روسيا وإيران.. والغرام الدموي

جويس كرم

ما سر هذا الغرام بين طهران وموسكو واللهفة على مساعدة أحدهما الآخر في قتل الأوكرانيين في بلادهم والإيرانيين في شوارعهم؟ .. علاقة مثيرة بين طرفين في سعيهما إلى حسم معارك مصيرية لقياداتهم، ولكن باستخدام وسائل واستراتيجيات عفا عليها الزمن، وفقدت صلاحيتها في الوقت الراهن.

التعاون الروسي-الإيراني وصل إلى حد كشف البيت الأبيض، يوم الأربعاء، أن الروس “ربما يفكرون في تقديم نوع من الدعم لقمع المحتجين الإيرانيين”، وذلك بحسب المتحدث باسم الأمن القومي، جون كيربي.

ويبدو أن اشنطن لديها “دلائل” في هذا السياق، ولا تتحدث عن اتهامات بل معلومات استخباراتية، بحسب المسؤول نفسه.

هذا الدعم وفي حال ترجمته على الأرض قد يكون على شكل أجهزة للتنصت، تدريب لاصطياد واغتيال المعارضة السياسية ،وهو ما برعت فيه روسيا طوال عقود، وقد يشمل أيضا تعاون وثيق بين الاستخبارات الروسية والحرس الثوري الإيراني.

وفي شكله العام، هذا التعاون قد يبدو أنه رد للجميل من، فلاديمير بوتين، إلى علي خامنئي، بعد تزويد طهران لموسكو بطائرات من دون طيار لقصف أوكرانيا، ولكن مع نظرة عمقية فإن هذا التعاون يرسخ العلاقة الوثيقة بين روسيا والحرس الثوري الإيراني، والتي يرفض الكثيرون في المنطقة تصديقها أو الإقرار بها.

التقاطع الروسي مع الحرس الثوري الإيراني موجود منذ قبل أيام قاسم سليماني بيد أن نطاقه اتسع خلال فترة ذلك القتيل الذي يعد الرجل الثاني في النظام الإيراني بعد خامنئي .

فسليماني حل ضيفا على بوتين في ٢٠١٥، والعلاقة بين الرجلين سهلت المسار العسكري للنظام في سوريا، وجاءت لاحقا على حساب المفاوضات النووية، لأن المصلحة مشتركة بين الحرس الثوري في إيران وفلاديمير بوتين بعدم عودة طهران إلى الاتفاق النووي لأن ذلك سيعزز العلاقة مع الغرب، وبالتالي يؤذي إيديولوجية الحرس ويضر موسكو في أسواق النفط.

التعاون الروسي-الإيراني موجود في أفغانستان أيضا وفي إقليم كاراباخ المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان. وهو طبعا مستمر في سوريا رغم أوهام بعض الدول الإقليمية بأن بوتين سيتآمر على خامنئي في الساحة السورية.

وهنا يأتي السؤال بالنسبة للدول الإقليمية وغرامها هي الأخرى ببوتين، فما الفائدة الاستراتيجية وروسيا متحالفة بالسياسة والاقتصاد والسلاح مع خامنئي.. هل تعتقد قيادات المنطقة أن موسكو سوف تساعد في حشر النظام الإيراني؟.. ذلك لم يحدث في الماضي ولن يحدث مستقبلا بسبب التحالف الإيراني-الروسي الاستراتيجي من كابل إلى كاراباخ.

لذلك فإنه بالأجدى بدول بالمنطقة أن تقرأ الصورة الجيوسياسية بذكاء أكبر، فلا انتصار بوتين موجود في أوكرانيا ولا أسعار النفط أو غيرها ستهز تحالفه مع الجانب الإيراني.

وأما القضايا الخلافية بين دول الخليج وواشنطن، فهذه أمور يجب أيضا النظر إليها بعقلانية وبأخذ بعين الاعتبار هذه الصورة الجيوسياسية.

القطبان الأقوى في العالم ليسا في طهران وموسكو بل في واشنطن وبكين. وهاتان القوتان ليستا بصدد خوض نزاع أخرق كالذي يقوده بوتين في أوكرانيا، وسياساتهما مبنية على الحسابات البراغماتية البحت، في حين أن قوتهما العسكرية تشكل الضامن والرادع الأمني خلف أي دولة اليوم.

وعليه فإن الرهان الإقليمي على بوتين هو رهان على حصان كهل غير قادر على الركل بدقة ولا على الركض بالسرعة المطلوبة.

والرهان أن بوتين سيبيع إيران والانتقال إلى المعسكر العربي هو أكثر من رهان طائش وساذج نظرا للتحالف المتنامي بين القوتين، والذي بات الكرملين بحاجة أكبر اليه بعد أوكرانيا، وهو أمر يثمنه الحرس الثوري للبقاء في السلطة بعد انقضاء مرحلة خامنئي.

المصدر: الحرة

قد يعجبك ايضا