تحليل: هل يمكن لبوتين أن يُضحّي بإردوغان؟

جسر: متابعات:

في مقال تحليلي، ذهب الكاتب التركي “بُراق تويغان” أن العلاقات التركية الروسية تشهد أكثر أيامها توترا منذ حادثة إسقاط الطائرة الروسية في 2015. وأن إرسال آلاف الجنود ومئات العربات المدرعة إلى المنطقة من أجل إيقاف التقدم السريع لقوات النظام المدعومة من روسيا في إدلب، والتحرّك السريع للقوات المسلحة التركية الذي تمّ في أعقاب ذلك بتعليمات من الرئيس التركي رجب طيب إردوغان جعل كلا من أنقرة وموسكو في مواجهة مباشرة.

ورأى “تويغان” في مقاله المنشور على موقع “أحوال تركية”، أنه وفي هذه المرحلة يبقى أمام موسكو خياران: إما أن تتخذ موقفا إلى جانب رأس نظام الأسد فتُصدر إنذارا لأنقرة كي تسحب جنودها، وإما أن تتغاضى عن تقدم القوات المسلحة التركية. وهناك خيار ثالث أيضا يتمثل في تجميد الاشتباكات في الوقت الراهن، على غرار قرارات وقف إطلاق النار السابقة. إلا أن ذلك لا يبدو ممكنا في الوقت الراهن، إذ لن يتراجع إردوغان خطوة إلى الوراء، لا سيما في ظل وجود الدعم الجديد الذي تلقاه من الولايات المتحدة الأميركية وحلف الناتو.

وأشار الكاتب إلى أن موسكو أرسلت وفدين إلى أنقرة “لوقف إردوغان”، ويوم الثلاثاء أيضا أعلن وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو أن إردوغان أجرى مكالمة هاتفية مع بوتين. لكن الكرملين أعلن أنه ليس هناك قرار حول لقاء الرئيسين في هذا الاتجاه. ولا يُعرف ماذا يعني عدم لقاء بوتين مع إردوغان: هل هو احتجاج مثل ما فعلته تركيا عبر امتناعها عن الخروج في دورية مشتركة مع روسيا في شمال سورية، أم أنّه حادثة إساءة فهم كثيرا ما تحدث في الدبلوماسية التركية.

وعزى الكاتب تطور العلاقات الروسية-التركية أسباب ظاهرة؛ مثل محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو، وتصرف الدول الغربية بحذر إزاء خطاب إردوغان عن الانقلاب في أعقاب تلك الحادثة، والخلاف القائم مع الولايات المتحدة الأميركية حول صواريخ باتريوت، لينتقل البلدان من الوقوف على حافة أزمة إلى تعاون وثيق، بل وحتى إلى زواج استراتيجي يتم تفسيره على أنه تحول محوري؛ فبموافقة البلدين بدأت قوات النظام في استعادة الأراضي التي كانت خسرتها أمام جماعات المعارضة في وقت قصير منذ عام 2012. وفي المقابل نفذت تركيا أيضا عمليات “غصن الزيتون” و”درع الفرات” العسكرية، وسيطرت على عفرين مع خط جرابلس-الباب.

ويؤكد الكاتب أنه وعلى الرغم من اللقاءات المتكررة ومشاهد الحفاوة الروسية مثل الإكرام بالمثلجات والتي عُرضت أمام الكاميرات، فقد ذُكر مرارا وتكرارا في الكواليس الدبلوماسية أن الزعيمين “لا يثق أحدهما بالآخر أبدا”.

والواقع، يقول الكاتب، أنه بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية، كانت عبارات بوتين بصفة خاصة والموجهة لإردوغان مثل”لقد طُعنوا في الظهر من قبل المتعاونين مع الإرهابيين” و”أم أنكم وضعتم الناتو في خدمة داعش الميليشيا الإرهابية” في إشارة إلى أن عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي لا تزال تحتفظ بنضارتها وبحضورها في الأذهان. ولم يقف بوتين عند هذا، بل لم يرد على اتصالات إردوغان، ورفض أيضا طلبه الاجتماع في قمة المناخ التي انعقدت في باريس.

ويرى الكاتب أن إقامة الزعيمين جسور الصداقة فيما بينهما، بينما يشنّان في الوقت نفسه حربا بالوكالة ضد بعضهما البعض في سورية التي تُعدّ واحدة من أكثر ساحات الحروب دموية في القرن العشرين، تشكل واحدا من الأمثلة النادرة في التاريخ حول السياسات الدولية المُتناقضة. وليس في سوريا وفي ليبيا وفي مناقشات الغاز الطبيعي في شرق المتوسط فحسب، بل في كل مجال تقريبا، ولا سيما في مشاكل بحر إيجة وقبرص، والقوقاز، والبلقان وآسيا الوسطى، يوجد لدى روسيا سياسة واضحة ضدّ تركيا تماما.

ويستدرك الكاتب، أن إردوغان مضطر لإقامة صداقة مع بوتين؛ على خلفية تردي علاقاته مع الغرب، وأن روسيا باتت تمثل المخرج الوحيد بالنسبة له، قبل أن يضيف أنّ شهر العسل هذا لن يستمر طويلا، بالنظر إلى التطورات الجارية في إدلب.

وفيما تتكاثر التحلايلات المقللة من احتمال أن يخوض إردوغان مواجهة مع روسيا وهو في خضم أزمة اقتصادية، وفي ظل تراجع شعبيته بسرعة، إضافة إلى عدم قدرته على الكشف عن قصة أو بطولة جديدة، والزعم بأنه سيقع مرة أخرى في مواجهة مع منظمة “أرغنكون”٭؛ يرى الكاتب، أن هناك شبكة علاقات تمثل أحد الأمور التي لن تستطيع روسيا وبوتين أيضا أن تتجاهل فيها إردوغان وتركيا بسهولة.

وبحسب الكاتب يأتي فائض التجارة الخارجية الكبير الذي تحقق لصالح تركيا على رأس شبكة العلاقات هذه؛ فوفقا لأرقام 2018 فإنّ التجارة بين البلدين بلغت نحو خمسة وعشرين مليار و500 مليون دولار، حوالي أربع مليارات دولار منها تمثل صادرات تركيا إلى روسيا. ففي صفقة واحدة باعت روسيا أنظمة الدفاع الصاروخية إس-400 بقيمة مليارين و500 مليون دولار. وقد صرح إردوغان وبوتين أنهما يريدان زيادة حجم التجارة الثنائية إلى مائة مليار دولار في المستقبل القريب، في حين أن تجارة روسيا الخارجية مع إيران حليفتها في سوريا، تبلغ حوالي ملياري دولار فقط.

ويضيف الكاتب، أن إطلاق خط أنابيب الغاز الطبيعي “تورك ستريم” في يناير الماضي عزز موقف إردوغان أمام بوتين، وعلى الرغم من أن قدرة نقله للغاز ليست عالية جدا إلا أن القدرة على مواصلة فعاليات هذا المشروع الذي يكلف مليارات الدولارات تخضع لسيطرة تركيا.

ويخلص الكاتب إلى ما يلي:

أولا: على الرغم من أن البلدين لم يتواجها بشكل جاد في سوريا حتى الآن، فإن علاقات تركيا الوثيقة مع الجماعات المعارضة تشكل رادعا رئيسيا، ولا يمكن لنظام الأسد أن يحمي أرضه ضد هذه الجماعات بدون روسيا وإيران؛ وبالتالي فإن أي توتر قد ينشأ مع تركيا ربما يهز عرش روسيا في سوريا.

ثانيا: بدء تركيا في تحسين علاقاتها مع الغرب من جديد ربما يقوض أحلام روسيا في أن تُصبح قوة عظمى مرة أخرى في الشرق الأوسط، وبسياسة مشابهة لاستراتيجية تركيا في أن تصبح صاحبة القوة في الشرق الأوسط عبر الإخوان المسلمين، تقترب روسيا من تركيا. وبعد سورية بدأت موسكو تتبع مسارا مماثلا في ليبيا.

ثالثا: قد لا يكون من الممكن لشخص يأتي بدلا عن إردوغان حال ضعفه كرئيس، أن يُكوِّن علاقات مع روسيا بنفس المستوى. وبالتالي فإن بقاء إردوغان في مقعد السلطة بشكل قوي أمر ضروري بالنسبة لمصالح روسيا في الوقت الراهن.

 

 

٭منظمة سرية تضم سياسيين سابقين وكتابا وصحافيين ورجال أعمال وجنرالات وقادة عسكريين وقضاة وغيرهم من مختلف الانتماءات العقائدية والحزبية في تركيا، ويتمثل أهم أهدافها في “المحافظة على تركيا دولة علمانية وعسكرية وقوية كما كانت في عهد كمال اتاتورك”.

قد يعجبك ايضا