تطويق الحرب الأوكرانية…هكذا أحبطت واشنطن مخطط الغزو الروسي

جسر – صحافة

تراجعت التوقعات باندلاع حرب روسية على أوكرانيا الى مستويات كبيرة، بعد أسبوع صاخب، حبس العالم فيه أنفاسه، وذهبت التقديرات الى أبعد مدى بالحديث عن تداعياتها أولاً على “تجمّد أوروبا جراء توقف أنبوب الغاز الروسي”، و”اندلاع حرب عالمية ثالثة”.
في “تويتر”، نُظمت غرف لحوارات متكررة استضاف فيها الناشطون خبراء كثيرين، لم يشككوا لحظة في التسريبات الأميركية حول استعداد روسيا للحرب. وفي “كلوب هاوس”، تهويل بانعكاس الأزمة على الاستقرار العالمي. عاش الناس رعب الحرب، وانتظروا الإعلان عن اندلاعها.. وذلك بسيناريوهات متخيلة.
والحال إن التقديرات الأميركية، المستندة الى معلومات استخبارية، لم تضلل العالم حول نية روسيا غزو أجزاء من أوكرانيا، لكنها أجادت استثمار الحدث لردع الحرب ومنعها، وهي واحدة من التوظيفات الكثيرة للضخ الاعلامي للتغيير في مسار وقائع. فما كان تراجع روسيا ليحدث لولا حشد الرأي العام، وإطلاق صفارة التحذير من حرب “لن تبقي ولن تذر”، تكفل المحللون غير المطلعين على معلومات الكرملين أو الكونغرس، بالترويج لها ورسم سيناريوهاتها المتخيلة.
كانت هناك مؤشرات دبلوماسية على انغلاق سياسي، سيدفع بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى القيام بعمل عسكري محدود جغرافياً وزمنياً في الأراضي الأوكرانية. فأوكرانيا، تعد الحديقة الخلفية والمدى الآمن لروسيا الاتحادية من ناحية الغرب، والعمق الجغرافي الذي يدافع عن العاصمة الروسية موسكو، تلك الواقعة جغرافياً في سهوب لا تحميها سلسلة جبال في مواجهة “الناتو” على حدودها، والممر الحيوي للغاز الروسي باتجاه أوروبا. على مدى سنوات، لم تتمكن موسكو من إحداث خرق في البنية السياسية في كييف، الموالية للغرب، والطامحة للعضوية في حلف “الناتو”.
أثبتت التجارب العالمية أن ستاتيكو الانغلاق السياسي، لن يخرقه إلا حدث أمني أو عسكري. قد يكون بوتين ساعياً لإحداثه، على نطاق ضيق ومحدود، كما حصل في العام 2014 حين ضم شبه جزيرة القرم ولم يستدرج رد فعل قاسياً من الغرب. الآن واجهه الناتو، وفرض على بوتين معادلة جديدة: إما الحرب الشاملة التي ستدفع روسيا ثمنها بعقوبات قاسية، وإما إبقاء الأمر على ما هو عليه.
وظفت واشنطن كل الأدوات الإعلامية لافتضاح الحرب وإحباطها. أطلقت الإشارة الأولى بتحديد موعدها، وهو ما واظب بوتين على نفيه. تكفلت التسريبات الاسرائيلية بتأكيد موعدها، الثلاثاء أو الاربعاء على أبعد تقدير، وهو ما أفشل انطلاقتها. فلا الحرب تُخاض بمعرفة مسبقة، ولا المواعيد الثابتة ستكون وصفة جديرة بنجاح أي تصعيد عسكري، خصوصاً أن بوتين يريده محدوداً، لتجنب خسارات مدوية نتيجة العقوبات، وأبرزها نجاح مشروع السيل الشمالي 2 الذي يربط الغاز الروسي بألمانيا مباشرة، وهو لا يُنظر اليه على أنه اتفاق اقتصادي فحسب، بقدر ما يرتبط بأمن الطاقة في أوروبا، وبتوسعة التحالفات السياسية لموسكو التي تنافس الولايات المتحدة على تحقيق اختراقات في العلاقات مع دول أوروبية، بدءاً من ألمانيا، أكبر القوى الاقتصادية في أوروبا، بعد نجاح الولايات المتحدة في سحب أكبر قوة عسكرية وسياسية ودبلوماسية في القارة الأوروبية اليها، وهي بريطانيا بعد “البريكسيت”.
كان التوظيف الإعلامي الأميركي يحمل رسالة واضحة: إما حرب تخسر روسيا فيها كل طموحاتها السياسية والاقتصادية، وبينها الحفاظ على مكتسابها من ضخ الغاز القادم الى أوروبا، وإما الحفاظ على الستاتيكو القائم ريثما يجد الناتو بديلاً عن الغاز الروسي في أوروبا، من أنبوب الدول السبعة في المتوسط، أو من زيادة المساهمة الجزائرية بتزويد أوروبا بالغاز.. وريثما يجد بدائل تعوض النقص في امدادات النفط الروسي في الاسواق العالمية، منعاً لارتفاع سعر البرميل الى مستويات عالية لا يتحملها الاقتصاد العالمي.
تأجلت المواجهة الآن، غير أن الحراك الدبلوماسي، وآخره زيارة المستشار الالماني الى موسكو، لم يوقفها بعد. سحبت موسكو مدرعاتها من بيلاروسيا والقرم، وأطلقت معركة موازية باستقطاب دول نفطية في حديقة واشنطن الخلفية في أميركا اللاتينية، ظهرت في الاتصالات السياسية وزيارة الرئيس البرازيلي الى موسكو اليوم. يبدو أن المواجهة اتخذت طابعاً مختلفاً، بانتظار كيف ستُوظّف تداعياته في التسريبات الإعلامية.
المصدر: موقع المدن
قد يعجبك ايضا