جسر – طرطوس (غدي النهار)
تشهد مدينة طرطوس نشاطاً تطوعياً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، مع وجود عشرات الفرق التطوعية، فرغم غياب الدعم والاعتماد على التمويل الذاتي، إلا أن هذه الفرق تقوم بمبادرات وأنشطة متعددة تنعكس إيجاباً على المدينة وسكانها، وتُجسّد دور المجتمع المدني في خدمة المجتمعات المحلية والمساهمة في تطويرها.
وفي سياق الجهود التي تبذلها الفرق التطوعية في إبراز جمالية مدينة طرطوس السياحية، شاركت ست فرق تطوعية، وهي: لون الحرية، في، أهلاً بأثرك، جسور الأمل، نبض، ويف، بمبادرة بعنوان “هويتنا بجدارية”، وذلك لرسم جدارية عملاقة على المدخل الشرقي لمدينة طرطوس.
وجرى تنفيذ المبادرة بالتعاون والتنسيق مع الدفاع المدني السوري، الذي قام بإضاءة الموقع، وتأمين رافعة لتسهيل العمل، كما رافق المتطوعين طوال فترة تنفيذ المبادرة.
وقالت جولا درويش من فريق “أهلاً بأثرك” لصحيفة “جسر”: “إن فكرة المبادرة لطالما كانت موجودة في أذهان المتطوعين، إلا أن الظروف المادية وغياب التمويل وقفا عائقًا أمام تنفيذها سابقًا.”
ولفتت إلى “أن اجتماعاً للفرق التطوعية عُقد مؤخراً في محافظة طرطوس، جرى خلاله تبادل الأفكار والمقترحات لتنفيذ مبادرات محلية، وتم الاتفاق على رسم الجدارية بعد أن تكفل فريق “لون الحرية” بتأمين لوجستيات العمل من دهان وأدوات تنفيذ، فيما أبدت الفرق الأخرى رغبتها بالتعاون والمشاركة”.
ونسّقت الفرق المتطوعة العمل بين الأفراد المشاركين، فبعد أن صمم مهندسو العمارة الهوية البصرية للجدارية، وتم أخذ القياسات، باشر المتطوعون أعمال دهان الحائط باللون الأبيض لتغطية الرسومات والكتابات القديمة، ثم استكملوا عملهم في الأيام التالية بتخطيط الجدارية والبدء بتلوينها حتى تم إكمالها.
وتتضمن الجدارية تفاصيل خاصة مستوحاة من الحياة في مدينة طرطوس، مثل: البحر وطائر النورس، والزراعة (الزيتون والحمضيات)، والمدينة القديمة، إلى جانب تفاصيل أخرى تعكس وجه المدينة السياحي، وهوية سكانها.
وتتميز الجدارية باتساع مساحة الحائط المرسومة عليه، كما تعكس تفاصيل الجدارية حجم الجهد المبذول لتنفيذها، والذي شارك فيه حوالي 25 متطوعًا، عملوا على مدار 15 يوماً ولساعات متأخرة من الليل حتى إنجاز المبادرة.
يقول يوسف خضر من فريق “ويف”: “هذه الجدارية ستترك أثراً وانطباعاً جميلاً عن ثقافة المدينة، كما أنها ستخلق ذاكرة بصرية في أعين الزوار، خاصة أنها تقع على أحد مداخل طرطوس.”
وتمت دعوة أبناء محافظة طرطوس لحضور افتتاح إضاءة الجدارية مساء الأحد الماضي، حيث شارك العشرات من أبناء المحافظة وأبدوا إعجابهم بالعمل المنجز.
وتقول مرح حيدر من فريق “في”: رسم الجدارية بهذا الحجم وبهذا المستوى من التفاصيل، كسر النمطية المعتادة في أعمال الرسم الأخرى، وشكّل وجود هذا الخليط الفكري والديني بين المتطوعين فرصة لفتح نقاشات حول الهواجس الحالية، وكأنها جلسة سلم أهلي، في جو سادته الألفة، وكان اجتماعنا للتعبير عن أنفسنا من خلال رسم هذه الجدارية، التي عكست هوية طرطوس المتنوعة”.
كما عبّر المتطوعون عن أهمية تعاون الفرق التطوعية فيما بينها، من أجل تنسيق الجهود المبذولة في خدمة المجتمعات الأهلية في طرطوس.
إذ يسهم التعاون أيضاً في تبادل الخبرات التي يمتلكها المتطوعون بين الفرق، ويسهّل عملية التنسيق لتنفيذ مبادرات مستقبلية، إضافة إلى اقتراح أفكار متنوعة.
وتسعى الفرق التطوعية إلى تنفيذ مبادرات جديدة في قادم الأيام في أماكن أخرى من المحافظة، وتشمل هذه المبادرات أنشطة خدمية، وترفيهية، وثقافية.
كما تسعى الفرق للتشبيك والتعاون مع فرق تطوعية من محافظات أخرى.
ولفتت مرح حيدر إلى أن فريقها “في” نسّق مؤخراً مع جمعية “مجال” المعنية بالأطفال، واستكملوا الفعالية التي بدأتها الجمعية في دمشق، وأقاموا أنشطة تفاعلية استهدفت 150 طفلًا في طرطوس.
يُذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تنسق فيها فرق طرطوس التطوعية العمل فيما بينها، فبعد مجازر آذار المنصرم، تجمعت الفرق وقامت بحملة إغاثية واسعة تم خلالها توزيع مئات السلل الغذائية والدوائية على القرى والبلدات المنكوبة في أرياف طرطوس.