اللجنة الدستورية كحدث موازٍ.. الشمس تشرق من جنيف!

عقيل حسين

جسر:صحافة:

إذا كان مستبعداً بالنسبة للكثيرين تعمد النظام نقل فيروس كورونا لبعض أعضاء اللجنة الدستورية القادمين من دمشق إلى اجتماعات جنيف التي كان مفترضاً أن تبدأ الإثنين الماضي وتستمر لأسبوع، فإن ما لا يجب استبعاده هو تعمد النظام التلاعب بنتائج الاختبارات التي أجراها الأعضاء المصابون بالفيروس في مختبرات وزارة الصحة التابعة له قبل السفر.

على الأقل نحن أمام مثال صريح عن مدى السوء الذي تعيشه مناطق سيطرة النظام بعد كل الأمثلة التي تداعت خلال الأشهر الخمسة الماضية، والتي أظهرت معاناة السكان في هذه المناطق بسبب تدهور القطاع الصحي وانعدام الخدمات فيها وسوء إدارة الأزمة بشكل عام، ومع ذلك يصر النظام على تجاهل كل شيء والتمسك بموقفه الرافض لأي تنازل من أجل الدفع بالعملية السياسية إلى الأمام.

يعرف الجميع أنه لولا الضغط الروسي و(التشجيع) الإيراني على القبول بالمشاركة في اللجنة الدستورية لما وافق النظام على الانخراط حتى في هذا المستوى من الحوار السوري-السوري المتواضع، لكن ما يجب معرفته أيضاً أن حلفاء الأسد ما كانوا ليمارسوا أي ضغط عليه من أجل ذلك لولا مصلحتهم الواضحة في تحقيق شيء ما على هذا الصعيد.

فمن الناحية العسكرية، ورغم كل ما قيل ويقال عن حشود للنظام وتجهيزه لمعركة في إدلب، إلا أن الواقع الميداني بعد الانتشار الواسع للجيش التركي في منطقة خفض التصعيد الرابعة، التي تشمل إدلب وريفي اللاذقية وحماة وجزءاً من ريف حلب، يجعل من أي هجوم على مناطق سيطرة الفصائل بمثابة حرب على تركيا ذاتها، الأمر الذي يعيه النظام وحلفاؤه تماماً اليوم، ولذلك فإنهم تجنبوا ولا يزالون ارتكاب مثل هذه الحماقة التي ستكون مكلفة جداً، ولا أعتقد أنهم سيقومون بها في المستقبل.

ومن أجل المستقبل أيضاً، ومن الناحية الجيواستراتيجية، لن يكون بإمكان الروس والإيرانيين ترجمة مكاسبهم العسكرية التي حققوها من خلال المشاركة المباشرة إلى جانب النظام في معاركة السابقة إذا ما استمر الوضع السوري يراوح في مكانه وفق الأمر الواقع الذي أصبح أقرب إلى الثبات، ومرشح ليحافظ على ما هو عليه لسنوات ربما ما لم تحدث اختراقة مهمة على صعيد الحل الدبلوماسي.

لن يتمكن الروس من إطلاق عملية إعادة الاعمار كما حلموا، أو الاستفادة من الثروات الطبيعية السورية (النفط والغاز والفوسفات) كما خططوا، فالولايات المتحدة وأوروبا كانتا واضحتين فيما يتعلق بهذا الجانب، وما لم يلتزم النظام بتطبيق قرار مجلس الأمن ٢٢٥٤ فلن يكون بإمكان موسكو جني أي من ثمار مشاركتها في الحرب، بل وسيكون عليها دفع المزيد من التكاليف في سبيل الحفاظ على نظام مفلس ينخر به الفساد، كما بات الروس أنفسهم مقتنعين بذلك.

حتى إيران التي حلمت ولا تزال بطريق بري يصل بين طهران والموانئ السورية على البحر المتوسط، وهو الحلم الذي تعتقد أنها قطعت ثلاثة أرباع الطريق نحو تحقيقه، فإنها تدرك اليوم بلا شك أن الربع الأخير المتبقى منه سيظل حلماً طالما أنها تصر على ربط تحقيقه بالنظام الحالي الذي يحكم سوريا، ولم تستسلم لحقيقة أن مستقبل سوريا السياسي محكوم بتوافقات إقليمية ودولية كبرى تقوم بالأصل على توافق السوريين وتشاركيتهم، لا على التفرد والاستفراد.

لقد كانت الفرصة سانحة أمام روسيا وإيران في الحفاظ على علاقات متوازنة وسليمة مع كل السوريين، والعمل معاً لتحقيق المصالح المتبادلة بما ينفع شعوب البلدان الثلاثة ويحقق لها الاستقرار والازدهار لو أنهما (أي موسكو وطهران) استجابتا لمبادرات المعارضة في عامي ٢٠١١ و ٢٠١٢، لكنهما اعتقدتا بأنهما غير مضطرتين للتنازل عن نظام يقدم لهما سوريا على طبق من فضة، من أجل استبداله بحكم وطني مستقل، لكن على الروس والإيرانيين اليوم أن يكونوا مقتنعين بأنهم لم يفعلوا شيئاً سوى إطالة أمد الحرب في سوريا وازهاق المزيد من الأرواح والتسبب بتوسيع رقعة الدمار، ورغم ما حققوه من مكاسب عسكرية كبيرة بالفعل، إلا أنهم لم ولن يحسموا المعركة أو يصلوا إلى النتيجة التي طمحوا إليها من خلال الإصرار على سلوك هذا الطريق.

تعطلت اجتماعات اللجنة الدستورية التي كان مقرراً أن تنطلق في جنيف، لكن ذلك ليس هو المهم، بل الأهم هو اللقاء الثلاثي الذي سيجمع نواب وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران، كضامنين لمسار أستانة، بالإضافة مؤكداً إلى اللقاءات الثنائية التي سيعقدها هؤلاء مع المبعوث الأميركي إلى سوريا جيمس جفري وهم موجودون جميعاً في العاصمة السويسرية الآن.

إن التعويل الحقيقي على ما سيناقشه الديبلوماسيون المبعوثون من قبل حكوماتهم في أنقرة وموسكو وواشنطن وطهران، وما سيوافقون عليه وما سيقررون تأجيل البحث فيه، وما سيعتبرون أن من المهم العمل عليه فوراً لإحداث اختراقة في جدار الحل السياسي في سوريا، وهي لقاءات إذا ما كانت مثمرة فإنها ستكون الحدث المهم للسوريين وليس اجتماعات اللجنة الدستورية، التي نقر جميعاً بأنها مجرد حدث موازٍ للفعل الأساس وهو توافقات هذه الدول الأربعة التي آن لها، وخاصة روسيا وإيران، أن تتصالح مع حقيقة أنها لا يمكن حسم الصراع في سوريا وعلى سوريا بالقوة، وأن التوافق والحل الديبلوماسي هو المسار الوحيد الممكن لتحقيق مصالح الجميع.

قد يعجبك ايضا