في ضبط مصطلح “المعارضة السورية”

بقلم محمد صبرا

 

في سياق توصيف الحالة السورية، تستخدم المصطلحات كسلاح فعال في يد النظام، وفي كثير من الأحيان في يد الدول الداعمة له، أو الدول التي تزعم أنها تدعم مطالب السوريين، وأخطر هذه المصطلحات على الإطلاق هو توصيف الحالة السورية بين قطبين هما النظام والذي يقابله بالتعريف المعارضة.

إشكالية هذين المصطلحين أنهما مضللان إلى حد كبير، فإذا كان النظام متعين ويمكن تحديده بنظام بشار الأسد، فإن كلمة المعارضة هو وصف غير متعين، وهذا سمح لأي كان أن يدعي أنه جزء من المعارضة، وأيضا سمح لأي كان أن يتحدث باسم المعارضة، وبالتالي نشأت حالة شاذة جدا ومدمرة، وأسفرت عن كوارث سياسية وعسكرية، وهي حالة ما يسمى “بتشتت المعارضة”، طبعا هذه الحالة قد تبدو سهلة التوصيف وأنها حقيقة واقعة نلمسها يوميا، ونشاهدها يوميا أيضا من خلال خروج ممثلين مختلفين للمعارضات على شاشات التلفزة يشتمون بعضهم ويطرحون طروحات متناقضة، لكن للأسف لا أحد سأل نفسه  ما هي المعارضة وكيف نضبط هذا المصطلح، فنحن ليس لدينا مؤسسة سياسية مركزية تمثل المعارضة السياسية وهذا طبيعي في سياق الثورة الشعبية، لكن المشكلة الكبرى أننا نوافق ضمنا على وصف أي كان بتوصيف المعارضة لمجرد أن يعلن عن نفسه أنه كذلك، والأدهى من ذلك أننا نقول نظام ونصف من يقاتلون معه بالمؤيدين، وعندما يخطئ أي من المؤيدين أو يرتكب جريمة أو فعل ما، يتم نسبة الفعل للمؤيد، ليس للنظام، بينما نجد في الضفة الأخرى أن أي خطأ يرتكبه شخص خرج على نظام المجرم بشار يوصف بأن المعارضة فعلت كذا، والمعارضة فعلت كذا، وهذا وصف عريض لأكثر من نصف الشعب السوري.

لو أخذنا مقارنة مثلا مع الحالة الفلسطينية وعلى الرغم من أن كل الشعب الفلسطيني وقف ضد الاحتلال الإسرائيلي وناضل ودافع عن أرضه وحريته إلا أن هناك تمييز كان بين الثائرين على الاحتلال وبين منظمة التحرير الفلسطيني التي تقود العمل الوطني الفلسطيني، صحيح أن هذه المقارنة قد تبدو جائرة بعض الشيء لأن الحالة السورية لم تفرز منظمة شبيهة بمنظمة التحرير إلا أن واجب التمييز ووضع الفواصل بين الشعب الثائر وبين المعارضة باعتبارها حركة سياسية بات ضرورة ملحة، خاصة وأن هناك المئات من المرتزقة والمنتفعين وصنيعة الأجهزة المخابراتية والموتورين مذهبيا والمتطرفين دينيا وعرقيا باتوا يغتصبون حق المعارضة بالتعبير عن نفسها بل إنهم باتوا يغتصبون حق الثورة نفسها بالتعبير عن ذاتها وعن وضوح شعاراتها.

وأظن من الضروري أن يتم ضبط هذه المصطلحات والتسميات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

1- الثورة: هي حركة الاندفاع المجتمعي التي تهدف لإحداث التغيير العميق في البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية السورية، وأهدافها واضحة ومحددة منذ رفعها السوريون في آذار عام 2011 وحتى الآن وعلى رأسها الحرية ودولة القانون وبناء النظام الديمقراطي، وخارج هذه الأهداف لا يجوز أن نطلق على أحد وصف ثائر.

2- المعارضة: هي التيارات السياسية العريقة التي كانت تناضل ضد حكم البعث الاستبدادي و التحقت بالثورة وعدلت برامجها السياسية بحيث باتت تتمحور حول تغيير النظام السياسي القائم وبناء دولة القانون والمواطنة المتساوية.

3- معارضة الثورة: شخصيات تعارض الثورة بشدة وتنتقدها ليل نهار ولديها ملاحظات طفيفة على سلوك النظام الأمني وتريد تعديل سلوك النظام، هؤلاء للأسف يسميهم الإعلام معارضين من دون أن يضيف لهم وصف معارضين للثورة.

4- رافضين للنظام الحالي ويقاتلونه لأنهم يريدون بناء نموذجهم الأيديولوجي الخاص المبني على أيديولوجيا دينية أو أيديولوجيا عرقية، وهؤلاء أيضا لا يمكن تسميتهم معارضين بل طرف ثالث يقاتل الثورة والنظام معا.

5- خليط من التجار والمهنيين والحرفيين وسواهم الذين تتوزع ولاءاتهم بين الدول المختلفة ويناصرون تلك الدولة ويعادون الأخرى، وهؤلاء تجار أزمة يحلمون بالربح الوفير وتحسين مكانهم في السلم الاجتماعي، وهؤلاء يمكن اعتبارهم ثعالب منفردة وليسوا معارضين لأن برامجهم تتمحور حول مصالحهم الشخصية، وهؤلاء هم الذين باتوا يتصدرون المشهد الآن للأسف، لأسباب كثيرة لا يتسع المجال لذكرها وتحليلها.

 

قد يعجبك ايضا