جسر – متابعات
أعلنت اللجنة الوطنية المستقلة للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل السوري، عن مقتل 1426 شخصاً على الأقل من المدنيين خلال الأحداث الدامية التي شهدتها المنطقة في آذار/مارس الماضي، مؤكدة أن الضحايا شملوا عسكريين سابقين أجروا تسويات، إلى جانب عناصر من فلول نظام بشار الأسد، ووجهت اللجنة أصابع الاتهام إلى أفراد انضموا سابقاً إلى فصائل مقاتلة وآخرين خالفوا التعليمات العسكرية.
وجاء الإعلان ضمن مؤتمر صحفي عُقد في دمشق، حيث قدّمت اللجنة تقريرها النهائي إلى رئيس المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، بعد تمديد ولايتها لثلاثة أشهر إضافية تجاوزت خلالها الموعد الأصلي للتسليم بعشرة أيام.
وبحسب المتحدث باسم اللجنة، ياسر فرحان، فقد زارت فرق التحقيق 33 موقعاً في مناطق الانتهاكات، واستمع المحققون إلى 938 إفادة من شهود عيان، بالإضافة إلى مقابلات مع موقوفين ومسؤولين محليين. وتم توثيق تورط 298 شخصاً بارتكاب انتهاكات جسيمة، وأُحيلت قائمتان بأسمائهم إلى النيابة العامة، مع التأكيد على أن دور اللجنة انتهى بإعداد التقرير، فيما تنتقل مهمة الملاحقة إلى القضاء.
وأشار فرحان إلى أن بعض المرتكبين تصرفوا بدوافع ثأرية وطائفية، أو انتحلوا صفات عسكرية لتحقيق مكاسب شخصية، في حين قام آخرون بتشكيل عصابات لنهب الممتلكات وارتكاب جرائم ممنهجة.
ولفت إلى أن فلولاً من نظام الأسد كانت من بين أبرز المسؤولين عن العنف، حيث تم توثيق تورط 265 عنصراً من هذه الفلول في عمليات قتل وتمثيل بالجثث وهجمات على المدنيين والعسكريين، بما في ذلك تدمير ستة مستشفيات وقتل 238 من عناصر قوى الأمن الداخلي.
وذكرت اللجنة أن سيطرة الدولة كانت ضعيفة أو معدومة خلال فترة الانتهاكات.
وأكد فرحان أن هذا العمل الميداني منح اللجنة درجة عالية من المصداقية في نظر عائلات الضحايا والجهات الأممية.
من جهته، قدّم رئيس اللجنة جمعة العنزي حزمة توصيات، أبرزها متابعة التحقيقات القضائية بحق المشتبه بهم، وإطلاق برامج لجبر الضرر، وتعزيز الرقابة على مؤسسات الأمن والجيش، وتحديث المعدات والتكنولوجيا المستخدمة.
كما دعت اللجنة إلى مواءمة القوانين الوطنية مع الاتفاقيات الدولية، والتوقيع على اتفاقية منع الاختفاء القسري، وتنفيذ خطة وزارة الدفاع لضبط السلاح ودمج الفصائل العسكرية، مع الالتزام الصارم بقواعد السلوك الصادرة في أيار/مايو الماضي.
وفي جانب الحوكمة، أوصت اللجنة بإعادة النظر في قرارات التسريح والتعيينات الإدارية المخالفة، واتخاذ إجراءات تضمن عدم التحريض على العنف أو النعرات الطائفية في الإعلام ووسائل التواصل.
ودعت اللجنة إلى تفعيل مسارات الحوار والسلم الأهلي، وملاحقة المتورطين من عناصر وقيادات نظام الأسد الفارين، معتبرة أنهم ما زالوا يشكلون تهديداً حقيقياً للمجتمع المحلي.
ويترقب السوريون، وخاصة أهالي الضحايا في الساحل، بدء عملية المحاسبة القضائية بعد تسليم اللجنة الوطنية المستقلة قوائم المشتبه بهم إلى النيابة العامة، وسط دعوات متصاعدة لضمان عدم إفلات المتورطين من العدالة.
ويأمل الكثير من السوريين أن يشكّل هذا التقرير نقطة تحول حقيقية في مسار العدالة الانتقالية، تضع حداً لسنوات من الإفلات من العقاب، وتؤسس لمرحلة جديدة تقوم على المساءلة وإنصاف الضحايا ومنع تكرار الانتهاكات.