العمليات الأمنية ضد قسد رهن ثنائية صراع التيارات الداخلية والتطورات السياسية

 رشيد حوراني

جسر – تقارير

 

هرعت سيارات الإسعاف التابعة للإدارة الذاتية في شمال شرق سورية بعد ظهر يوم الإثنين 30 أيار عام 2022م، باتجاه قرية سيكركا Sêgirka – “تعني التلال الثلاث” وتقع شمال مدينة القامشلي بشكل ملاصق للحدود السورية التركية. وذلك إثر عملية استهداف سيارة “جيب كيا سبورتاج” أودت بحياة “كسرى تاج الدين ملك”القيادي في قوات حرس الحدود التابعة لـ”قسد”. والذي ينحدر من حي “قناة السويس” أحد أحياء مدينة القامشلي من الجهة الشمالية. ووضع ناشطون أحد احتمالين وراء الجهة التي استهدفته، الأول أن يكون الجيش التركي من خلال وحداته وانها  استهدفت المذكور من خلال طائرة مسيرة، أو قذيفة مدفعية. والثاني أن تكون “قسد” هي من تقف خلف تصفيته، وهو أمر يؤكده “الناشط ح. ي” الذي فضل عدم الكشف عن اسمه لدواعي أمنية، بل وذهب إلى أبعد من ذلك في حديثه لصحيفة جسر بقوله : “يكفي النظام السوري أن يعبر عن قلقه من شخص ما فقط، لتقوم قسد بعد ذلك بتصفيته، أو إرساله إلى قنديل بمهمة طويلة الأمد، وعدم العودة من هناك”.

 

نهجان متباينان في صفوف قوات سورية الديمقراطية بشأن سياستها العامة

أشارت دراسة نشرها برنامج “مسارات الشرق الأوسط” التابع لمعهد الجامعة الأوروبية، إلى ظهور نهجين أساسيين داخل حزب الاتحاد الديمقراطي وقسد بكل وضوح، أحدهما براغماتي قائم على التقبل ويقوده مظلوم عبدي، يتبنى بموجبه خطاب المشاركة الذي يلتزم بالهوية الوطنية السورية، ويعتنق فكرة “الأخوة بين الشعوب، وهو طريقة فكرت بها الولايات المتحدة وطالبت بتنفيذها عند تأسيس القوات، وهو نهج وافق عليه السكان المحليون. كما يدرك هذا التيار المخاوف الأمنية لدى تركيا، ورأى أن ثمة طريقة للحد من مخاوفها، ولخفض التصعيد إلى أدنى مستوياته مع الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي، وتتمثل هذه الطريقة بإعادة فرض استقلالية “قسد” وإبراز صبغتها المحلية، والاقتداء بنموذج كردستان العراق.

بينما اكتشف أتباع نهج المقاومة بأن مستقبلهم مع دمشق، وإقامة علاقة عمل مع نظام الأسد، من منطلق إيديولوجي جداً، يعتمد أساسه المنطقي على أيديولوجية يسارية متشددة. إضافة إلى تشكيك كل من قيادة حزب العمال والجناح الموالي له داخل حزب الاتحاد الديمقراطي بالنوايا الأميركية، ويتهمها بتنفيذ خطة ضد هذا التنظيم خصوصاً، ومحاولتها إضعاف حزب العمال في العراق، وإضعاف تأثيره في شمال شرقي سوريا. كما يتهمها بالنفاق لكونها تتعامل مع قسد والإدارة الذاتية وتتجاهل “التأثير الكبير” لحزب العمال الكردستاني على المكاسب التي حققها حزب الاتحاد الديمقراطي وقسد في شمال شرقي سوريا. وكان من نتائج اختلاف النهجين المذكورين القيام بأعمال تخريبية “أمنية في شمال شرقي سوريا، نُسبت للشباب الثوري الذي يتلقى أوامره بشكل مباشر من كوادر حزب العمال الكردستاني. ويؤكد وجود هذا التيار الناشط “ح. ي” في حديثه لصحيفة “جسر”، وصرح بوجود ما يسمى بغرفة الارتباط بين النظام السوري وقسد يشغلها ضابط من قبل النظام، ومسؤول من قبل قسد في مناطق الإدارة الذاتية، وهما مرتبطان مع أحد الأجهزة الأمنية في دمشق، وينسقان كافة العمليات، ومنها على سبيل المثال التنسيق مع دمشق في احتفالات عيد النيروز لهذا العام، والسماح برفع صور الزعيم الكردي عبد الله أوجلان وأعلام قسد في احتفالات أقيمت في وادي المشاريع في دمشق، وتعرف هذه المنطقة لدى الأكراد السوريين بـ”روزافا”، وفي منطقة الرز التي تقع قبل مشروع دمر.

العمليات الأمنية الموجهة من الداخل

تشير عمليات الرصد إلى وجود خلايا ونشاط لقوات النظام، وتنظيم داعش في المنطقة التي تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية. ويعتبر المقدم عبد الله النجار أن بعض العمليات الأمنية تقوم بها مجموعات تابعة لحزب العمال الكردستاني ويديرها الكارد المسؤول في المنطقة، ويؤكد ذلك الناشط “ح. ي” لأن تلك العمليات تهدف إلى التخلص ممن يبدون اعتراض واضح على سياسته.

كما توجد عمليات اختراق متبادلة بين تنظيم داعش، وقوات سورية الديمقراطية، ففي الوقت الذي تمكنت فيه “قسد” من اختراق التنظيم، ودفعه لتبني بعض العمليات زوراً لاستمرار دعمها من قبل التحالف الدولي وفق ما أفاد به المقدم عبد الله النجار.

ومن جهة أخرى أفاد الناشط الصحفي “عمر خطاب” أن قوات التحالف الدولي اعتقلت منذ فترة أحد عناصر قوات سورية الديمقراطية، يقوم بتزويد وبيع التنظيم لمعلومات عن نشاط التحالف وقوات “قسد”. كما أن بعض العمليات الأمنية وخاصة في مناطق دير الزور تقوم بتنفيذها “قسد” لأهداف اقتصادية تتعلق بعمل المنظمات الإنسانية الدولية الوافدة للعمل في المنطقة، التي تحتاج إلى بيئة عمل آمنة، وهي غير متوفرة في تلك المناطق، لتلفت انتباهها لتنفيذ تلك المشاريع المجدولة وفق برنامج زمني محدد في مدن الشمال “القامشلي والدرباسية وعامودا والمالكية”.

وأضاف “خطاب” أن استخبارات قسد تنفذ بعض العمليات والاغتيالات ضد أشخاص يعارضونها، أو لزرع فتنة معينة للسيطرة على منطقة ما.

ويرجع “خطاب” الأسباب التي تقف وراء قسم من تلك العمليات بعدم احترافية قوات “قسد”، وانتشار الفساد والرشى بين عناصرها، فعلى سبيل المثال، يفرض مجلس دير الزور العسكري الإتاوات على السيارات التي تنقل البضائع في مناطق انتشاره، وهي مبالغ تسمح لمالكي هذه السيارات بتحميلها بمختلف البضائع “متفجرات – أجهزة اتصال – مخدرات”.

التوازنات الدولية ليست في صالح “قسد”

بعد أكثر من شهر على بدء العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا التي أدت إلى تحولات واصطفافات متضاربة، أطلقت تركيا عملية مخلب القفل. ونفذت خلالها وحدات الجيش التركي هجمات انتقامية ضد مواقع “قسد” وتحصيناتها المتمركزة في شرق الفرات بالمدفعية والطائرات المسيرة، وأدت إلى سقوط العشرات من القتلى والجرحى في صفوفها، حيث تتهم تركيا “قسد” بالتعاون والتنسيق ضدها مع حزب العمال الكردستاني. كما كشفت تقارير استخباراتية تركية سعي “قسد” لإنشاء 3 مخيّمات عسكرية جديدة على مقربة من الحدود التركية في تل رفعت وعين عيسى والحسكة، بهدف إقامة نظام أمني في شرق الفرات مشابه للنظام القائم في مناطق قنديل وسنجار وزاب في شمال العراق.

وفي ضوء ذلك تسعى تركيا لتحسين أوراق نفوذها في سورية مستفيدة مما عكسته تلك الاصطفافات الطارئة، وجميعها عكس أن المسألة الكردية نقطة الاتفاق الوحيدة بين المتخاصمين، وعدم تغير الموقف الأمريكي في سوريا على خلفية الاشتباك الأمريكي- الروسي بسبب الحرب في أوكرانيا، وعدم رغبة واشنطن في الانزلاق إلى الرد على الاستفزازات التي ربما تستهدفها من خلال قسد، لعدم رغبتها في حدوث اشتباكاً آخر في سوريا، ولا تريد إعطاء قسد فيه ميزة الحليف كما هو الحال مع أوكرانيا.

قد يعجبك ايضا