الإنسحاب من الجولان من دون قتال… للإمساك بالسلطة في دمشق

مضى نصف قرن من الزمن، ولا يزال «الغموض» يلفّ الكثير من أحداث حرب 5 حزيران (يونيو) 1967 على الجبهة السورية التي نجم عنها استيلاء إسرائيل على هضبة الجولان.

النظام السوري لم يفرج حتى اليوم، عن وثائق تخص ما حصل أثناء تلك الحرب أو قبيلها أو بعدها، ولم يصدر عن الجيش السوري، أي مراجعة تقنية عن مجرياتها، كما لم يترك شهود العيان الأكثر اطلاعاً من قادة تلك الحقبة، ومعظمهم متوفٍّ الآن، أي شهادة يمكن الاعتماد عليها.

وكل هذا يعقد عملية البحث ويجعلها أكثر صعوبة، بل إن كل عملية بحث جديدة، تثير مزيداً من الأسئلة التي تتراكم، بلا إجابات موضوعية.

 

البداية والنهاية

تبدو حرب حزيران كما لو أنها انطلقت ابتداء من البلاغ الاستخباراتي السوفياتي لمصر، عن حشد إسرائيل قواتها على الجبهة السورية، بغية شن حرب هناك، والذي ثبت عملياً عدم صحته. وانتهت الحرب فعلياً بالبيان الذي بثه راديو دمشق يوم 9 حزيران الذي أعلن فيه اللواء حافظ الأسد، وزير الدفاع حينذاك، عن احتلال إسرائيل مدينةَ القنيطرة، الأمر الذي تسبّب في انسحاب فوضوي للجيش السوري منها ومن مجمل هضبة الجولان، واستيلاء إسرائيل عليها من دون قتال، وقد ثبت أيضاً أن هذا البلاغ لم يكن صحيحاً، وأن القنيطرة لم يكن قد دخلها أي جندي إسرائيلي حتى لحظة إذاعة البيان.

وقد كان طموح هذه الورقة، هو جلاء الغموض عن هذين الحدثين الأساسيين، لكن جدران الكتمان العالية حولهما، حالت دون التوصل إلى نتيجة حاسمة.

 

في الطريق إلى الحرب

طوال السنوات التي سبقت الحرب، وخلافاً للجبهات الأخرى، كان التوتر على الجبهة السورية شبه دائم، إذ إن موقع هضبة الجولان المرتفع والمطل على مواقع الجيش الإسرائيلي، مكّن القوات السورية من استهداف مواقع الجيش الإسرائيلي، والمستوطنات الزراعية في الجليل وسهل الحولة وطبريا، بنيران المدفعية في أي وقت، مع عجز الإسرائيليين عن الرد بالمثل بسبب مناعة جبهة الجولان، سواء للأسباب الطبيعية، أو بسبب التحصينات التي أقامها السوريون هناك.

وقد شكل ذلك القصف موضوع شكوى دائمة وضاغطة من المستعمرات الشمالية على الحكومات الإسرائيلية، وتصاعدت الدعوات إلى الانتقام بخاصة بعد انطلاق الكفاح الفلسطيني المسلح عام 1965، حيث نفذت «حركة التحرير الوطني الفلسطيني – فتح»، سلسلة من عمليات التسلل المتصاعدة إلى الأراضي المحتلة، والتي تزايدت عاماً بعد آخر، إذا نفذ الفدائيون «35 عملية عام 1965، و37 عملية في الأشهر الخمسة الأولى من عام 1967»، وقد كان معظم تلك العمليات يحدث انطلاقاً من الأراضي السورية.

وعندما «فجر الفدائيون الفلسطينيون، في 1 نيسان (أبريل) 1967، مضخات مياه في مستعمرة مسكاف عام على الحدود اللبنانية»، أعلن رئيس الوزراء أشكول أمام الكنيست: «أن إسرائيل قررت أن ترد بالطريقة التي تراها ملائمة على سورية، وأن الطريق إلى دمشق بات مفتوحاً»، وبالفعل شنت إسرائيل يوم 7 نيسان هجوماً جوياً كبيراً اشتركت فيه ستون طائرة، وأسقطت 6 طائرات سورية من طراز ميغ.

في ظل أجواء التوتر هذه أبلغ ضابط استخبارات سوفياتي في سفارة بلاده بالقاهرة، حشد إسرائيل قواتها على الجبهة السورية لشن هجوم كبير، ثم أعاد الرئيس السوفياتي «نيكولاي بودغورني» الادعاء ذاته، ضمن حديث مع نائب الرئيس المصري أنور السادات الذي كان يزور موسكو وقتذاك، وأضاف أن هدف إسرائيل هو احتلال سورية، وأن الاتحاد السوفياتي سيساعد كلاً من سورية ومصر في حربهما على إسرائيل، وأن على مصر أن تأخذ زمام المبادرة وأن لا تتفاجأ، فالأيام المقبلة ستكون حاسمة، وتحدث وزير الخارجية السوفياتي إلى السادات حول الموضوع عينه و «أردف التفصيل الاستخباراتي بأن إسرائيل قد تهاجم سورية بين يومي 16 و22 أيار (مايو)». وسارعت إسرائيل إلى نفي هذا المعلومات، ودعا رئيس الوزراء أشكول «السفير السوفياتي في إسرائيل إلى السفر معه إلى الحدود مع سورية ليرى بنفسه أنه لا يوجد أي حشد، لكن السفير رفض دعوته»، قائلاً: «إن المواقع يمكن ترتيبها في أي وقت، أما الواقع الحقيقي فالاتحاد السوفياتي يستطيع أن يعرفه».

لكن موسكو ردت بالمراوغة عندما طلب المشير عامر صوراً عبر الأقمار الاصطناعية السوفياتية للحشود على الجبهة السورية، ورد السوفيات بالقول أنهم لم يكن باستطاعتهم أن يقرروا ما إذا كانت الحشود الإسرائيلية «استفزازاً متعمداً أم إجراءات وقائية لمواجهة أي محاولة من جانب السوريين أن ينتهزوا مناسبة عيد إسرائيل الوطني في 15 مايو لكي يشنوا هجوماً».

إزاء ذلك، قررت مصر عدم ترك شيء للمصادفة، وحركت بعض قواتها إلى سيناء يوم 8 أيار، وأرسلت إسرائيل أيضاً «مساء 16 أيار وحدة دبابات وثلاث كتائب مشاة لتتمركز مقابل قطاع غزة». وبناء على طلب مصر انسحاب قوات الطوارئ الدولية، «رحلت قوات الأمم المتحدة عن سيناء في 23 أيار». ثم وقعت الحرب فجأة، بهجوم شامل وكاسح على الجبهة المصرية، تلاه هجوم على الجبهة الأردنية ثم على جبهة الجولان، ونتائج تلك الحرب ومجرياتها معروفة جيداً.

ويعتقد وزير الدفاع السوري الأسبق، مصطفى طلاس الذي كان عند وقوع الحرب قائداً للواء الخامس المدرع، ثم أصبح رئيساً لأركان الجيش السوري عقب الحرب مباشرة، أن الروس قد تعمدوا إشعال فتيل الحرب في منطقة الشرق الأوسط وهم متأكدون أن نتيجتها ستكون لمصلحة إسرائيل، وأن ذلك سيجعل العرب في حاجة «إلى السلاح السوفياتي وإلى موقف روسيا (يقصد السوفيات) في مجلس الأمن من أجل دعم موقفهم المتردي على الساحتين السياسية والعسكرية (…) كما أن فتح جبهة جديدة في منطقة الشرق الأوسط، حيث يوجد أكبر احتياط بترولي في العالم يمكن أن يخفف الضغط على الجبهة الفيتنامية التي بدأت أميركا التورط فيها وحولها وهذا ما يزيد من إرباكها على الساحة الدولية».

أما على الجانب المصري، فيبدو أن المشير عامر على الأقل، اعتبر الإنذار السوفياتي غير الصحيح، كما مناشدتهم مصرَ يوم 26 أيار بأن لا تبدأ الهجوم رغم عدم وجود نيات مصرية من هذا النوع، قد حرمهم من أخذ زمام المبادرة، وقال للسفير السوفياتي بالحرف الواحد: «هذا تواطؤ».

 

سقوط الجولان

وفق المصادر، فإن القنيطرة لم تكن قد سقطت عندما تم الإعلان عن ذلك في إذاعة دمشق، ويقول وزير الدفاع الإسرائيلي: «حقيقة: في تلك الساعة لم يكن هناك أي جندي إسرائيلي في القنيطرة». وهو ما يؤكده طلاس الذي يقول أنه «في الساعة 14:30 من اليوم نفسه، دخلت المدرعات الإسرائيلية مدينة القنيطرة فوجدتها خالية من القوات». لكن طلاس لا يعطينا أي فكرة عما دار في القيادة السورية في تلك الأثناء، ويتحاشى في شكل صارم الإشارة إلى ذلك البلاغ العسكري المعروف بالبيان 66، وبدلاً من ذلك يتحدث بلغة مبطنة بالاتهام للواء سويداني بأنه سبب ما حدث في القنيطرة، إذ يزعم أنه اتصل بوصفه القائد الميداني للجيش في «الساعة 13:30 باللواء حافظ الأسد وزير الدفاع وأعلمه بأن رتلين مدرعين إسرائيليين يتقدمان باتجاه دمشق، الأول على يمين القنيطرة والثاني على يسارها، وقيادة الجيش الميداني أصبحت مهددة بالتطويق والأسر في أي لحظة»… فأجابه الأسد: «ألا يمكن أن تصمدوا في مكانكم حتى آخر ضوء، فربما يصدر قرار عن مجلس الأمن بوقف إطلاق النار»… فأجابه اللواء سويداني: «إذا كنت تريد من رئيس أركانك أن يتكلم من إذاعة إسرائيل، فيمكنني البقاء مع قيادة الجيش الميداني حتى نقع في الأسر». فقال له اللواء حافظ الأسد: «إذا كانت الحال كما ذكرت، فاحضر إلى دمشق». ويضيف طلاس أنه قبل انسحاب قيادة الجيش الميداني من القنيطرة أصدر اللواء سويداني «أوامره إلى قيادة مجموعات الألوية بالانسحاب إلى خط الدفاع الثاني».

أما بالنسبة لفكرة الزحف إلى دمشق واحتلالها التي تحدث عنها السفير السوري في الأمم المتحدة، فإن المصادر الإسرائيلية تقول أن المشاورات الداخلية لحكومة أشكول: «لم تتضمن أي إشارة إلى احتمال احتلال دمشق». وكان هدف عمليتهم النهائي هو «دفع السوريين مسافة 12,5 ميل إلى الوراء، لتصبح المستعمرات خارج نطاق مدافعهم».

وتقول تلك المصادر أيضاً أن آليعازر وبعد احتلال القنيطرة وهضبة الجولان، طلب «من رابين السماح له بتنفيذ خطة أعدت سنة 1964 للاستيلاء على دمشق في 80 ساعة، لكن رابين رفض قائلاً: «يجب أن لا نحتل أي أراض سورية أخرى باستثناء جبل حرمون الذي يجب أخذه بأسرع ما يمكن ليصبح أعلى مرصد لإسرائيل يمكن من خلاله رصد دمشق بالكامل». وبالفعل تم تشكيل قوة ضمت كتيبة دبابات شيرمان وسريتي مشاة ميكانيكية من لواء جولاني زحفت نحو جبل الشيخ وسيطرت على قممه الجنوبية في الساعات الأخيرة من النهار. هكذا، تم الاستيلاء على شمال الجولان كله حتى النخيلة عند الحدود اللبنانية.

 

بؤرة مؤامرات وخيانات

منذ نشأته عانى الجيش السوري من الاضطراب البنيوي والخلل الوظيفي، بخاصة بعد اقتحامه ميدان العمل السياسي منذ عام 1949، وتفشي النزعات المذهبية والطائفية في صفوفه، وتوالي عمليات التسريح الممنهج التي أدت إلى تفريغ الجيش من الضباط الأكفاء، وأحلت محلهم أشخاصاً لا يحملون أي اعتبار للقضايا العسكرية الفنية، وجل اهتمامهم ينصب على الشأن السياسي وحياكة أو إحباط المؤامرات الداخلية.

ولخطورة هذه المسألة نعرض بعض وقائعها في السنوات التي سبقت الحرب بشيء من التفصيل:

عرفت تلك السنوات ظهور وتنامي نفوذ ما عرف باللجنة العسكرية السرية، التي أسسها «خمسة ضباط، بينهم ثلاثة علويين وهم محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد وإسماعيليان هما عبدالكريم الجندي وأحمد المير»، والتي اعتمدت بداية على الضباط الأقلويين لإحكام قبضتها على الجيش، ثم ما لبثت الأقلية العلوية أن بدأت بقضم مراكز الأقليات الأخرى، ليستأثر ضباطها بالسلطة كاملة، وشهد الجيش عمليات تطهير متوالية منها:

– «صرف 104 ضباط كبار من الخدمة، وبعد ثلاثة أيام طرد 150 ضابطاً متوسطاً وصغيراً»، ومعظمهم من السنّة، بخاصة الدمشقيين، في 8 آذار (مارس) عام 1963، عندما أطاح انقلاب يقوده ائتلاف من الضباط البعثيين والناصريين والوحدويين المستقلين، نظام الانفصال.

– في الأشهر القليلة التي تلت انقلاب آذار 1963، تسارعت عملية التطهير وطاولت هذه المرة عناصر الكتل السنّية الريفية، خصوصاً بعد فشل انقلاب 18 تموز (يوليو) الذي قاده العقيد جاسم علوان. وعند محاكمة المتورطين، تمت تصفية الكتل الناصرية الأخرى أو تحجيمها، مثل كتل الضباط «لؤي الأتاسي وزياد الحريري، والناصريين محمد الصوفي وراشد القطيني وفواز محارب، الذين كانوا أعضاء في المجلس الوطني لقيادة الثورة بصفته السلطة العليا للدولة عقب انقلاب 8 آذار 1963 وجميع هؤلاء الضباط كانوا من السنّة».

– على خلفية تنامي هيمنة اللجنة العسكرية، «قررت القيادة القومية في 19 كانون الأول (ديسمبر) 1965 أن تتقلد زمام السلطة بالكامل من طريق حل القيادة القطرية السورية» لحزب البعث التي تسيطر عليها تلك اللجنة، وتتخذها غطاء لعمليات التحويل الكبير في بنية الجيش والسلطة في البلاد. لكن سرعان ما حدث انقلاب عسكري في 23 شباط (فبراير) 1966، أطاح أمين الحافظ ومجموعته، وهنا يلاحظ أيضاً أن «نسبة كبيرة وملفتة من الذين تمت تصفيتهم بهذه الطريقة كانت من السنة».

– حاولت القيادة القومية استعادة نفوذها سراً، وأسس منيف الرزاز المتواري، تنظيماً حزبياً مدنياً، وآخر عسكرياً سرياً تولى قيادته اللواء الدرزي فهد الشاعر، وانخرط فيه عملياً أبرز الضباط الدروز المتحالفين مع العلويين مثل سليم حاطوم، وقائد الجبهة العقيد أبو عسلي، بعد أن استشعروا جدية مطامع هؤلاء بالانفراد بالسلطة، و «استثنى العلويين» من هذا التنظيم في شكل كامل، وعند اكتشاف مخطط الرزاز والشاعر في 8 أيلول (سبتمبر) 1966، تم تطهير الجيش من الضباط الدروز، وفر حاطوم إلى الأردن، لينتقد في شكل علني لأول مرة سيطرة العلويين على السلطة الذين بلغت نسبتهم في الجيش «خمسة مقابل واحد من جميع الطوائف الأخرى» على حد وصفه.

ومع اندلاع «حرب حزيران 1967، كان ما لا يقل عن 700 ضابط قد طرد». وهو عدد يفوق ثلث عدد ضباط الجيش الذي بلغ وفق عبدالكريم زهر الدين رئيس الأركان بين عامي 1961 و1963 «حوالى 1800 ضابط». وتم تعويضهم باحتياطيين أو طلاب ضباط لم يكتمل تدريبهم، جلهم من الطائفة العلوية التي سارع ضباطها إلى تثبيت مكاسبهم، سواء من خلال وضع أيديهم على «الجزء الأكثر خطورة من السلطة، وهو وزارة الدفاع التي عين فيها حافظ الأسد في 23 شباط 1966 حتى قبل إعلان مجلس الوزراء الجديد»، أو من خلال استدعاء المزيد من الشبان الذين «تربطهم بهم أواصر عائلية أو عشائرية أو إقليمية لتعضيد مراكزهم الجديدة التي حصلوا عليها على وجه السرعة». حتى أصبح اللواء السبعون وهو القوة الضاربة في الجيش السوري «علوياً بقيادته وقواعده تقريباً».

ويعتقد الباحث الفلسطيني حنا بطاطوبأن البلاغ 66 يوم 10 حزيران 1967 الصادر عن وزير الدفاع حافظ الأسد الذي أعلن سقوط القنيطرة قبل أن يدخلها جندي إسرائيلي واحد، جاء على خلفية خشية حافظ الأسد وصلاح جديد من سقوط نظامهما، ما جعلهما يسحبان القطعات الموالية لهما من الجبهة والعودة سريعاً إلى دمشق، إذ إن أقوى القطعات حينذاك وأكثرها طائفية وهي «اللواء سبعون بقيادة العقيد عزت جديد، وكتيبة الدبابات بقيادة النقيب رفعت الأسد كانت أول من ترك الجبهة تحت جنح الظلام».

 

هل كان ثمّة مؤامرة أو خيانة؟

 

إن حالة الغموض والتكتم التي اكتنفت مجريات تلك الحرب ملائمة لإطلاق التهم والإشاعات التي يصعب التحقق منها وتالياً تأكيدها أو نفيها، خصوصاً تلك الإشاعة التي تروج كثيراً بين السوريين، والقائلة أن حافظ الأسد سلم الجولان للإسرائيليين مقابل مساعدته في الوصول إلى الحكم والبقاء فيه.

لكن ذلك بالطبع لا يمنع من وضع علامات استفهام حول نقاط تثير الفضول المعرفي قبل حس المؤامرة.

أولاها هي الإنذار السوفياتي غير الصحيح لمصر، بوجود حشود كبيرة على الجبهة السورية، والتي كان في إمكان القيادة السورية أن تتحقق منها، إذ بحكم موقع قواتها في الجولان يستحيل أن تمرّ حشود عسكرية بقوام 11 لواء كما زعم السوفيات من دون رصدها. فلماذا لم يفعلوا ذلك؟ ومن كان وراء هذه المزاعم فعلياً؟ هل هم السوريون ذاتهم؟

إن ذلك ممكن بخاصة أنه لا يوجد أي مصدر يذكر أن السوفيات حذروا السوريين كما فعلوا مع الجانب المصري، مع أنهم هم المستهدفون في هذا الحشد المزعوم كما يفترض. والوثيقة الوحيدة التي ذكرت شيئاً من هذا القبيل هي مذكرات مصطفى طلاس الذي يقول أن الاتحاد السوفياتي حذر مصر وسورية من حشد إسرائيلي، لكنه ينقل تلك المعلومة من مصدر إسرائيلي لا عن معلومات سمعها بنفسه أو استقاها من مسؤول سوري.

تدعم ذلك أيضاً مراوغة السوفيات وتملصهم عندما طلبت مصر صوراً عبر الأقمار الاصطناعية لتلك الحشود.

يضاف إلى ذلك أيضاً ما قاله الملك حسين للفريق عبدالمنعم رياض في نهاية شهر نيسان من ذلك العام من أنه على يقين بأن هناك فخاً يدبر للجمهورية العربية المتحدة وللرئيس جمال عبدالناصر. وأن (الجماعة) في سورية مخترقة وبعضها متواطئ مع جهات لديها خطط، من دون أن يعطي توضيحات من قصد بالجماعة.

وهناك أيضاً ما كتبه القيادي البعثي البارز سامي الجندي حول إعلان سقوط الجولان قبل حصوله، وهو أيضاً يشير إلى خطة: «عندما نتتبع فصول معركة الجولان، نجد أن العسكريين الذين قاوموا فعلوا من دون أوامر. أما الذين صدرت إليهم فقد انسحبوا بناء على خطة». لكنه أيضاً لا يشرح ماهية تلك الخطة ولا أولئك الضباط الذي كانوا ضالعين بها، ويكتفي بالقول أن النظام كان «يعد لهزيمة لا لاسترداد فلسطين (…) ولا أعني أنه كان يعد لهزيمته نفسه وإنما لهزيمة العرب الآخرين كي يبقى (الثوري) الوحيد، سيد المناخ الثوري العربي». كما ينقل استغاثات ماخوس وزير الخارجية حينذاك التي يزعم أنه كان الشاهد الوحيد عليها، وقوله: «ليدعوا دمشق، نسلم القنيطرة، ليقف الزحف… أُمر الجيش بالانسحاب»، لكنه هنا أيضاً لا يوضح إلى أي جهة أطلق ذلك النداء أو الاستغاثة، ولا من أو كيف اتخذ قرار الانسحاب.

قد يعجبك ايضا