من بريد هيلاري كلينتون.. مصدر قابل بشار الأسد يتنبأ بما سيحدث قبل نحو عقد من الزمان

جسر: متابعات:

فهم “العقلية” التي يحاكم بها بشار الأسد الأمور ويتعامل بها مع الوقائع، شكل لسنوات طوال مادة دسمة للأحاديث والتقارير، التي كان لبعض منها نصيب وافر من المصداقية، بينما غلب على بعضها الآخر طابع الخلط والمغالطات الناجمة عن مقاربات مشوهة، تعتمد في كثير من الأحيان على مصادر غير ذات صلة بالأمر.
واليوم، ومع نشر عشرات آلاف الرسائل الإلكترونية (أكثر من 35 ألفا) من بريد وزيرة خارجية الولايات المتحدة السابقة، هيلاري كلينتون، يتضح أن البيت الأبيض، كان على علم مبكر -عبر كلينتون- بالخطوط العريضة لمشروع بشار الأسد في مواجهة الثورة السورية، واطلع بشكل كاف على “الذهنية” التي يدير وسيدير بها الأمور.
ففي بريد يرجع إلى 24 شباط/فبراير 2012، صنف تحت بند “سري”، وتم توجيهه إلى هيلاري كلينتون حصرا، أشار مصدر حساس وله علاقات مع “أعلى مستويات الحكومة السورية، وكذلك مع المخابرات الغربية” إلى جملة من المعطيات التي اطلع عليها ولمسها عن قرب، لاسيما عبر لقاءاته المنتظمة مع بشار خلال عدة سنوات.
البريد المؤلف من نحو 4 صفحات، والذي تولت “زمان الوصل” ترجمته وعرض أهم ما جاء فيه، وصف المعلومات التي وفرها المصدر بأنها حساسة، لاسيما أنها نقلت عن هذا المصدر كما وردت.
*ليس منفصما
أولى معلومات المصدر، أكدت أن بشار الأسد ليس شخصا منفصما عن الواقع، لكنه يحاول الإيحاء بذلك للآخرين في سبيل صرف الأنظار عن حقيقة الوضع (الثورة القائمة ضده وأسباب هذه الثورة).
وينبه المصدر إلى حيلة خبيثة لبشار الأسد، تتمثل في حديثه المبكر عن “مؤامرة خارجية” لتقويض نظامه، ثم العمل بشكل حثيث لإيجاد ظروف ملائمة لولادة تلك “المؤامرة”، شارحا –أي المصدر- وجهة نظره كالتالي: العنف الذي أطلقه النظام ضد المتظاهرين، دفع قوى خارجية للتدخل في المسألة السورية، والانخراط بشكل أكثر حزما على المستوى الدبلوماسي، هذا إن لم يكن أيضا عبر التمويل المباشر وتسليم الأسلحة، وبهذه الطريقة حقق بشار الأسد ما كان يروجه عن” المؤامرة”.
ويؤكد المصدر الذي نقلت شهادته لـ”كلينتون” شخصيا، أن بشار ليس مستعدا لتقليص الصلاحيات الهائلة لمخابراته، وهي تواجه ما يعتبره التهديدات الداخلية والخارجية، بل إنه يعتقد –أي بشار- بأولوية قمع التهديد الداخلي، بوصف هذا التهديد هو المسبب والممهد للتهديد الخارجي.
ويكشف المصدر أنه سبق وحذر بشار الأسد من مغبة ترك حبل المخابرات على غاربه، لأن ذلك كفيل بتدميره وتدمير نظامه، وجاء تحذير المصدر لبشار بعد لقاء مباشر معه، عقب تعرض المصدر نفسه لاعتقال وتحقيق مهين في مطار دمشق استمر عدة ساعات، وكان ذلك عام 2007.
ويتابع المصدر: على مدار خمس سنوات (2004-2009) من اللقاءات المنتظمة مع بشار الأسد وغيره من المسؤولين السوريين البارزين، لمست شخصيا كيف أصبح بشار أكثر تناغما مع السلطة، بل ذهب في ذلك بعيدا، حيث أصبح أسير غطرسة السلطة وعنجهيتها.
ويرى المصدر أن بشار تعلم “ما يمكنه وما لا يمكنه فعله كرئيس، وعلى مر السنين، بدأ في تصديق المتملقين من حوله والدعاية المحيطة به”، من أنه مادام بخير فإن سوريا كلها بخير، حتى بات يعتقد أن العنف والقمع هما في النهاية من أجل خير سوريا على المدى الطويل.
وينوه المصدر إلى شعور بشار بالغبن من تغطية الصحافة الغربية، التي لم تعط “الإصلاحات” التي أعلن عنها عقب اندلاع الاحتجاجات.. لم تعطها حقها من التغطية والإشادة، حسب رؤية بشار.
ويكمل المصدر منبها إلى إصرار بشار ومؤيديه على التصرف “بطريقتهم الخاصة”، لأنهم في النهاية يعتقدون أن “لديهم فهماً أفضل لما يجري” ولما ستؤول إليه الأمور، فهم ينظرون للمسألة على المدى الطويل ويراهنون على مرور الزمن، معقبا: تعتقد القيادة (النظام) أنها إذا استطاعت البقاء لعدة سنوات أخرى، فسوف تصمد أمام المتظاهرين، وتقلص اهتمام العالم بالقضية السورية، وفي نهاية المطاف، في غضون عشر سنوات أو نحو ذلك، سيعيدون البلاد إلى حضن المجتمع الدولي [لاحظ أن كلام المصدر كان في بدايات 2012، وأن جزءا مهما منه قد تحقق بعد مضي 9 سنوات تقريبا، لاسيما بخصوص تقليص اهتمام المجتمع الدولي بالقضية السورية بل وانصرافه عنها بشكل شبه كلي، وأيضا انطلاق الإشارات والخطوات –وإن على خجل- لإعادة بشار إلى حضن المجتمع الدولي).
ويرى المصدر أن نظام الأسد يتكئ في تصوره آنف الذكر على تجارب سابقة له، فقد خضع من قبل للضغوط والعزلة، بعد اغتيال رفيق الحريري عام 2005، واستطاع تجاوزها بل إنه خرج منها بوضع أفضل من ذي قبل.
*صواريخه الكلامية
وينتقل المصدر للحديث عن علاقة النظام بإسرائيل وردود فعله “المدروسة” والمنضبطة تجاهها، معتبرا أن الأسد يدرك حجمه الحقيقي وتواضع قدراته في مواجهة تل أبيب، حتى بعد أن اغتالت الأخيرة كبير مليشيا “حزب الله” في دمشق، عماد مغنية، بل وحتى بعد أن قصفت منشأة الكبر في دير الزور، التي يقال إنها كانت مشروع مفاعل نووي.
ومع كل انبطاحه أمامها، فإن بشار حريص أشد الحرص على حشد دعم السوريين له من خلال القول بأنه يتصدى لإسرائيل، وهذه محاولة أخرى منه لصرف الانتباه عن الثورة ضده.
ويضيف المصدر: “بدلا من إطلاق الصواريخ على إسرائيل على غرار صدام حسين في حرب الخليج عام 1991، أعطى الإذن بنقل لاجئين فلسطينيين بالحافلات إلى حدود مرتفعات الجولان، ما أسفر عن مقتل نحو 20 فلسطينيا.
وبمقابل هذه الحركة المسرحية التي لم تشكل أي تهديد لتل أبيب، فإن الخطة التي رسمها بشار في مواجهة التدخلات على حدوده الشمالية (التدخلات التركية)، تختلف كثيرا جدا، فهي قائمة على تسليح جماعة حزب العمال الكردستاني المناهضة لأنقرة.
ويقول المصدر إن “الأسد يعرف أن الحكومة التركية لن تتردد في الانتقال إلى شمال سوريا لحماية مصالحها، كما هددت بذلك في عهد حافظ، كرد فعل على دعم سوريا لحزب العمال الكردستاني. وهو –أي بشار- لن يرغب في منح الأتراك أي فرصة لإقامة أي مناطق آمنة يمكن أن تستفيد منها المعارضة”.
ورغم تحالفهما العميق والواسع، يعرب المصدر عن اعتقاده بأن نظام الأسد لن يعمد إلى أي رد فعل عسكري تجاه إسرائيل، في حال هاجمت الأخيرة حليفته إيران، ويرى المصدر أن تل أبيب ستتعامل بحذر مع توسيع نطاق قصفها ليشمل سوريا، وهنا فإن النظام سيرد عليها بعبارة شكراً جزيلا لك، ويكتفي بإطلاق “تصريحات طنانة ضد إسرائيل بدلا من رميها بالقنابل” [خاب حدس المصدر في توقعه بشأن “حذر” إسرائيل وعدم استعدادها لشن هجمات على الأراضي السورية، لكن حدسه بالمقابل أصاب فيما يتعلق برد فعل النظام الذي يقابل كل اعتداء وهجوم بعبارات طنانة.
ولا يفوت المصدر أن يوضح حقيقة رؤية النظام للضغوط الخارجية عليه، مؤكدا أن الأسد لايهتم كثيرا بذلك، حتى ولو تحولت سوريا تحت حكمه إلى بلد منبوذ بالكلية كما هي كوريا الشمالية، فهو في النهاية يراهن على الزمن ومرور السنين.
زمان الوصل ٢٢ تشرين الأول/اكتوبر ٢٠٢٠
قد يعجبك ايضا