عدالة روسيا تُبرىء سفاحيها السوريين

جسر – صحافة

تطفو على السطح من جديد إحدى أكثر جرائم المرتزقة الروس وحشية في سوريا. الجريمة إرتكبها 4 قتلة من سفاحي مجموعة “فاغنر”التي يمولها الأوليغارشي يفغيني بريغوجين المعروف بلقب “طباخ بوتين”، والذي تقوم مؤسسته بمد الكرملين بالطعام. اقترفت الجريمة في العام 2017 بحق المواطن السوري محمد الإسماعيل المعروف بلقب “طه البوطة”، ولم ينتشر النبأ عنها إلا بعد أكثر من سنتين، حين أخذت مواقع التواصل الإحتماعي الروسية تتداول شريط فيديو صوره القتلة أنفسهم (“المدن” 7/11/2019 “سفاحو سوريا الروس”). يصور الشريط تفاصيل تقشعر لها الأبدان، حبث يقوم أحد القتلة، على وقع موسيقى صاخبة بضرب يدي وقدمي رجل مطروح على الأرض بمطرقة تكسير الصخور، والرجل يصرخ من شدة الألم ويتوسل المجرمبن بألا يقتلوه. أقدم السفاحون، بعد ذلك، على قطع يدي الرجل وساقيه بالرفش قبل أن  يطلقوا النار عليه ويقطعوا رأسه ثم يعلقوا الجثة من بقايا الرجلين ويضرموا بها النار.

الكرملين وصف حينها المشاهد التي يصورها شريط الفيديو بأنها”مرعبة فعلاً”، وقال الناطق بإسمه بأنهم لا يملكون اية معلومات عن هؤلاء الأشخاص وليس لهم اية علاقة بهم، ورفض أن يكون لكل ذلك علاقة بالعملية العسكرية الروسية في سوريا، أو بعمل القوات المسلحة الروسية ووحداتها. ورفض حينها الإجابة عن السؤال عما إذا كان الرئيس بوتين يعتبر أن من الضروري إجراء تحقيق حول ما حدث، لكنه عاد لاحقاً وقال بأن الأجهزة المختصة ترى كل هذه الأنباء وتدقق في مدى صحتها، وتتخذ القرارات المناسبة على ضوء ما تتوصل إليه.

بالتأكيد، ليس السوريون بحاجة لتذكيرهم بهذه السادية والوحشية التي ارتكبت منذ 5 سنوات ونيف، فهم يعيشون أفظع منها منذ العام 2011 على يد نظام الأسد وإرهابيي داعش وسواها. لكن الجديد في القضية أن لجنة التحقيق الفدرالية الروسية تجاهلت ثلاث مرات طلب التحقيق في الجريمة، ولم ترد سوى في المرة الرابعة بالقول أن ليس من أسباب موجبة لفتح تحقيق في القضية. وأيدت محكمة في موسكو قرار اللجنة الفدرالية، وردت محكمة الإستئناف أواخر الشهر المنصرم طلب إستئناف قرار محكمة موسكو.

صحيفة Novaya الروسية المعارضة التي كشفت الجريمة وتلاحقها منذ العام 2019، نشرت في 21 الشهر المنصرم نصاً بعنوان “هم بغنى عن موجعي الرأس هؤلاء”، وأرفقته بآخر ثانوي “المحكمة تؤكد: لا حاجة للتحقيق في جريمة الإعدام السادي للسوري من قبل مرتزقة من روسيا”. قالت الصحيفة بأن المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، مركز حقوق الانسان التابع لجمعية Memorial العالمية و الإتحاد الدولي لحقوق الإنسان كلفوا محاميين إثنين لتقديم المساعدة لشقيق القتيل في مطالبته المؤسسات الأمنية الروسية بحقوق الضحية. تفدم المحاميان بطلب رسمي إلى لجنة التحقيقات الفدرالية للتحقيق في مقتل السوري، إلا أنهما لم يتلقيا أي رد. وتقدموا طوال سنة بثلاث شكاوى للمحكمة بشأن تقاعس لجنة التحقيقات، إلا أنه لم يتم قبولها بذرائع مختلفة اعتبرها المحاميان غير قانونية.

الشكوى الرابعة نظرت فيها المحكمة في موسكو في 18 الشهر المنصرم، أي بعد مرور 10 أشهر على تقديم الطلب إلى لجنة التحقيقات. لكن القاضية رأت أن قرار لجنة التحقيقات بعدم نيتها التحقيق في أي أمر “هو قرار صائب كلياً”. ويعلل رئيس لجنة التحقيقات القرار بالقول بأنه لا يتوفر لدى اللجنة أي أساس لإجراء تحقيق في نبأ مقتل محمد الإسماعيل، وذلك لأن واقعة موت الرجل غير مثبتة وغير موثقة. وتقترح الصحيفة على المسؤول الروسي أن يشاهد الصورة المرفقة بطلب المحاميين وتظهر جثة الإسماعيلي مقطوعة الرأس، وتسأله “هل يمكن لإنسان أن يستمر في البقاء على قيد الحياة ورأسه مفصول عن جسده”.

وتقول الصحيفة أن مكان تصوير الفيديو، حيث جرت عمليات القتل، التعذيب، تقطيع الجثة والفجور فوقها، لم يتم تحديده برأي اللجنة. لكن المسؤول لم يقل ما الذي قام به موظفوه لتحديد المكان، مع أن عملهم يقتضي ذلك. هذا مع العلم أنه ليس من الصعب تحديد المكان بنسبة خطأ لا تتعدى المئة متر، وهذا ما قامت به الصحيفة بمساعدة فريق Conflict Intelligence Team الأوكراني.

تنقل الصحيفة عن اللجنة قولها بأنه لم ترد من الجهات المختصة في سوريا أو أي جهة أجنبية أخرى معلومات بشأن التحقيق في القتل المحتمل لمحمد الإسماعيل، أو أي شخص آخر قي الظروف التي يظهرها شريط الفيديو. وتعلق الصحيفة بسخرية على حجة اللجنة هذه بالقول بأن هذا يعني طلب المساعدة القانونية من نظام بشار الأسد المعروف بالثقافة الحقوقية والمستوى الرفيع في حماية حقوق المواطنين.

كانت الصحيفة قد قدمت للمحامين نتائج الإستقصاءات التي قامت بها منذ العام 2019 لتحديد هويات القتلة الأربعة الذين ظهروا في الفبدبو وهم بتحدثون الروسية، ومكان إقامتهم وتاريخ إنتسابهم إلى “فاغنر”، وتمكنت من تحديد هوية أحدهم. أرفق المحاميان بالطلب المقدم إلى لجنة التحقيقات الفدرالية جميع هذه الوثائق والصور ونسخة عن جواز سفر من تحددت هويته. تقول اللجنة بشأن الأسماء المفترضة للمواطنين الروس (القتلة) بأنها تحمل طابعاً إفتراضياً يستند إلى التواصل في ما بينهم بالروسية، و إلى نتائج إستخدام البرامج غير المعتمدة للتعرف على الوجوه. وتسأل الصحيفة ما الذي يمنع لجنة التحقيقات من التحقيق باستخدام البرامج المعتمدة، أو بما قدمه المحاميان للجنة من وثائق الصحيفة. وترى أنه ليس من المفهوم أبداً كيف توصلت اللجنة إلى الإستنتاج بأنه لم تثبت موثوقية وموضوعية الصور والحجج التي تقدم بها المحاميان.

تواصلت “المدن” مع دنيس كوروتكوف، محرر إستقصاءات الصحيفة منذ أن افتضح أمر الجريمة العام 2019، بما فيها إستقصاء الشهر المنصرم، ، وسألته عن رأيه في الرفض الروسي للتحقيق في الجريمة، وعن وضع العدالة الروسية اليوم.

يفترض دنيس بأن لجنة التحقيق الفدرالية كانت ملزمة بموجب القوانين الروسية إجراء التحقيق في هذه الجريمة وتقديم مرتكبيها إلى المحاكمة، سيما وأنها حصلت على الأدلة الضرورية على إرتكاب مواطنين روس جريمة على الأراضي السورية. صحيفة Novaya حددت جميع ملابسات الجريمة، بما في ذلك مكان ارتكابها، الوقت، واقعة التعذيب والقتل، وهوية أحد المشاركين على الأقل. في مثل هذه الحالة، يُلزم القانون الروسي بتقديم مرتكبي جريمة القتل إلى المحكمة في روسيا، حتى لو كانت الجريمة نفسها قد ارتكبت في الخارج. إضافة إلى ذلك، ووفقاً لمعايير القانون الدولي المعترف بها في روسيا أيضاً، مرتكبو جريمة ضد الإنسانية يقدمون إلى المحاكمة وفقاً لمبدأ خارج الحدود الإقليمية extraterritoriality.

لجنة التحقيقات لم ترفض رفع دعوى جنائية فحسب، بل رفضت التحقق من الأمر الذي ينص عليه القانون. وقررت المحكمة في موسكو الموافقة على موقف اللجنة هذا، وأكدت محكمة الاستئناف على قرار محكمة موسكو. ويقول دنيس بأن هذه القرارات لا علاقة لها بالقانون، بل هي قرارات سياسية. فهيئات تطبيق القانون في روسيا لا تستطيع التحقيق في هذه الجريمة، لأنه في مجرى مثل هذا التحقيق سيتم حتماً الإقرار بالنشاطات غير القانونية في سوريا للمجموعة غير الرسمية المعروفة بإسم “مجموعة فاغنر”، وكذلك صلتها بالسلطة الروسية والكشف المحتمل عن جرائم أخرى ارتكبها أعضاء هذه المجموعة.

وبشأن وضع العدالة في روسيا يقول بانه وضع محزن. فنتائج المحاكمات تشير إلى أن المحاكم تأخذ بإتهامات النيابة العامة، حتى لو كانت هذه الإتهامات سخيفة. تطرأ استثناءات، لكنها قليلة. ويرى أن هذا الوضع لا يسهل فقط إصدار أحكام غير معللة أو مفرطة في القسوة، بل يؤدي أبضاً إلى التدهور في التحقيقات والاتهامات.

المصدر: موقع المدن

قد يعجبك ايضا