“استقالات” هيئة تحرير الشام.. هل حان وقت اجتثثات “حراس الدين”؟

الدكتور بسام صهيوني والشيخ أبو مالك التلي

جسر: خاص:

شهد، يوم الثلاثاء الفائت، استقالتين من مجلس الشوري العام -الذي يعتبر الكيان الشرعي المسؤول عن حكومة الإنقاذ- في الشمال السوري، بدأها الدكتور “بسام صهيوني“، رئيس المجلس، في الصباح، ليعقبه الشيخ “أبو مالك التلي” العضو في المجلس، مصدراً بياناً في المساء، حول أسباب استقالته.

علامات استفهام كثيرة، خلفتها تلك الاستقالات، والتي عزاها مسؤول سابق في الهيئة إلى رغبة الجولاني بإقصاء كل من يغرد خارج سربه، في وقت كشف فيه مسؤول استخباراتي لـ “جسر” أن رفض هؤلاء لخطة تركية لاجتثاث بعض التنظيمات الجهادية الأكثر تشدداً، كان الدافع وراء استقالتهم.

استقالات غامضة

استقالة صهيوني جاءت مقتضبة، فكل ما أكده أنه سينشر أسبابها في وقت لاحق، أما الشيخ التلي، فعزا استقالته وفقاً لبيان أصدره إلى “جهله وعدم علمه ببعض سياسات الجماعة أو عدم قناعته بها”.

وقال التلي “عزمت مفارقة هيئة تحرير الشام، وذلك بسبب جهلي وعدم علمي ببعض سياسات الجماعة أو عدم قناعتي بها، وهذا أمر فطري، فقد جبل الإنسان على حب المعرفة، (..) وستبقى الأخوة الإيمانية تجمع بيننا”، حسب تعبيره.

ويعتبر “التلي”، أحد أبرز القياديين في “تحرير الشام”، وشغل منصب أمير “جبهة النصرة” في القلمون الغربي، إلى أن انتقل إلى محافظة إدلب، بموجب الاتفاق الذي أبرم بين “حزب الله اللبناني” و”هيئة تحرير الشام”، في آب عام 2017.

وعرف عن القيادي جمال زينية “أبو مالك التلي” تذبذبه في المواقف، فمنذ عام تقريباً، ومع استقالة الشرعي “أبو اليقظان المصري”، أعلن التلي أنه “عاش أياماً عصيبة لا يعلم ما الخير بالنسبة له، البقاء، أم مغادرة الهيئة”، ليحسم أمره مقرراً البقاء ضمن صفوفها.

تحولات جذرية

وعزا المحامي عصام الخطيب، النائب العسكري الأسبق في هيئة تحرير الشام، هذه الاستقالات لتغير سياسة الهيئة بشكل عام، من حركة جهادية إلى حزب سياسي براغماتي، بخلفية إسلامية، يسعى للحفاظ على السلطة مهما كانت المساحة الجغرافية التي يسيطر عليها.

ونوه الخطيب في تصريح خاص لـ”جسر”، أن الاستقالات الأخيرة، ستتبعها استقالات أخرى، لكل من لن يرضى بهذا التحول، والنقلة الكبيرة التي شهدتها قيادة الهيئة.

وقال الخطيب “القاعدة الاساسية بالنسبة لقيادات الهيئة، لمن سيبقى مع الجولاني، هي الولاء للأخير، فكلما كان الشخص أكثر ولاءاً وطاعة له، كلما قرب ورفع ضمن صفوف الهيئة، ولم يعد المعيار الولاء لله عزوجل، أو الثورية أو العمل أو التاريخ الجهادي”، حسب تعبيره.

وعن مستقبل من سيرفضون الخضوع لهذه القاعدة، قال الخطيب “باقي الأشخاص سيضطرون للانسحاب لأنهم سيتعرضون للمضايقة، ويدفعون عنوة للاستقالة”.

صهيوني والتلي

وفيما يتعلق باستقالة الدكتور بسام صهيوني، قال الخطيب “استفاد الجولاني، بشكل كبير من الدكتور صهيوني في تشكيل الحكومة، من خيرة دكاترة الجامعات، الذين أسهم وجودهم بإعطائها مصداقية وشعبية، وعمل صهيوني في مجلس الشوري ومنه انبثقت حكومة الإنقاذ، وهو يعتقد أن لديه الحق بالتدخل في شؤون الحكومة، والإشراف على أعمالها، إلا أن واقع الحال يقول إن نائب الجولاني ومسؤول أمنيته، أبو أحمد حدود، هو المسؤول عن إدارة ملف الحكومة، فلا يسمح لصهيوني إلا بالتدخل بأمور تفصيلية صغيرة جزئية، أما الأمور العامة وسياسة الحكومة، فهي حكر على نائب الجولاني”.

وعن التلي، قال الخطيب، إن “التلي كان مسؤول “المتابعة” في هيئة تحرير الشام، عندما كنت النائب العام العسكري في الهيئة، قبل أن أغادرها، وهذا جعل من المسائل التي يتدخل التلي في حلها تصل إلي”.

وأضاف “كان التلي من المقربين جداً من الجولاني في بداية الثورة، وهو شخص جيد ويشارك جنوده في الاقتحامات، قتل ابنه من قبل تنظيم داعش منذ مدة، وكان مسؤول المتابعة في الهيئة، وعرف عنه إنصافه للمظلوم، وسعيه لإحقاق الحق، إذ لم يكن ينظر إلى أن فلان قريب فلان في قضية ما، فهو يعاقب المسيء أياً كان”.

وتابع “وعرف عن التلي أنه يشارك الجنود مشاركة حقيقية، في المعارك، وليس من جماعة “الشريطة الحمراء” أو “إن سمح لي الإخوة سأكون أول الانغماسيين” (في إشارة إلى الجولاني)، وهذا الأمر أزعج الجولاني، حيث أن التلي بدأ بإفساد توليفاته، وبات لا يراعيها، وعرفنا متأخرين ماهي التوليفات التي يصنعها الجولاني”.

وفي شهادته على مسلك التلي داخل الهيئة، أوضح الخطيب “في إحدى جلسات الشورى طالب أبو مالك التلي، بإقالة أميري قطاع حلب أبو ابراهيم سلامة، وقطاع حماه أبو يوسف حماه، وساق التلي الأسباب الموجبة لإقالتهما، وكان رد فعل الجولاني أن سحب موضوع المتابعة من التلي، وسلمه لنائبه أبو إبراهيم حدود”.

إقصاء المتشددين

مصدر عسكري متابع في الشمال السوري، قال لـ”جسر” تعليقاً على الاستقالات الأخيرة إن “هيئة تحرير الشام مرتبطة بتركيا، والأخيرة تعمل على الاعتراف بها، والتصريحات الأمريكية بقبولها باتت معروفة، والهيئة تحاول إقصاء المتشددين بالتدريج”.

وأضاف المصدر أن “هذه الاستقالة خطوة أولى وسيتبعها عزل المستقيلين، خاصة التلي، كما جرى مع الجهادي المعروف (الفرغلي)”.

وتوقع المصدر أن تتم تصفية التلي في المرحلة المقبلة.

الهيئة لم تعد مغرية ايديولوجياً

من جانبه، قال الباحث في شؤون الجماعات الجهادية، أحمد أبازيد، في حديثه لـ “جسر” إن “أبا مالك صاحب ثقل في الهيئة، وهناك خلافات سابقة بينه وبين الجولاني، خلافات مالية خاصة، وسبق أن استقال منها، والهيئة مع تحولاتها الأخيرة قد استنفدت بعدها الأيديولوجي، وتحولت إلى سلطة وشبكة مصالح اقتصادية، ورغم رهانها على نزع صفة الإرهاب عنها، لكن لا يبدو أن هناك مستقبلاً مضموناً للهيئة، خاصة أنها فقدت سلطتها المطلقة في إدلب مع التدخل التركي الأخير هناك”.

وخلص أبازيد إلى أنه “لم يعد للعمل مع الهيئة إغراءاته الأيديولوجية -وقد تخلت عن عقيدتها الجهادية-، أو إغراءات ضمان نزع التصنيف أو المستقبل السياسي، فبات التنافس المالي وملفات الفساد الاقتصادي، يفتح الباب على مزيد من الحنق الداخلي”.

انقسامات جذرية

بدوره، رجح خبير الجماعات الجهادية، الدكتور “عبد الرحمن الحاج ” وجود خلاف بين أبي مالك التلي مع قيادة هيئة التحرير الشام، نظراً لكونه، رجل طموح، وهذا قد يكون السبب الرئيسي في الاستقالة.

وفيما يتعلق باستقالة صهيوني، بين الحاج أن الاستقالة تأتي في سياق الترتيبات الجديدة، إذ أن موقفه أقرب إلى الموقف التركي في حين موقف التلي أقرب للقاعدة، و”من المرجح أن تكون استقالته جاءت نتيجة لخلاف شديد يعصف في مجلس شورى الهيئة، حول الترتيبات المطلوبة في المرحلة، بعد اتفاق تركيا روسيا الأخير”.

ويعتقد الحاج أنه في الوقت الحالي “تعمد التنظيمات الجهادية، إلى تنفيذ جزء مما هو مطلوب منها، وتحاول التملص من الجزء الآخر، إذ من المؤكد أن هناك عدة سيناريوهات مطروحة على الهيئة، من حيث شكل التنظيم ومستقبله، ولا بد من إجراء تحولات ملائمة تحميها من الزوال”.

ولفت الحاج إلى وجود خلاف كبير ومصيري، أدى لهذه الاستقالات، “ففي الانعطافات الكبيرة تنقسم التنظيمات الايديولوجية. والانقسام مؤشر انعطافة”.

“شيطنة” حراس الدين

لكن مصدراً استخباراتياً واسع الاطلاع على شؤون التنظيمات الجهادية في شمال غرب سوريا، كشف لـ “جسر” أن “الاستقالتين، معطوف عليها استقالة العميد فضل الحجي، القائد السابق للجبهة الوطنية للتحرير، مردها رفض هؤلاء لخطة تركية لاجتثاث بعض التنظيمات الجهادية الأكثر تشدداً، وعلى رأسها تنظيم حراس الدين، والمتفق عليه في لقاء اردوغان ـ بوتين في الخامس من آذار/ مارس الماضي، والذي تريد أنقرة  أن يكون بمشاركة كل من الجبهة الوطنية للتحرير، التي تهيمن عليها، وهيئة تحرير الشام، التي تسعى لتبييض صفحتها ورفع اسمها من التصنيفات كتنظيم ارهابي”.

المصدر الاستخباراتي أكد حصول “اجتماع في مقر يقع بين قرية دير حسان وبلدة دارة عزة، خلال الأيام القليلة الفائتة، ضم عدداً من القادة العسكريين البارزين في الهيئة، بينهم أبو ابراهيم سلامة، أحد ألد اعداء أبو مالك التلي داخل الهيئة، وغرض الاجتماع هو التمهيد لشيطنة تنظيم حراس الدين، واعتباره جزء من تنظيم داعش، تمهيداً للانقضاض عليه وانهاء وجوده، والتهمة الأولية التي ستوجه للحراس هي إيواء خلايا تابعة لتنظيم داعش”.

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا