دولة لبنان المتحللة: هل سيضطر حزب الله لانقلاب جديد؟

منير الربيع*

جسر: صحافة:

صار واضحاً أن لبنان يعيش في حال من الفوضى السياسية، لا يمكنه الاستمرار عليها. فهو يعيش اليوم خارج دائرة القانون والمؤسسات والمعايير.

قانون قوة النافذين

والمشكلة أن ما يحصل فيه، ليس ناجماً عن أعمال ميليشياوية مثلاً. بل عن إن هناك شخصيات ومؤسسات تقود انقلاباً على المؤسسات وتخرج عليها وعلى أنظمتها وقواعدها. حتى لم يعد في المستطاع اتخاذ قرارات في مجلس الوزراء، استناداّ إلى قواعد محددة.

وهذا ما ظهر جلياً في ما جرى وحصل في مجلس الوزراء حول إنشاء معمل سلعاتا لتوليد الطاقة الكهربائية: سهولة التراجع عن قرارات تتخذها الحكومة. وغياب الجدية والثقة في ما تقرره السلطة التنفيذية. وهكذا يفقد القانون قوته الضئيلة (هو ضعيف أصلاً وفصلاً في لبنان) لصالح قوة النافذين في السلطة والحكم. وتفقد الدولة قدرتها على ضبط حدودها ووقف التهريب.

ويتسع تحلل الدولة ومقوماتها في لبنان. ليس على صعيد القرار السياسي فحسب، بل على صعيد الخطة الاقتصادية والنقاشات حولها. فتغيب المعايير المنطقية، وتتضارب القرارات، وتتشوش المعطيات، فيصير السبب نتيجة، والنتيجة سبباً، وتضيع الأمور وتختلط الحابل بالنابل.

انقلاب على النظام

الأشد خطورة يتجلى في أن الصراعات، لم يعد موضوعها وميدانها الاستيلاء على المناصب والموارد الناضبة أصلاً، وتحاصصها بين النافذين. بل في السعي المحموم إلى تحقيق انقلاب على النظام والصيغة.

هذا ما حصل مع رسالة المفتي أحمد قبلان في عيد الفطر الماضي. وحصل أيضاً في طروحات مريدي الفيدرالية. والأكيد أن مثل هذه “الرسائل” مقصودة ومبرمجة، وليست ظرفية أو عفوية، ولا عبثية.

يتوخى هذا وأمثاله إحداث تغيير جذري في بنية النظام اللبناني وصيغته، والقضاء على ما تبقى من الجمهورية اللبنانية الديموقراطية. والطروحات هذه لا تريد الإصلاح الذي تدعيه، بل الإطاحة الكاملة بالجمهورية اللبنانية الممزقة أصلاً.

بعثيّة دينية

فالإعلان المتكرر عن الاتجاه شرقاً، نحو سوريا والعراق وإيران والصين، يريد إحداث تغيير راديكالي في المنظومة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التاريخية اللبنانية. وهذا لإرساء نموذج يمزج الحكم البعثي الأسدي بديكتاتورية دينية.

وقد تكون الصيغة المرتجاة نتاجاً لمزيج من النموذج المصري والإيراني والسوري الأسدي. وهي صيغة ترغب في إحياء رميم عظام متحللة، وتريد الارتداد بلبنان إلى ما فات وتحلّل في جواره المشرقي. وهذا كله ناجم عن تفكيك السلطة اللبنانية وتحلل مؤسساتها المزمن، معطوفةٌ على مستجدات ناجمة عن متطلبات حزب الله الراهنة، والتي قد تؤدي إلى مزيد من الانكشاف والتفكك الاجتماعي، وتكريسها. فيؤول حال لبنان إلى قوى أمر واقع، تسيطر على مناطق نفوذ ومساحات جغرافية متجانسة. لكن هذا قد يؤسس لانفجارات متتالية، لا أحد يقدر على ضبطها. وإذا لم ينفجر الوضع، لا بد من أن يؤول إلى مزيد من الخنق والاختناق.

دولة مارقة

وما يجري يدفع إلى تعطيل ديناميكية التغيير الحقيقي. أو التغيير الديموقراطي، وتطوير البدائل المفيدة الممكنة. كأنما المرغوب والمطلوب استمرار البلد في تحلله، حتى يتحول دولةً مارقة، كسوريا الأسد مثلاً.

فالانهيار المتسارع في مستوى معيشة اللبنانيين، يؤسس سريعاً تغييراً في علاقاتهم، ونمط حياتهم واجتماعهم وثقافتهم ومستوى تعليمهم. وهذا يدفع إلى تصعيد الاحتقان الاجتماعي والسياسي، والمواجهات التي قد تتحول انفجارات مباغتة. فتنفلت الأمور على الغارب، وتتداخل فيها – كالعادة اللبنانية المعهودة والمجرَّبة – عوامل داخلية وخارجية.

والمعهود والمجرب أنه من الصعب فصل لبنان عما يجري في خارجه. خصوصاً في أوقات الأزمات الإقليمية والدولية. وهي اليوم في حال من توتر وتصعيد إيرانيين من جهة، وحسابات إسرائيلية – أميركية من جهة أخرى.

تبعات هذا كله مباشرة على لبنان. وقد يوفر عناصر التفجير: من قانون قيصر ومندرجاته، التي قد يربطها بعض المجموعات بصدور حكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.

وفي حال تشدّد الأميركيون في تطبيق قانون قيصر، وأصروا على إغلاق الحدود بين لبنان وسوريا ومنع التهريب، فإن ذلك سيدفع حزب الله إلى التشدد أكثر فأكثر. وقد تستعاد مشاهد من ما حدث غداة قرار الحكومة اللبنانية في 5 أيار 2008: تفكيك شبكة الاتصالات الخاصة بحزب الله. وقد يكون ردّ فعل هذا الحزب شبيهاً، في مضمونه، بما حصل آنذاك، بمعزل عن شكله.

وتشدد حزب الله، لن يكون منفصلاً عن تصعيده في ما يتعلق بعزمه على التغيير الشامل والراديكالي. وهذا بعد معاركه ضد المصارف، لدمجها، وكي تصبح خاضعة لسيطرة دولة مستنسخة عن تجربة النظام السوري.

دور حزب الله

في مقابل هذه السيناريوهات كلها، لا يمكن إغفال وجود قناة تواصل غير مباشرة بين المتخاصمين: إيران والولايات المتحدة الأميركية. تظهر هذه القناة في لبنان في مفاوضاته مع صندوق النقد الدولي، المتزامنة مع مساع سياسية دولية لتطبيق الشروط المتلازمة مع مفاوضات سياسية ترتبط بترسيم الحدود، والصواريخ الدقيقة، ووقف تهريب السلاح، وتحطيم حزب الله للتوازن في لبنان.

وهذا يعني أن ثمة عملية بيع وشراء قد تحصل بين الأميركيين والإيرانيين. عندها لن يكون حزب الله في حاجة إلى استخدام قوته وتصعيده. بل تتكرس هيمنته تكريساً سلساً، بموافقة دولية، بعد تقديمه التنازلات المطلوبة.

_____________________________________________________________________________________

*نشر في المدن الجمعة 5 حزيران/يونيو 2020، للقراءة في المصدر اضغط هنا

قد يعجبك ايضا