حامل الصليب الهارب من “الوطن” 1/2

محمد حسان

محمد حسان

من دمشق إلى إسطنبول.. الصليب والشيخ “زعيوط” وحظيرة البقر

في ال 29 من شهر ديسمبر/ كانون الأول 2020، يحاول “جاك” (25 عاماً)، استثمار ساعات النهار المتبقية لحزم أمتعته، للحاق بالسرفيس الذي ينطلق في الساعة 6 مساءَ من بلدة القريّا في ريف السويداء إلى العاصمة دمشق، متجهاً إلى عائلته المقيمة في منطقة الدويلعة.

تحركات جاك الخفيفة والمتناسقة مع أغنية “ومنين أبدا يا قلبي” التي يُطلقها هاتفه المحمول، تظهر كمية السعادة التي تعتريه ويريد نشرها بين رفاقه في السكن، سعادة العودة لزوجته وطفله آدم، آدم الذي يملك شعر أسود طويل وعينين شديدة البياض والسواد لا تمل من النظر إليها.

جاك وحركته السريعة المنتظمة، تٌغير مسارها كل ما دخل أحد رفاقه إلى السكن عائداً من العمل، ليتجه إليه بشكل مباشر، يوقف مشغل الأغاني، ويفتح البوم الصور، ليُري هذا القادم شجرة عيد الميلاد الصغيرة المركونة في زاوية غرفة الجلوس بمنزله.

شجرة الميلاد الصغيرة، كانت عبارة عن قضيب معدني، تخرج منه تفرعات بلاستكية مشابهة للأغصان، وخيوط تتدلى منها 4 قناديل صغيرة ملونة بالأحمر والأزرق وفي قمة الشجرة نجمة صفراء باهته، منذ سنوات لم يتمكن من شراء شجرة طبيعية في عيد الميلاد، بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية في سورية.

يا فرحة ما تمت

فرحة جاك وحركته الانسيابية المنتظمة داخل السكن، انتهت بعد تلقيه اتصالاً هاتفياً من والدته. اتصال كان كافياً لشطب ملامح الفرح من على وجهه واختلال توازن جسده وجلوسه على أرض الغرفة دون حراك، وسط دهشة رفاقه الذين أحاطوا به متسائلين: ماذا حدث؟

جلوس جاك دون حراك استمر لقرابة 5 دقائق، قبل أن يسند ظهره على حائط الغرفة، ويبدأ بضرب رأسه على الحائط الإسمنتي، مردداً “يا فرحة ما تمت”، بينما يحاول جميع من حوله منعه عن ضرب رأسه، وأخبارهم بما حدث.

اتصال والدة جاك حمل له أسوء خبرين يمكن أن يصلا شخص يعيش في مناطق سيطرة النظام، الأول وصول تبليغ له من شعبة التجنيد، تطالبه بالالتحاق بصفوف الجيش السوري لتأدية الخدمة الاحتياطية المترتبة عليه، والخبر الثاني، قيام عناصر من بلدية دمشق بهدم أجزاء من بيته المخالف في الدويلعة.

محاولات جاك استجماع قواه للوقوف لم تفلح، جسده كان يرتجف وملامح الحزن حفرت عميقاً في وجهه، لم يستطع سوى أن يتصل بوالده، الذي تجنب عبارات التهدئة المعتادة في مثل هذه الظروف، ليبدأ بسرد التعليمات لولده، أولها البقاء في السويداء لتجنب عملية اعتقاله ريثما يحاول حل القضية.

والد جاك الذي باع مصاغ زوجته لمحاولة إلغاء السحب الاحتياطي عنه، لم يتمكن على الرغم من محاولات دفع الرشاوي للمسؤولين وبعض الضباط في قوات النظام، والسبب أن جميع من حاول معهم طلبوا مبالغ مالية كبيرة يعجز عن دفعها.

وجود جاك في السويداء لم يبقيه في مأمن، خاصة بعد أن بدأت الدوريات الروسية تجوب المنطقة، والنظام يعتقل المدنيين، على الرغم من أن المدينة كانت تعمل عبر وجهائها خلال سنوات الحرب تأمين أبنائها من تلك الاعتقالات، وعدم زجهم في صفوف قوات الجيش السوري.

مخاوف جاك المتزايدة دفعته إلى استشارة أخويه المتواجدين في هولندا لإيجاد حل، والذين أقنعوه على ترك سوريا والسفر إلى تركيا ومنها إلى أوربا، بحثاً عن حياة أفضل له ولعائلته، خاصة أنه يرفض أن تتلوث يديه في دماء الأبرياء.

أربع أيام بعد اتصال والدته كانت كافية لجاك، الذي قرر الخروج من السويداء والهروب من “الوطن”، وبدأ بالعمل على تأمين المال الكافي لينطلق برحلته المحفوفة بالمخاطر.

ثمن المنزل للرحلة

في بادئ الأمر حاول جاك استدانة المال من أقاربه في سوريا وأخويه المتواجدين في هولندا، لكن أوضاع أقاربه المتردية وتوقف عمل أخويه في مكان إقامتهم نتيجة جائحة كورونا حال دون ذلك، ما جعله يضطر لوضع منزله في منطقة الدويلعة برسم البيع في أحد مكاتب المنطقة.

قرار بيع المنزل لم يكن سهلاً، فهذا الشاب يكثر الحديث عن هذا المنزل، عن السنوات الطويلة التي استغرقها في بنائه، عن الطوب الاسمنتي، وأكياس الإسمنت، وأكياس الرمل، التي نقلها من الشارع إلى الطابق الثالث، وتصميم المنزل المكون من غرفتين وصالون، غرفة له ولزوجته وغرفة لآدم وطفل آخر يفكرون في انجابه.

لم تمض ثلاثة أيام حتى تلقى جاك اتصالاً من صاحب المكتب العقاري يخبره بوجود زبون مهتم بمنزله، وإنه يريد الذهاب إلى الشقة لتفقدها، خاصة أنها معرضة لبعض الإضرار، نتيجة هدم جزء من جدرانها من قبل بلدية دمشق.

صدمة جاك كانت مضاعفة بعد أن اتصل به والده يخبره عن عمليات التفاوض مع المشتري، هذه الصدمة لم تكن ناجمة عن السعر المدفوع ثمناً للمنزل، ولا لعدول المشتري عن شراء الشقة، بل كانت الصدمة عندما أخبره أن المشتري وجار أهله الجديد قادم من أفغانستان.

والد جاك الذي دفعه الفضول لمعرفة قصة هذا المشتري، تعمد خوض الحديث مع الشاب عبد الواحد “المشتري” القادم من أفغانستان إلى سوريا، عبر دعوته مع صاحب المكتب العقاري إلى منزل العائلة لشرب القهوة.

لغة عبد الواحد الثقيلة لم تكن عصية على الفهم، كانت يستطيع إيصال فكرته من الحديث على الرغم من قلة الكلمات التي يعرفها للتعبير، قصته بدأت عام 2015 حين انضم لمجموعات شيعية أفغانية تقاتل في سورية، مبرراً انضمامه بالفقر وكون القتال في سورية واجب لحماية المقدسات الشيعية التي يؤمن بها.

عبد الواحد يفتخر في الجلسة بقتاله في حلب وحمص ودمشق وديرالزور، وإصابته في عدد من المعارك، وكيف تم منحه الجنسية السورية بعد قتاله لسنوات مع النظام، حيث يقوم النظام بتجنيس هؤلاء المقاتلين بعد قتالهم إلى جانبه من سنتين إلى ثلاث سنوات.

حديث عبد الواحد يتوقف عند انتهائه من التعبير عن رغبته في شراء منزل والاستقرار الكامل في سوريا بلدة الجديدة، ليقاطعه صاحب المكتب بسؤال “إذا عجبك البيت خلونا نتفق ع السعر ونقرأ الفاتحة على نية التوفيق”.

30 مليون ليرة سورية، دفعها المشتري ثمن للمنزل، وتم تسليمها لوالد جاك. جاك الذي حاول منع والده من اتمام الصفقة، لعدم رغبته في ترك جار غريب ضمن البناية التي يملكونها، ولكرهه الشديد بمن ساهم في قتل السوريين، لكن والده كان يريد فقط أن يغادر في أسرع وقت.

الشيخ زعيوط

الثامن من سبتمبر/ كانون الثاني، الساعة العاشرة صباحاً، يصل والد جاك إلى القريا قادماً من الدويلعة، حاملاً معه عنوان فرع المكتب المالي الذي وضع لديه ثمن المنزل في دمشق ليتمكن من سحبه في السويداء، حيث تجنب نقل الأموال في أثناء الرحلة خوفاً من حواجز قوات النظام، التي تقوم بتشليح المدنيين أموالهم في كثير من الحالات.

تناول الإفطار وشرب الشاي يهني وجود جاك في مسكن العمل وينقله إلى مدينة السويداء، بعد استلام الأموال توجه جاك ووالده إلى بعض مشايخ الجبل وعائلاته المعروفة، بحثاً عن مساعدتهم للوصول إلى أشخاص قادرين على نقله إلى الحدود التركية.

في المدينة التقى جاك بأبو صخر، وهو رجل أربعيني يتعامل مع شبكات التهريب مقابل حصوله على أموال جراء تأمين الزبائن للمهربين، موضحاً له وجود طريق لنقله من السويداء إلى تركيا مباشرة، مقابل دفعه لمبلغ 10 مليون ليرة سورية بعد وصوله مدينة إسطنبول.

محاولات جاك لمعرفة كيفية الرحلة والطرق التي يسلكها المهربون، قوبلت بغضب أبو صخر الذي قال: “أنت مالك علاقة بهاي القصص أنت توصل إسطنبول وبس وأنا مسؤول عن أي شيء يصير عليك ومصاريك تبقى بالمكتب إلا توصل إسطنبول لا تخاف ما راح تموت”.

بعد الاتفاق مع أبو صخر وتأمين ثمن الرحلة في المكتب، استغل والد جاك الساعات المتبقية لتوديعه قبل العودة إلى دمشق، ساعات مضت سريعة، قاطعتها وصول سيارة تكسي إلى بيت أبو صخر يقودها شاب عشريني، لتنقل سامي مع 3 شباب دروز إلى أول مراحل رحلتهم إلى تركيا.

في السيارة يبدأ السائق جولة تعارف مع الركاب.. أماكن إقامتهم ووجهتهم، قبل أن ينحرف بطريق ترابي متجهاً إلى داخل البادية الشرقية الشمالية لمحافظة السويداء، ويتوقف بعد دخوله في الطريق الترابي لمسافة 10 كم، حيث تقف سيارة أنتر كولر يحيط بها عدد من الرجال.

بعد توقف السيارة وتقدم شاب يرتدي الزي العربي ملقياً التحية على سائق التكسي، يأمر الشباب الأربعة بالترجل، 6 رجال بزي عربي وأسلحة يحيطون بالمكان، يقف أحدهم على الباب الخلفي للسيارة، يساعد الركاب في الصعود واخد أماكنهم.

في السيارة ثلاث أقسام القسم الأول من جهة الباب الخلفي فيه عدد من الأغنام، والقسم الثاني الذي يليه يحتوي أكياس أعلاف وخيمة، فيما القسم الثالث المجاور لكبين القيادة يجلس 10 شباب وامرأة إضافة لأحد المهربين.

تنطلق السيارة في طرق البادية الوعرة التي تسبب اهتزاز في السيارة يحطم الجسد، بينما فتحات طولية صغيرة تدخل الهواء البارد إلى الركاب، الذين يحولون سدها بقطع قماش بحوزتهم.

جاك الذي حاول تجنب الضجر بدأ بالحديث مع المهرب عن هويتهم، والذي بدء بسرد الأحاديث بحذر دون ترك معلومات توصل لأسمائهم الحقيقية، حديث المهرب وضح أنهم يتبعون لشيخ قبيلة بدوي من بادية السويداء، يطلقون عليه الشيخ “زعيوط”، وهو من كبار مهربي السلاح في المنطقة، ويعمل في التهريب من وإلى الأردن ومناطق سوريا عبر شبكات إلى تركيا.

إنصات الجميع لحديث المهرب عن الشيخ “زعيوط” وبطولاته، ساهم في نقل الخوف لهم بشكل متساوي، عندما أخبرهم أن الرحلة تمر عبر مناطق سيطرة “داعش” والنظام و”قسد”، لكن خوف جاك كان مضاعفاً بسبب ورود “داعش” في سياق الحديث، خاصة أنه المسيحي الوحيد بين أفراد المجموعة.

ترديد جاك لمقولة “أكلنا. وخلاص متنا”، تقابل بتطمينات المهرب بانك من “أهل الذمة” ما يقتلونك، وبعدين أنت بحماية الشيخ “زعيوط”.

على حاجز “داعش” شرق السخنة

بعد أربع ساعات من سير السيارة، تفاجئ الجميع بضرب السائق على بلور الكبين الخلفي، كانت إشارة التقطها المهرب الموجود مع الركاب بسرعة، قبل أن يقول لمن معه: “ولا صوت هذا حاجز جماعة التنظيم.. ما بدي النفس يطلع”، ثم يتجه بحديثه إلى جاك الذي يكاد يتوقف قلبه من شدة الخوف: “جاك الموت يا تارك الصلاة”.

سيارتا دفع رباعي كانت على جانبي الطريق، 10 رجال بسلاحهم الكامل وزيهم الأفغاني الذي يرتديه عناصر التنظيم، جاك على الرغم من الخوف الذي تملكه إلا أنه كان يسترق النظر إليهم، وهم يتحدثون مع سائق الانتر كولر، الذي كان بارد الأعصاب غير مهتم وكأنه يحدث أصدقائه!

لحظات قصيرة من الحديث بجانب السيارة، ثم توجه قائد مجموعة التنظيم مع سائق السيارة إلى الجهة الخلفية منها، صوت فتح الباب الخلفي جعل الجميع يتجمد في مكانه، جاك كان الأكثر خوفاً، والذي توجه بالدعاء من أجل المرور بسلام، لكن مخاوفه زادت بعد أن تذكر أنه يرتدي الصليب في عنقه.

توقف الجميع عن الحديث، لم يكن هناك صوت إلا صوت أقدام قائد مجموعة “داعش”، الذي صعد على القسم الخلفي للسيارة بين الأغنام، قبل أن ينزل ليكمل حديثه مع السائق:

قائد المجموعة: شو صار مع الشيخ مشان الأغراض إلى وصيناه عليها؟
سائق السيارة: عم يسعى الشيخ بتأمينهن تعرف الوضع مو مثل قبل.
قائد المجموعة: الحساب كبر والمال عندكم خليه يجيب الأغراض بأسرع وقت نحن بحاجتها.
سائق السيارة: إن شاء الله على السفرة الجاية يكونن معي.
قائد المجموعة: إن شاء الله لكن أذا ما كانوا معك لا تجي المرة الجاية.
سائق السيارة: عين خير.
قائد المجموعة: روح نزلنا خاروفين عشاء للأخوة وكمل طريقك.

يصعد سائق السيارة، ينزل خروفين لمجموعة التنظيم، ثم يمضي في طريقه.. المهرب المتواجد مع الركاب، يطلق ضحكته، ثم يلتفت إلى جاك قائلاً: “شو عملتها على حالك؟، لك لا تخاف يعرفون أنكم موجودين بس هاي حركات، مروركم من مناطقهم عم يستلمون ثمنه سلاح ومال من الشيخ زعيوط”.

تكمل السيارة مسيرها لأربع ساعات أخرى، ثم تتوقف لتصعد على عبارة مائية كان سائقها ينتظر، يوقن الجميع أنهم تجاوزوا نهر الفرات وباتوا في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، ما يمنح جاك ومن معه الراحة فقد تخلصوا من النظام والتنظيم أكبر مخاوفهم.

المحقق جوان

بعد تجاوز نهر الفرات تتوقف السيارة، ينزل الجميع بالقرب من ضفة النهر لقضاء حوائجهم وتناول طعام الأقطار، جاك الذي أمعن النظر إلى النهر، كان يرى شروق الشمس على الفرات لأول مرة وقد تكون الأخيرة في حياته.

بعد الانتهاء من الإفطار، ينطلق السائق عبر قرى ناحية الكسرة متوجهاً إلى طريق أبو خشب، وهو طريق قديم كانت تسلكه سيارات تهريب النفط، لتجنب المرور في المناطق التي كان يُسيطر عليها النظام في محافظة ديرالزور والرقة.

قبل 20 كم من الوصول إلى مفرق العاليا على طريق تل تمر الحسكة، يوقف حاجز عسكري لقسد السيارة، تفتيش سريع يكتشف من خلاله العناصر وجود ركاب في القسم الخلفي، ينزلهم قائد الدورية لتقللهم سيارة تابعة لقسد إلى مقر قريب من نقطة الحاجز، فيما قام أحد عناصر الحاجز بقيادة سيارة المهرب إلى المقر.

يقف الجميع أمام المقر، يدخلون بشكل فردي للقاء المحقق جوان، الرجل الخمسيني، قصير القامة، أصلع الرأس، بزيه المدني بينما البقية يتردون بدلاتهم العسكرية السوداء.

عمليات التحقيق تبدأ بتفتيش الجوالات وأصحابها، ما أثار إعجاب الجميع هو إحضار الحاجز لمتطوعة عسكرية لتفتيش الفتاة المتواجدة مع المجموعة، بعد التأكد من الأوراق والسؤال عن الوجهة ودوافع مغادرة مدنهم وقراهم، يعطي المحقق جوان أمر مغادرتهم المقر وإكمال وجهتهم.

جاك آخر الخارجين من المقر، تعرض لصفعة من أحد عناصر “قسد”، عنصر ذو شعر طويل ولحية، بسبب رؤيته صور جاك مع المشرويات الكحولية في أحد مقاصف دمشق.

في مدينة المالكية شرق محافظة الحسكة، انتهت مهمة سائق السيارة، بعد تسليمه المجموعة لشخص كردي يدعى الدار، الذي نقل المجموعة لمنزل في أطراف المدينة للراحة ليوم كامل، قبل أن يقوم بنقلهم إلى الأراضي التركية.

من حظيرة البقر إلى إسطنبول

بعد يوم من الراحة، أحضر ألدار سيارة نوع فان سياحي مغلق، نقلت الركاب إلى القرى المجاورة للحدود. ألدار الذي أمر الجميع بعد 30 دقيقة من المشي للاقتراب من الحدود بالراحة، قال للجميع: “عندما اعطي أمر الانطلاق عليكم صعود التلة بحذر، ثم النزول منها بأقصى سرعة دون الالتفات للخلف، وفي حال سمعتوا كلمة stop لا تتوقفوا، هذه حرس الحدود التركي سوف يطلق النار في الهواء، في الجهة المقابلة وعلى مسافة ينتظركم شخص لنقلكم إلى إسطنبول”.

الخوف الذي تسلل إلى الجميع من عمليات إطلاق النار، دفعهم لنزول التلة بسرعة لم يتخيلوا أن يبلغوها يوماً ما، تجاوز الحدود جاء دون منقصات لم يُطلق النار وتمكنوا من الوصول إلى نقطة بجانب قرية، حيث كانت تنتظرهم سيارة لتقللهم إلى مكان ما لا يعرفونه.

حديث المهرب الذي كان ينتظرهم في الأراضي التركية بين للجميع هويته الكردية، لا لغة للتخاطب مع الجميع إلا بالإشارة، بعد ساعة من انطلاق السيارة من الحدود إلى عمق الأراضي التركية، توقفت في قرية ريفية، ووضع جاك ومن معه في حضيرة للأبقار، كانت يتواجد بها عائلات من حلب وديرالزور والرقة قد وصلوا الليلة الماضية.

ثلاث أيام ينام الجميع في الحضيرة على القش، لا أغطية كافية تقييهم برد الشتاء القاسي في تركيا، الطعام وجبتين يمنحها المهرب للنزلاء خلال اليوم، والوجبة عبارة عن خبز تركي مع دبس التمر الأحمر، ولم تتغير وجبة الطعام طيلة الأيام الثلاثة التي قضوها في الحظيرة.

بعد الأيام الثلاثة في الحظيرة، نقل الجميع بسيارات مغلقة إلى إسطنبول، لتنتهي رحلة جاك التي ستمرت قرابة شهر كامل، رحلة مليئة بالخوف والعذاب، على أمل حياة جديدة تجمعه بزوجته وولده آدم.

قد يعجبك ايضا