دمشق بلا خبز.. وطوابير تعلوها صورة الأسد

علي سفر

جسر:مقالات:

أثناء وبُعيد مأساة الحرائق التي شهدتها منطقة الساحل السوري قبل أكثر من أسبوع، أعاد ناشطون سوريون وعرب على صفحات التواصل الاجتماعي تداول منشورٍ مكرر، يمنح سوريا ميزات أسطورية أمام الغير، وتضفي عليها كبلد مواصفات مختلفة عن البلدان العربية الأخرى لجهة أقدمية الحضارات التي سكنتها، ولجهة تطورها المضطرد في النصف الأول من القرن الماضي، وبما يجعل من نقاط التفاضل هذه سبباً لاستهدافه، من قبل الكثيرين الذين يشعرون بالغيظ منه، وكراهيته، ولا سيما منهم الشركاء في المؤامرة عليه، أي دول الخليج العربي، والتي غالباً ما يذكر بعض المعلقين على المنشور تفاصيل عن “تخلفها”! في نفس الوقت الذي كانت تعيش سوريا “ألقها الحضاري”! المنصوص عليه في الكلام الذي يمنحها الأوسمة والنياشين بشكل مرسل ودون التمحيص بدقة المعلومات، أو مدى أهميتها، في سياق إبراز “حضارية” أي بلد!

يعدد المنشور في بعض سطوره وتحت عنوان “لن تسقطوا سورية” مجموعة من الأحداث التاريخية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها سوريا، منذ بداية القرن العشرين، وصولاً إلى تاريخ محدد هو عام 2011 أي عام انطلاق ثورة الكرامة!

مثل كونها “البلد الأول الذي شهد وصول الكهرباء إلى شوارع عاصمته”، وأن سوريا هي “أول دولة في العالم تدرس الطب باللغة العربية منذ عام 1911″، وأنها هي الدولة الوحيدة التي كانت تسمح لأي مواطن عربي بزيارتها بدون سمة دخول (فيزا)، وأن دمشق “هي أول مدينة عربية افتتح فيها بنوك وشركات وفنادق عالميه مثل بنك كريدي” إضافة إلى الاستقلال المبكر عن الاستعمار، ومنح حق التصويت للمرأة قبل عدد من البلدان الأوروبية، مروراً بالاكتفاء الغذائي، وصولاً إلى عدم وجود مديونية للبنك الدولي!

تتوارى غايات كاتب المنشور وراء حديثه عن سوريا كبلد يتم تعظيم إمكانياته بشكل مبالغ فيه، وراء جعل حضاريته سبباً في تعرضه لمؤامرة، ولكن ما يحاول إخفاءه يظهر فجاً، حينما يغيب في كلامه كله الحديث عن الشعب السوري صانع هذه “الملامح الحضارية”.

إذ تظهر سوريا موضوع الحديث هنا أشبه بكائن خرافي، لا يمكن أن يراه القارئ أو يتخيل حضوره إلا من خلال الميزات والصفات التي يتم تعدادها هنا، لتصبح مواصفاتٍ لآلة، أو مؤسسة، أو شركة تجارية رابحة، لا أحد يعلم من يمسك دفتها، أو من جعلها تصبح هكذا!؟

وبالتجاور مع هذا التغييب غير البريء للملامح الإنسانية، تجرف البلاغة في عبارة “لن تسقطوا سورية” القارئ إلى أسفل الوادي، حيث يتم اختصار البلد ذاته، الذي كان موضع تفخيم وتعظيم قبل قليل إلى مجرد جدار أو عامود، أو حتى أصيص زرع مهمل على حافة شرفة!

دون أن يدري القارئ العابر سر هذا القفز بين العتبتين، عتبة التفخيم والتعظيم، وعتبة اللا شيء الذي لن يسقطه المتآمرون!

لكن القارئ الآخر، الذي لا تنقصه الحصافة، سيدرك ومنذ أن أطلت روح الممانعة والمقاومة عليه عبر تحديد كاتب المنشور سنة 2011 كتاريخ لبدء المؤامرة على سوريا، أن غايات الدفاع عن النظام لا يمكن لعبارات التودد والمحبة لسوريا أن تخفيها!

وبإعادة قراءة سريعة لما سبق، سيتم ملء الفراغات بالكلمات المناسبة: فسوريا التي يتم الحديث عنها هنا هي “سوريا الأسد”، وهي المستهدفة بالمؤامرة، التي تحاول إسقاطها، والتي بدأت في عام 2011، وعلى يد “العرب” المتخلفين، الذين ما برحوا يشعرون بالحنق، من تفوقها عليهم!

بالتأكيد، يشعر السوريون الذين يعرفون الحقيقة كاملة، وليس خمسها أو عشرها، أن بلدهم تستحق أن يشار لها بالبنان، حينما يتم الحديث عن الإنجازات في تاريخها، ولكن هذا لا يكتمل دون تحديد عن أي تاريخ نتحدث! وكذلك وضع ما يجري الحديث عنه في سياقه الطبيعي، والذي ستظهر فيه أدوار الفاعلين، والملهمين، وأيضاً أفعال المعارضين، والداعمين، ما سيؤدي حكماً إلى إظهار وجود فجوات كبيرة في هذا التاريخ، تمتلئ بالقيح، وبالأحداث غير المشرفة!

وما يعني في المحصلة، أن يتم تأسيس النظرة إلى هذا التاريخ بشكل واقعي، وليس عبر منطق غيبي، يمنح القوى الخارقة لأصحاب أفعال، يبنيها كتبة المنشور على المجهول، ولكنهم سرعان ما ينكشفون حينما، ينطق خطاب المؤيدين الفج، بما يحاول هؤلاء إخفاءه، فيصبح الأسد الأب هو القائد الخالد المؤسس! بينما يستمر ابنه في قيادة العالم، بعد أن انتصر في معركة بقائه ضد 80 بلداً!

يتبع هؤلاء الكتبة في سياق دفاعهم عن النظام الأسدي، أسلوباً رخيصاً، عديم الروح والفائدة، يحيلون في سياقه الصفات على غير أصحابها، وينسبون المنجزات إلى من لم يقوموا بها، ولكنهم يقعون في شر أعمالهم حينما لا يجدون أي منجز خاص قام به أي من الأسدين، يمكن وضعه في سياق الحديث عن حضارية البلد الذي حكماه طيلة نصف قرن؟!

لا بل إن عودة بسيطة للأرقام الاقتصادية، وفي كافة المجالات، لا بد ستظهر كيف أن الإنجازات التي قام بها سوريون، قبل وقوع سوريا تحت حكم الطغمة، كانت أهم وأفضل، بالقياس مع الإمكانيات، وتوفر الأدوات!

وبغض النظر عن لغة المقارنات، لا يمكن لهؤلاء أن يجدوا سبيلاً، لإقناع الجمهور الذي يخاطبونه، وهو يرى الواقع السوري ذاته، حيث أنه بالتوازي مع نشرهم وتعميمهم لهذا الهراء، كانت صفحات السوريين الذين يعيشون في مناطق سيطرة النظام تتحدث عن وصولهم إلى حافة الكارثة الشاملة، إذ اختفت المشتقات النفطية من محطات الوقود، في ظل طوابير عملاقة، ينتظر فيها الناس حصولهم على حاجياتهم الأساسية!

بينما حملت أخبار اليومين الفائتين، تفاصيل إضافية عن اختفاء مادة الخبز، ما يؤشر إلى سقوط البلاد التي يحكمها الأسد المنتصر على شعبه في هوة المجاعة المطبقة!

المصدر: موقع تلفزيون سوريا

قد يعجبك ايضا