بيلاروسيا تفتح أبوابها لجميع اللاجئين وتدفع بهم باتجاه الحدود.. ما الذي يحصل؟

جسر – بولندا (وسيم أبو حسن)

تقترب أزمة حشود اللاجئين على حدود بيلاروسيا من نهاية شهرها الثاني، بعد أن وصل المئات من الأشخاص من داخل بيلاروسيا إلى حدود بولندا، ولاتفيا، وليتوانيا، على أمل اجتياز الحدود والوصول إلى دول أوروبا بهدف طلب اللجوء.

معظم اللاجئين المحتشدين من دول تشهد صراعات مسلحة، خصوصاً سوريا والعراق وأفغانستان.

بداية حركة تدفق الأشخاص الراغبين في عبور الحدود والوصول إلى أوروبا كانت على حدود لاتفيا وليتوانيا، كونها الأضعف من الناحية الأمنية، وخلال أيام قليلة تمكن المئات من عبور الحدود والوصول إلى تلك الدول، التي سارعت بدورها بإغلاق حدودها وإنشاء مخيمات على المناطق الحدودية لاستيعاب موجة اللاجئين الجديدة.

عقب ذلك، انتقلت محاولات تجاوز الحدود إلى المناطق الحدودية مع بولندا، والتي قامت بدورها أيضاً باستنفار قوات حرس الحدود والجيش للسيطرة على الحدود، ومنع أي عمليات تسلسل إلى داخل أراضيها.

لماذا الآن؟

لمعرفة السبب وراء التوقيت لا بد من قراءة سياسية سريعة لما حدث في المنطقة، فمنذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة في بيلاروسيا، شهدت البلاد حركة احتجاجات واسعة، حيث اتهم معارضو الرئيس البيلاروسي الكسندر لوكاشينكو النظام البيلاروسي بتزوير الانتخابات، فيما قامت أجهزة الأمن البيلاروسية بقمع هذه الاحتجاجات بالقوة، وهو ما أجبر الكثير من معارضي النظام البيلاروسي على مغادرة البلاد هرباً من بطش الأجهزة الأمنية، لتقوم دول شرق أوروبا باستقبالهم لديها.

وعلى الرغم من مناشدات الاتحاد الأوروبي لـ الرئيس البيلاروسي باحترام حق التعبير عن الرأي في بلاده، فقد استمرت سياسة تكميم الأفواه في بيلاروسيا، بل زادت حدتها مع الوقت، وصولاً إلى إجبار طائرة تتبع لشركة “ريان آير” كانت تعبر الأجواء البيلاروسية على الهبوط في مطار مينسك واعتقال صحفي بيلاروسي معارض كان على متن الطائرة.

تلى ذلك قيام الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على عدد من الشخصيات في بيلاروسيا، إضافة إلى قيام عدد من دول الاتحاد الأوروبي بتقديم الدعم والمساعدة لـ المعارضة الروسية وهو ما أغضب نظام الرئيس البيلاروسي، الذي رأى في ذلك تدخل في الشأن الداخلي، وتوعد دول الاتحاد الأوروبي برد قاسي على هذه العقوبات.

ومنذ ذلك الحين بدأت أزمة الحدود بين البلدين، عندما سمحت بيلاروسيا لمئات الأجانب الموجودين لديها من الوصول إلى المناطق الحدودية مع دول الاتحاد الأوروبي، بل حتى سمحت لهم بتجاوز النقاط الحدودية البيلاروسية في بعض المناطق، ليجدوا أنفسهم عالقين بين البلدين، بعد أن قامت دول الاتحاد الأوروبي بإغلاق حدودها بالكامل.

كيف وصل هذا العدد من الأشخاص إلى الحدود؟

بحسب التصريحات الصادرة عن بولندا ولاتفيا وليتوانيا، فإنه وبناء على التحقيقات مع الأشخاص الذين تم القيض عليهم خلال تجاوز الحدود بطريقة غير شرعية، فقد وصل هؤلاء الأشخاص إلى بيلاروسيا عبر الحصول على تأشيرات سفر قانونية، عبر مكاتب سياحة وسفر لها علاقات مع السفارة البيلاروسية، خصوصاً في العراق ودول جوار سوريا، وبعد الوصول إلى بيلاروسيا، تم تأمين وسائل نقل لنقلهم إلى المناطق الحدودية مع دول الاتحاد الأوروبي، فيما يبدو أنه محاولة من النظام البيلاروسي للضغط على دول الاتحاد الأوروبي لتخفيف الضغط المفروض عليها منذ الانتخابات الرئاسية البيلاروسية.

كما منعت بيلاروسيا المهاجرين الذين تجاوزوا نقاط الحدود البيلاروسية من العودة إلى داخل بيلاروسيا، لإبقاء الوضع على ما هو على المناطق الحدودية مع دول الاتحاد الأوروبي، إلى جانب تقارير إعلامية تتحدث عن المزيد من الأشخاص الذين يتوجهون بشكل يومي إلى الحدود، مع دول الاتحاد الأوروبي.

موقف الاتحاد الأوروبي

بعد وقت قصير من بداية الأزمة، أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان توصياتها للدول التي لديها حدود مع بيلاروسيا بتقديم المساعدة لـ اللاجئين الموجودين على الحدود، على أن تُقدم المساعدة داخل الحدود البيلاروسية، فيما أعلنت بولندا وباقي الدول الأعضاء عن التزامها بهذه التوصيات، وتسيير قوافل مساعدات فورية إلى الحدود، إلا أن الجانب البيلاروسي رفض السماح بإيصال هذه المساعدات.

كما أصدر رؤساء وزراء كل من بولندا ولاتفيا ولتوانيا بيان مشارك قالوا فيه إن “استخدام المهاجرين من أجل زعزعة استقرار الدول المجاورة هو انتهاك واضح للقوانين الدولية، ويجب أن يُنظر إليه على أنه هجوم مختلط ضد ليتوانيا ولاتفيا وبولندا، وبالتالي ضد الاتحاد الأوروبي بأكمله
كما طلبت الحكومة البولندية من الرئيس البولندي إعلان حالة الطوارئ على الحدود مع بيلاروسيا إلى حين انتهاء هذه الأزمة، ما يعني منع الاقتراب من المناطق الحدودية.

الوضع على الحدود

لا يزال العشرات من الأشخاص متواجدين على الحدود مع كل من بولندا، لاتفيا، ولتوانيا، القسم الأكبر منهم من حملة الجنسية العراقية، فيما آخرون يحملون الجنسيات السورية، الفلسطينية، الأفغانية. وغيرها، وهم ضمن مخيمات صغيرة إمام بين النقاط الحدودية بين البلدين، أو بالقرب من الحدود بين بيلاروسيا وتلك الدول، فيما لا تسمح لهم الشرطة البيلاروسية بالعودة إلى داخل البلاد .

وبحسب تصريحات حرس الحدود البولندي، فإن أعداد الأشخاص المتواجدين على حدودها مع بيلاروسيا يتراوح بين 25 إلى 35 شخص، بينهم أربعة نساء ولا يوجد بينهم أطفال، غالبيتهم من حملة الجنسية السورية والعراقية، فيما تشهد الحدود بشكل يومي أكثر من 100 محاولة عبور غير شرعية.

كما أفاد حرس الحدود أنه خلال شهر آب الماضي، تم اعتقال أكثر من 600 شخص حاولوا عبور الحدود بشكل غير شرعي، وتم نقلهم إلى مخيمات خاصة باستقبال اللاجئين إلى حين دراسة وضعهم وطلبات اللجوء التي تقدموا بها.

وتقوم المنظمات البولندية وعدد من المتطوعين بالتواصل مع الأشخاص الموجودين على الجانب البيلاروسي من الحدود، وأكدت تلك المنظمات أكثر من مره أن الوضع الصحي للأشخاص الموجودين على الحدود جيد، فيما تقف قوافل المساعدات بالقرب من الحدود أيضاً بإنظار الإذن من الجانب البيلاروسي للسماح بوصلها إلى اللاجئين.

وأعلنت بولندا يوم أمس الخميس عن حالة الطوارئ على حدودها مع بيلاروسيا، والتي تتضمن حظر تواجد أي شخص غير مقيم في تلك المناطق ضمن المدن الحدودية، مع تسيير دوريات مستمرة للتحقق من شخصية الأشخاص الموجودين في المناطق العامة.

اللاجئون هم الخاسر الأكبر

رغم أن عدد اللاجئين الموجودين على الحدود ليس كبيراً -على الأقل حتى الآن- لدرجة يمكن أن نسمي ما يحدث حالياً بأنه أزمة لاجئين كما حدث في عام 2015، ولن يكون العدد الذي وصل إلى دول شرق أوروبا أو لا يزال على الحدود مشكلة لدول جوار بيلاروسيا، إلا أن دول شرق أوروبا لديها تخوف على المدى البعيد، ففي حال سماحها بدخول اللاجئين الموجودين على الحدود حالياً، قد يقوم النظام البيلاروسي بحشد عدد أكبر من اللاجئين، للضغط بشكل أكبر على هذه الدول.

ويبقى التخوف الأكبر من استمرار بيلاروسيا في استغلال الأزمة الإنسانية لمواطني الدول التي تشهد صراعات مسلحة، كـ أداة من أجل تحقيق مكاسب سياسية، أو للضغط على دول الاتحاد الأوروبي لتخفيف عقوباتها، فيما يبقى اللاجئون يدفعون ثمن هذه السياسة، خصوصاً وأن بيلاروسيا هي من وضعتهم في هذا المكان، وسهلت وصولهم إلى أراضيها، ما يعني في العرف والقانون أنها المسؤولة عنهم.

قد يعجبك ايضا