120 ألف ليرة شهرياً في حال داومت كل الأسبوع”.
وتكمن معاناة الطلاب في غياب فرص عمل تتناسب مع دراستهم، مما يجعلهم يعتمدون كلياً على ذويهم، ويقول بهاء، طالب في السنة الثانية بكلية الاقتصاد: “على الرغم من تضاعف أجر المواصلات، إلا أني لا زلت أحصل على نفس المصروف من أهلي، بسبب بقاء دخل والدي على حاله.. بالكاد يكفيني المصروف الشهري لأجور المواصلات، لذلك أُجبرت على تقليص أيام الدوام لأتمكن من تغطية تكاليف شراء المحاضرات وغيرها من الاحتياجات”.
وتزداد معاناة طلاب الأرياف، حيث ارتفعت تعرفة السرافيس بشكل كبير، فعلى سبيل المثال، أصبحت تعرفة طرطوس-الدريكيش 9500 ليرة بعد أن كانت 2000 ليرة، وطرطوس-بانياس 11000 ليرة بعد أن كانت 2500 ليرة، بالإضافة إلى تكاليف النقل من كراج طرطوس إلى الكليات.
الموظفون وغياب البدائل
يعاني الموظفون، خاصة أصحاب الأسر، من أعباء مضاعفة، حيث أن راتب موظف الدرجة الأولى، البالغ حوالي 400 ألف ليرة سورية، قد يُنفق نصفه على المواصلات، خاصة لسكان الأرياف.
وتقول أم يزن، موظفة في مؤسسة حكومية، لصحيفة “جسر” إن “ثلث راتبي يذهب أجراً للمواصلات، وحوالي 100 ألف مصروف المواصلات لابنتي الجامعية، ولا يتبقى إلا القليل لمصروف المنزل، كما أن زوجي المتقاعد لا يجد عملاً يؤمن له دخلاً مستمراً، والحياة تزداد صعوبة”.
ورغم أن بعض المؤسسات الحكومية توفر باصات لنقل موظفيها، لكن هذه الخدمة تقتصر على موظفي تلك المؤسسات فقط.
غياب الحلول الحكومية
يطالب أصحاب السرافيس والمواطنون بتخفيض تعرفة السرافيس من خلال إعادة دعم المشتقات النفطية، لكن هذا الحل يبدو غير وارد في ظل السياسات الحكومية الحالية التي لا تعرض خططاً مستقبلية للدعم، وينتظر المواطنون وأصحاب السرافيس إقرار زيادة الرواتب بنسبة 400%، كما وعدت الحكومة، والتي كان من المفترض أن تُصدر في أول شباط الفائت.
يعاني الأهالي والسكان في طرطوس من ظروف معيشية قاسية في ظل اقتصاد منهك بالحرب، ومع رفع العقوبات، تتجه الأنظار نحو الخطط التنموية التي من المفترض أن تحسن أوضاع المواطنين بعد سنوات من الحصار الاقتصادي.