العبور إلى الدولة: من المؤتمر السوري العام الدمشقي إلى مؤتمر سيخوف البرليني

كتب محمد صبرا:

في أعقاب انهيار الدولة العثمانية في المشرق العربي إثر هزيمتها في الحرب العالمية الأولى “1914-1918″، وانسحابها من سورية من دون أن تترك وراءها أي شكل من أشكال الحكومة، دخل الملك فيصل دمشق وأعلن في 5 تشرين أول عام 1918، عن تشكيل حكومة عربية دستورية في سورية الطبيعية مستقلة استقلالا تاما عن سلطة الحلفاء ، الأمر الذي يعتبر أول إعلان في التاريخ في التاريخ العربي كله عن إنشاء دولة تعرف نفسها بهويتها القومية.
وبعد دعوة الملك فيصل لعقد مؤتمر وطني سوري، تم انتخاب 107 أعضاء يمثلون كل أجزاء سورية, وحسب ما ورد في دراسة الباحث جمال باروت بعنوان ” المؤتمر السوري العام” فإن الانتخابات جرت وفق القانون الانتخابي العثماني على مرحلتين وكانت أول انتخابات نيابية تجري في سورية ، حيث مُثّلت المناطق الداخلية في سورية تمثيلا انتخابيا شاملا، بينما مُّثلت المناطق السورية الأخرى عبر توكيلات لزعماء محليين ورجال فكر وكانوا ممثلين طبيعيين لمناطقهم بسبب صفاتهم الاجتماعية والثقافية” أشخاصا فاعلين في محيطهم الاجتماعي اللصيق”، وضم المؤتمر مجموعة متنوعة من الملاك وزعماء القبائل وعلماء دين ووجهاء مدن ومثقفين ،كما أنه مثل المسلمين والمسيحيين واليهود حيث حظي التمثيل المسيحي ب20 نائبا من أصل 107، وأعلن المؤتمر استقلال سورية في 8آذار عام 1920 في دورته الثالثة ليون هذا الإعلان بداية تشكل الكيانية السورية.
ليس الهدف من هذا المنشور الطويل كتابة مقال متخصص عن المؤتمر السوري العام الأول بل ربما إضاءة سريعة بالقدر الذي يسمح به منشور على الفيسبوك لتبين أوجه الشبه بين حالة سورية في عام 1918 وحالتها الآن.
ففي عام 1918 انهارت السلطة العثمانية وخلفت فراغا سياسيا وإداريا كبيرا فضلا عن غياب أي شكل من أشكال الكيانية السياسية المؤطرة للسكان ودخول قوات التحالف البريطاني الفرنسي إلى أجزاء كبيرة من سورية وإعلانها للحكم العسكري بقيادة الجنرال اللينبي الذي كان يتخذ من القدس مقرا له، هذا الأمر واجهه رجال تلك المرحلة بقدرة مذهلة على العمل والتنظيم بغض النظر عن التقييم العام لما آلت إليه الأمور لاحقا، لكن فقط للدلالة فإن حزب الاستقلال بلغ عدد أعضائه 22 ألف عضو في عام 1920 وهو رقم ضخم جدا قياسا لعدد السكان في تلك الفترة.
ورغم وجود قوات الحلفاء واحتلالهم المباشر لأغلب أنحاد سورية استطاع رجال ذلك العهد تأسيس خط عام يوضح مطالب السكان ويوضح أمالهم السياسية وشكل الاجتماع السياسي الذين يرغبون فيه وهو ما تجلى في برنامج دمشق وأيضا في مطالب السكان إلى لجنة كينغ – كراين، ولو كان من إنجازات ذلك العهد إعلان الاستقلال لكفاهم ذلك فخرا ومجدا، حيث أن هذا الإعلان أسس فيما بعد لتشكيل الدولة السورية الحديثة بحدودها الحالية التي نعرفها حاليا، ولولا تثبيت هذا الأمر ربما لتغيرت خارطة سورية الحالية كثيرا بعد أن تغيرت خارطة سورية الطبيعية التي كان يحلم بها أعضاء المؤتمر السوري العام نتيجة الصراع الفرنسي البريطاني على تقاسم بلاد الشام.


وفي أوجه التشابه بين حالنا عام 1918 وحالنا اليوم، نجد أن جيوش أربعة دول تتواجد بشكل رئيسي ” روسيا إيران-تركيا-أمريكا” وتسيطر كل منها على جزء من التراب السوري، في ظل انهيار مفهوم السلطة الحاكمة في سورية التي فقدت شرعيتها القانونية والفعلية منذ انطلاق الثورة وقيام هذه السلطة بحرب مجنونة ضد أبناء الشعب السوري فضلا عن استعانتها بالجيوش الأجنبية في حربها ضد السوريين.
الآن وقد فقدت طغمة بشار الأسد أي مقوم من مقومات السلطة في سورية بغض النظر عن قضية بقاء ممثلها في الأمم المتحدة من عدمه، لأن هذا الأمر لا يعني شرعنة هذه السلطة أو أنها تملك المقومات القانونية لذلك، وللدلالة على هذا الأمر نذكر أن ممثل حركة طالبان في الأمم المتحدة بقي يمثل دولة أفغانستان حتى الاحتلال الأمريكي لأفغانستان على الرغم من أن طالبان لم تكن تملك الشرعية القانونية في الداخل الأفغاني سوى سيطرتها بالقوة على كابول، فأي قوة تسيطر على العاصمة وتسيطر على مؤسسات الحكم المركزي في العاصمة فإن الأمم المتحدة يمكن أن تعترف بوجودها باعتبارها أمرا واقعا وهذا لا يعني بحال من الأحوال أن هذا الأمر الواقع شرعي أو يحظى بالصفة القانونية” طبعا هذا الكلام المبسط للرد على بعض من يدعون انتسابهم للمعارضة ويجادلون بأن النظام ما زال ممثلا في الأمم المتحدة” .
المهم في الموضوع وحتى لا أطيل فإن أي مؤتمر سوري عام ينعقد الآن ولا يكون سقفه ومحدداته مساوية بالحد الأدنى لسقف المؤتمر العام السوري الأول فإنني وبضمير مرتاح أقول عنه أنه مؤتمر الآخرين بأدوات سورية أو مؤتمر شرعنة الاحتلال الروسي وتفاهماته مع تركيا وإيران بواجهات سورية .
ولذلك فإن السقف المطلوب من أي مؤتمر هو الابتعاد عن الكلام الفضفاض الذي يمكن تفسيره عبر أوجه مختلفة، والذهاب مباشرة لمحددات واضحة وبسيطة يفهمها السوريون ويتفقون عليها فشرعية المؤتمر وشرعية مخرجاته تنبع من :
– إعلان حالة الفراغ في السلطة في سورية وأن سورية باتت دولة ممزقة تحت حراب الجيوش الأجنبية.
– أن يكون أعضاء هذا المؤتمر منتخبين بصيغة قريبة من الصيغة التي اتبعها أجدادنا رغم عدم وجود تقنيات ووسائل نقل متطورة في عصرهم أي أن يكون هناك انتخابات حيث أمكن ذلك ” مخيمات اللجوء، المناطق الخارجية عن سيطرة النظام، دول الشتات عبر التقنيات الحديثة ” وأن يكون التمثيل في المناطق التي لا يتعذر فيها الانتخاب، عبر توكيلات من الهيئات والفعاليات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الفاعلة، كأن يحصل كل مشارك على توكيل ألف أو ألفي سوري معروفين ويمكن التحقق من كونهم منحوا التوكيل المطلوب، وهذا متاح بفضل وسائل التواصل الاجتماعي المتوفرة حالياً.
– أن يعلن المؤتمر السوري وثيقة الاستقلال الثاني وأن يضع مدونة دستورية مؤقتة تنص فقط على باب اجرائي لتنظيم عملية إدارة المرحلة الانتقالية، وأن يترك أمر وضع الدستور الدائم الذي يحدد شكل الدولة وطبيعة نظام الحكم للشعب السوري عبر انتخاب ممثليه بعد انسحاب الجيوش الأجنبية من أرضه.
– أن يعلن المؤتمر تقديم المجرم بشار الأسد وطغمته المجرمة التي ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية للمحاكمة وفق أحكام القانون الجنائي الدولي.
– أن يعلن تشكيل المؤتمر تشكيل لجنة لمحاكمة جميع مجرمي الحرب من أي طرف كان لتقديمهم للمحاكمة .
– أن يعلن المؤتمر عن تشكيل لجنة رد المظالم والمصالحة والحقيقة.
– أن يبدأ مفاوضات مع الجيوش الأجنبية التي تحتل سورية وذلك في مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة شريطة ألا يحضره أي ممثل عن المجرم بشار الأسد أو طغمته أو أي شخص استعان بقوات أجنبية أو قاتل معها أو ستهم بتشكيل فصيل تابع لها، وهذا ينطبق على عملاء روسيا وتركيا وإيران وأمريكا جميعا ومن دون استثناء فلا فارق بين من ساهم بتأسيس ما يسمى بالجيش الوطني وبين من ساهم بتأسيس الفيلق الخامس أو سواها من الميليشيات العميلة والمرتبطة بقوى أجنبية غير سورية أو المرتبطة بالمجرم بشار الأسد.
ربما كانت المسافة والفارق بين المؤتمر السوري العام الأول وبين مؤتمر برلين، هو الفارق بين الملك فيصل الأول وبين نيكولاي سيخوف الأكاديمي والديبلوماسي الروسي ورجل الاستخبارات الداعي والمنظم الحقيقي لمؤتمر برلين، وهو نفس الفارق بين الوطنيين السوريين الأوائل الذين تشبعوا بآمال الاستقلال وبناء أمة حرة وسيدة وبين بعض الذين ربطوا مصيره بهذه الدولة أو تلك أو الذين يبحثون عن مكان لهم في ظل الفوضى التي تضرب الوطن، مع احترامي لأصحاب النوايا الطيبة الذين يتخذهم بعض المرتبطين بأجهزة الدول جسرا يعبرون عليه إلى أحلامهم المريضة.

قد يعجبك ايضا