التطبيع مع الأسد تشجيع على الإبادة

جسر – صحافة

يتباطأ العرب في التحرّك لحل مشكلات أبسط كثيرا من الكارثة السورية ولا يفعلون. مثلا، لا ينشغلون في حل الخلاف الجزائري المغربي الذي يتصاعد بشكل مقلق. هذه المسارعة نحو نظام المجرم بشار الأسد محيرة، فالنظام مثبّت بقوة الاحتلالات الخارجية وتقاسم مساحات النفوذ، ولا يملك سيطرةً فعلية على البلاد، وعاجز تماما، أقله اقتصاديا، عن تلبية متطلبات الحد الأدنى من حياة الناس في مناطق نفوذه.

لم يبق النظام لولا الاحتلالين الإيراني والروسي. من حقائق التاريخ التي وثقها مسؤول إيراني أن بشار الأسد كان يبحث عن مهربٍ لولا تدخل إيران وحزب الله. .. حتى ذلك لم ينفعه، واضطر للاستعانة بروسيا قوة عظمى للبقاء. وفي مقابلة أخيرة مع حسن نصرالله، كشف أن زيارة القائد السابق لفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني إلى موسكو، هي التي حسمت التدخل الروسي. أدرك سليماني أن الأسد في حاجة إلى مجرم حرب، لتكرار نموذج غروزني للانتصار على الشعب الشيشاني.

بعد كل الإبادة التي نفذها النظام، ومن حالفه مباشرة كروسيا وإيران، ومن حالفه موضوعيا كتنظيم داعش، ظل الشعب السوري يفاجئنا بصموده، فدرعا مهد الثورة تواصل تمرّدها تظاهرا سلميا وعسكريا بعد عقد من التدمير المنهجي. وفي إدلب، يواصل الناس صمودهم وتقديم نموذج حياة أفضل كثيرا من مناطق النظام.

ليس الاحتلالان الروسي والإيراني فقط. الاحتلال الأميركي موجود في قاعدة التنف، وعبر الوكيل، قوات سورية الديمقراطية (قسد)، الذي يعمل مرتزقا عند المخابرات الأميركية. طبعا، لم يغب الاحتلال الإسرائيلي عن الجولان منذ نصف قرن، ويستبيح سماء سورية وأرضها على عين النظام وصورايخ أس 400. لو غادر هؤلاء سورية لسبقهم الأسد إلى موسكو أو طهران.

قبل زيارة وزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد، أول من أمس، كان اتصال بشار الأسد بالملك عبد الله الثاني بعد زيارة الأخير أميركا. وسبقتهما زيارة الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، أرفع مسؤول عربي يزور الأسد. والحماسة تجاه عودة بشار تتجاوز هذه الدول إلى مصر والجزائر ولبنان والعراق. ولكل بلد أسبابه، فأهمية سورية للأردن اقتصادية، وأمنيا ظلت سورية مصدر القلق الرئيسي للنظام في الأردن في كل عهودها. وبعد الثورة، زاد العبئان الاقتصادي والأمني. الجزائر ولبنان والعراق دول حليفة لإيران تاريخيا. اللافت حماسة الإمارات، وخصوصا بعد تحالفها الاستراتيجي مع إسرائيل.

لا توجد لدى الإمارات حدود مع سورية، كما لا توجد لها حدود مع دولة الاحتلال، وعلاقتها معهما متشابهة. تطبيع سرّي، فعلني. في ظل المواقف العلنية المؤيدة للثورة السورية، ظلت الأبواب الخلفية مفتوحة للنظام، خصوصا من خلال ذراعه المالية رامي مخلوف، وغيره من رجال الأعمال. ومع أن الإمارات كانت جزءا من غرفة عمليات الموك والموم، المسؤولتين عن تقديم الدعم للجبهات العسكرية من الأردن وتركيا، إلا أنها وقفت في اللحظة الحاسمة مع النظام، عندما أوشك على السقوط عسكريا.

بعد قصف الغوطة بالسلاح الكيميائي، تحرّكت إدارة أوباما لتوجيه ضربة عسكرية، كانت ستنتهي بسقوط النظام. يومها، ذهل الأميركان من الانهيار المتسارع للنظام قبيل الضربة من خلال هروب مسؤولين كثيرين وعائلاتهم. تدخلت الإمارات لدى إدارة أوباما، ونجحت، بتضافر جهودها مع روسيا وإسرائيل، في منع الضربة. رأت الإمارات يومها في هزيمة الأسد انتصارا للربيع العربي، وضمّته ركنا من أركان الثورة المضادّة. وواصلت دعمها له سرّا ليتحول لاحقا علانياً. الثورة المضادّة هي تحالف قوى “الاستقرار” والاستبداد والاحتلال في العالم العربي. ولا مشكلة لها مع إيران، والحديث عن إبعاد الأسد عن إيران تغابٍ لا غباء، فالعلاقة بينهما عضوية تعود إلى الأيام الأولى لانتصار الثورة الإسلامية في إيران، ولا تزال، فأسرة الأسد التي حكمت سورية باسم “البعث” تحالفت ضد صدّام البعثي مع الخميني. وعلى عينها دمّرت الحركة الوطنية اللبنانية، بأطيافها القومية واليسارية، لصالح مشروع حزب الله الإيراني.

يشجّع التطبيع مع نظام الأسد على مواصلة تدمير سورية وإعادة هندستها طائفيا من خلال عمليات الإبادة والتهجير، خصوصا أنه لا يقدّم أي مبادرة لصالح الشعب السوري، فالتطبيع مع الأردن، مثلا، لم يساهم في إعادة مهجر واحد إلى درعا، ولا الإفراج عن معتقل أردني، ولا معرفة مصير مئات المفقودين الأردنيين، فضلا عن السوريين. لو رفع المطبّعون في الأردن والإمارات شعار التطبيع مقابل عودة اللاجئين، ولو رمزيا، لكان مفهوما. أسّست الإمارات مخيم الأزرق في الأردن وموّلته، لماذا لا تستغل علاقتها الحميمة لإعادة لاجئيه؟ لماذا لا يطرح الأردن مبادرة التطبيع مقابل عودة لاجئي الزعتري؟

للأسف، يتواصل التطبيع مع الأسد كما مع العدو الصهيوني، مع تواصل جرائمه، وكأنه مكافأة له. وعلى الأقل، لو يطرح أنصار عودة الأسد والتطبيع معه مبدأ لا عودة إلى جامعة الدول العربية بدون عودة المهجّرين. .. المأمول أن تستمرّ عزلته حتى محاكمته وعودة اللاجئين رغما عنه.

المصدر: العربي الجديد

قد يعجبك ايضا