“داعش” في سوريا.. من مرحلة “الخلايا” و”النشاط” إلى إعادة “هيبة الدولة”

جسر – نجم الدين النجم

تصاعد نشاط تنظيم “داعش” في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ شمال شرقي سوريا، وأصبح يشكل تهديداً جدياً بالغ الخطورة على أمن المنطقة وسكانها، فلا يكاد يمر يوم دون أنْ يشهد عمليات أو محاولات اغتيال تطال أفراداً من سكان المنطقة، تارة بذريعة التعامل مع قوات التحالف، وتارةً أخرى بتهمة الردة والتعامل مع “قسد”.

ونفذت خلايا التنظيم منذ بداية العام الجاري سلسلة كمائن وهجمات طويلة ومستمرة، استهدفت مواقع قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية في البادية السورية قرب تدمر والسخنة بريف حمص، كما استهدفت الهجمات قوات النظام و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) شمال شرقي سوريا، فضلاً عن عمليات الاغتيال التي طالت العشرات من المدنيين.

“داعش”.. إثبات وجود جديد ومختلف

التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد “داعش” أعلن في العام 2019 المنصرم، القضاء على وجود “داعش” كجهة تسيطر على أراضٍ في سوريا والعراق، بعد قضاء التحالف على بؤرة التنظيم الأخيرة في الباغوز، ولقي قسم من عناصر التنظيم حتفه خلال المعارك، واعتقل البعض منهم، إلا أنّ قسماً منهم استطاع الفرار إلى عمق الصحراء ليعيدوا تجميع أنفسهم، وتشكيل خلايا جديدة، تظهر بين لحظة وأخرى لتشن هجماتها، في بعض المناطق شمال شرقي سوريا.

وإن كان الحديث عن “داعش” منذ شهور يقتصر على وجود “خلايا”، فاليوم أصبح وجود التنظيم أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، والاستمرار بالحديث عن وجود “خلايا” فقط، لا يطابق فعلاً ما يجري على أرض الواقع من مؤشرات إلى وجود حقيقي ومتجدد للتنظيم.

عمليات التنظيم اقتصرت منذ وقت غير بعيد على ظهور متخفٍ وسريع، وعمليات سريعة ومحدودة، تلوذ “الخلايا” بعدها بالفرار، إلا أن الظهور العلني الجديد للتنظيم بات يشكل مصدر قلق حقيقي لسكان محافظات الجزيرة السورية (الرقة، ودير الزور، والحسكة).

حواجز طيّارة وتعليمات وإنذارات

مؤخراً، نصب “داعش” الحواجز الطيّارة على مداخل بعض القرى، وأبلغ بعض أصحاب الحراقات النفطية والتجار وأصحاب المحال بريفي دير الزور والرقة، بضرورة دفع المال للتنظيم تحت اسم “الزكاة”.

يوم أمس السبت 19 كانون الأول/ ديسمبر نصب عناصر التنظيم حاجزاً طيّاراً في مدخل قرية “العفرية” القريبة من مدينة البصيرة، على بعد بضع مئات من الأمتار من حاجز آخر لـ”قسد” عند مدخل البصيرة.

الحاجز الطيّار التابع للتنظيم، مارس مهام الحاجز المعهودة بكل سلاسة، إذْ أنه أوقف السيارات العابرة، وطالب ركابها بإبراز بطاقاتهم الشخصية، والتعريف بأنفسهم، مع التركيز على إعطاء تعليمات واضحة للسائقين، بضرورة تقيد ركابهم بـ”اللباس الشرعي”، واعتبار هذه التعليمات بمثابة تنبيه أولي، يتخذ التنظيم بعدها إجراءات صارمة بحقهم، في حال المخالفة.

ولم ينس عناصر التنظيم، مطالبة الرجال بالمظهر الشرعي بدءاً بإطلاق اللحية وصولاً إلى تقصير الثوب، إضافة إلى تذكيرهم بمواعيد الصلاة ووجوب الالتزام بها.

حدث مشابه وقع صباح اليوم الأحد 20 كانون الأول/ ديسمبر، حسب شهود عيان من قرية “العتال” إذْ ذكر الشهود نصب ثلاثة عناصر من للتنظيم حاجزاً تحت جسر “الطكيحي” القريب من دوّار قرية “العتال”، وقاموا بذات الإجراءات، حيث طلبوا البطاقات الشخصية من الركاب، وأبلغوهم ذات التعليمات المذكورة آنفاً.

ملصقات إعلانية.. تهديد ووعيد

من جهة أُخرى، علّقت مجموعة من العناصر الملثمين التابعين للتنظيم ملصقات على جدران الجوامع والمدارس، تضمنت أسماء أشخاصٍ متهمين بالتعامل مع “قسد”، فحواها الدعوة إلى التوبة والتهديد بالقتل قبل “أنْ يتمكن جنود الخلافة من النيل منهم” حسب تعبيرهم.

الأهالي من جهتهم، اعترتهم حالة من القلق والرعب، من إمكانية معاودة التنظيم لأنشطته المعتادة، في ظل ظروف صعبة يعيشها السكان، تتمثل بالفقر وقلة فرص العمل وتردّي الخدمات، إضافة إلى حالة الانفلات الأمني.

أتاوات بمسمى “الزكاة”

في منتصف شهر كانون الأول/ ديسمبر الجاري، أبلغ عناصر تنظيم “داعش”، أصحاب الحرّاقات النفطية بريف دير الزور، بوجوب دفع “الزكاة”، بالدولار الأمريكي، بحسب ما ذكرت شبكات إخبارية محلية.

وحصلت صحيفة “جسر” من مصدر خاص في ريف دير الزور الشهر الماضي، على ورقة تبليغ صادرة عن “ولاية البركة” موجهة لأحد المواطنين طالبةً منه دفع الزكاة لتنظيم “داعش” بالدولار الأمريكي، وهدد التبليغ بأن يكون المواطن هدفاً لعناصر التنظيم في حال عدم دفعه المبلغ المطلوب محذرة إياه من التشهير بالتنظيم وعناصره.

وتنشط هذه التبليغات بمناطق الشعيطات في ريف دير الزور، وعدة مناطق أخرى في الريف أبرزها الشحيل و ذيبان، كما ذكر ناشطون في وقت سابق عن وجود تبليغات مشابهة في مناطق محدودة بريف الرقة.

“داعش” يبث أناشيد جهادية

في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت، أفاد مراسل “جسر” بريف دير الزور، أن مجموعة من عناصر تنظيم “داعش”، يستقلون دراجات نارية، تجولوا في مناطق ريف دير الزور الشمالي، حاملين أثناء تجوالهم مكبرات صوت (بافلات)، تبث أغانٍ وأناشيد جهادية بصوت مرتفع.

وأكد مراسلنا على أن ريف دير الزور الشمالي أو ما يسمى بـ”خط الخابور”، المتصل بريف الحسكة، أصبح مرتعاً لخلايا تنظيم “داعش” مؤخراً.

تقاليد “داعش” الوحشية

منذ بداية ظهور “داعش” بصورته الإرهابية الشهيرة عام 2014، عقب سيطرته على مدينة الرقة، التي اتخذها معقلاً لما يسمى “الدولة الإسلامية”، ارتكز التنظيم على بث الرعب في قلوب الأهالي والسكان، كوسيلة من وسائل ترسيخ الوجود وتثبيت الأقدام.

عمليات الاغتيال السريعة التي كان يشنها التنظيم ضد المدنيين أو قوات النظام أو “قسد”، خلال الأشهر الماضية، معظمها لم تحمل بصمته المعروفة، التي عاينها العالم منذ سنوات، من خلال الإصدارات المرئية الدموية التي كان ينشرها الجهاز الإعلامي في التنظيم على شبكة الإنترنت، إلا أن الجرائم التي ارتكبها عناصر التنظيم في الآونة الأخيرة، أعادت إلى الأذهان الكثير من المشاهد الوحشية.

وآخر هذه الجرائم التي تحمل بصمة “داعش”، حدثت منتصف شهر كانون الأول/ ديسمبر الجاري، عندما عثر أهالي مدينة البصيرة بريف دير الزور، على جثتين مقطوعتي الرأس، وقد علق عليهما ملصقات تحمل اسم “الدولة الإسلامية”.

مؤشرات عدة إلى انتقال التنظيم من مرحلة “الخلايا” و”النشاط” الذي يجري الحديث عنه منذ بداية العام الجاري، إلى مرحلة أُخرى عنوانها ترسيخ الوجود ومضمونها إعادة “هيبة الدولة”. مؤشرات يعاينها يومياً أهالي وسكان شمال شرقي سوريا بعيونهم ويعانونها بقلوبهم المرتبكة، في ظل واقع بائس لم يتحسن رغم كل الوعود التي أطلقتها سلطات الأمر الواقع، منذ طرد التنظيم من آخر معاقله بـ”الباغوز” في آذار/ مارس عام 2019.

قد يعجبك ايضا