كرد سورية بانتظار نتائج مباحثات إشكالية

عبد الباسط سيدا*

جسر: متابعات:

المباحثات بين المجلس الوطني الكردي السوري وحزب الاتحاد الديمقراطي (الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني) مستمرة برعاية أميركية وفرنسية، وبالتنسيق مع المسؤولين في إقليم كردستان العراق، وسط أجواء من التصريحات والتوقعات المتباينة. وهي مباحثاتٌ تتابعها مختلف الأطراف المهتمة بالملفين، السوري والكردي؛ ويُشار هنا إلى كل من أنقرة وموسكو وطهران. وأي اتفاق يتمخض عما يجري راهناً لا بد أن يأخذ في اعتباره مختلف الحسابات والحساسيات والتداخلات. أما كرد سورية، فآراؤهم مختلفة في شأن هذا الموضوع. هناك شريحة شعبية واسعة منهم تتعامل معه من موقع عاطفي، محوره الرغبة في وحدة الكرد، ووضع حد للخلافات البينية التي تُضعف الموقف الكردي بصورة عامة، وتنذر بصراعاتٍ داخليةٍ لا تحمد عقباها في حال تطوّرت الأمور نحو الأسوأ. ويرى هؤلاء أن الاتحاد الديمقراطي قد تمكّن من إبعاد المنطقة، على الرغم من كل سلبيات إدارته، عن الفوضى المتوحشة التي سيطرت على مناطق سورية عديدة خرجت عن دائرة سيطرة النظام، وباتت في أيدي قوىً لم تتمكّن من طمأنة السوريين، بل تحوّلت، بنزعاتها الإسلاموية المتطرّفة المتشدّدة، وولاءاتها الخارجية، إلى مصدر قلق وخوف لدى غالبية السوريين.

وفي مقابل هؤلاء، هناك كثيرون بين الكرد السوريين يرون في الحزب المذكور قوة وافدة، أدخلها نظام بشار إلى جانب المليشيات الأخرى منذ بدايات الثورة السورية، وقد كُلّف مع تلك المليشيات بمهام مختلفة، تمحورت حول مساعدة النظام في عملية قمع ثورة الشعب السوري.

وكانت مهمة هذا الحزب بصورة أساسة ضبط الأوضاع في المناطق الكردية لصالح النظام. وهي المناطق التي سُلّمت إليه بموجب تفاهماتٍ وتوافقاتٍ شملت التمويل والتسليح والإدارة، وحتى هوية الكوادر المفصلية؛ وقد تم ذلك كله في اجتماعات سرّية بين أجهزة النظام وممثلين عن قيادة حزب العمال الكردستاني، وبالتنسيق مع النظام الإيراني، وبتسهيلٍ من أوساط محدّدة ضمن قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني التي أقدمت على هذه الخطوة بناء على التزاماتها مع حليفها الإيراني، ورغبةً منها في التضييق على منافسها الداخلي: الحزب الديمقراطي الكردستاني، والرئيس مسعود البارزاني تحديداً، وذلك نظراً إلى حالة التأييد الواسعة التي يتمتع بها بين الكرد السوريين، هذا إلى جانب الاعتبارات الجغرافية والتداخل السكاني، فالمنطقة الكردية في سورية أقرب إلى مناطق الحزب الديمقراطي، كما أن النسيج المجتمعي على جانبي الحدود متداخلٌ بفعل الانتماءات العشائرية والأسرية المشتركة. هذا فضلاً عما يثيره هذا الموضوع من حساسيةٍ لدى الجانب التركي، الأمر الذي من شأنه تعكير صفو العلاقات بين الحزب الديمقراطي وتركيا، وفي ذلك مصلحة مباشرة للنظام الإيراني، ومعه نظام بشار بطبيعة الحال. وليس سرّاً أن إيران هي التي أسهمت بقوة، عبر قرارات وممارسات قيادة حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل، في إفشال العملية السلمية التي كانت بين الحزب المعني وحكومة حزب العدالة والتنمية، وتم الإعلان عنها في عام 2010. ويشار هنا، على سبيل المثال، إلى ظاهرة حفر الخنادق في جزيرة بوطان ونصيبين وسور؛ وإطلاق النار على الشرطة التركية؛ والحملات الإعلامية التجييشية؛ الأمر الذي عزّز مواقف القوميين المتشدّدين في الجانب التركي، حتى تفجّرت الأوضاع، وتفاعلت مع موضوعاتٍ أخرى، مثل الأزمة مع الروس، وقضية الانقلاب الفاشل، واضطراب العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية. وقد دفع ذلك كله الحكومة التركية نحو مسار أستانة وسوتشي، وترتيب الأوراق مجدّداً في إطار سياسة اعتماد الخطط البديلة، خصوصا على صعيد التحالف مع اليمين القومي التركي في الداخل. ولذلك يرى هذا الفريق من الكرد السوريين أن ما يجري إنما يأتي في سياق سعي أميركي من أجل الاستمرار في الاستفادة من إمكانات الحزب المعني العسكرية، والاستفادة، في الوقت ذاته، من الموقف الكردي السوري العام الذي لم يتمكّن حزب الاتحاد الديمقراطي من كسب ثقته، وتأييده؛ وإنما تمكن من السيطرة عليه عبر استخدام أدوات التهديد والترغيب، إلى جانب الشعارات العاطفية التي لم تعد قادرةً على إقناع الناس الذين يعيشون أوضاعاً اقتصادية في غاية الصعوبة، نتيجة انهيار قيمة الليرة السورية، وحالات الفساد بأشكالها المختلفة خصوصا، وسوء الإدارة، خصوصا في ميادين التعليم والصحة والقطاع الزراعي.

وبين هذين الموقفين، هناك مواقف الحزبيين من الطرفين، إذ لا يثق كل جانب بالجانب الآخر، وذلك بناء على التجارب الطويلة غير المشجعة مع حزب العمال الكردستاني، وواجهته السورية، ولكن يبدو أن لكل طرفٍ حساباته وأسبابه.

ولكن الأمور في هذه المرحلة قد تغيرت بعض الشيء، فحزب الاتحاد الديمقراطي هو اليوم ضمن مجلس سورية الديمقراطية (مسد) وقوات سورية الديمقراطية (قسد)، وله التزامات مع شركاء عرب وسريان. كما أن للأميركان وجودا مؤثرا في المنطقة؛ وهم يتحكّمون بمفاتيح عديدة ضمن الحزب المعني، باعتبارهم مصدر الإمداد والتمويل. كما أن تعقيدات الإدارة ومتطلباتها قد أضعفت، إلى حد ما، من درجة تحكّم حزب العمال الكردستاني بكل التفاصيل، على الرغم من حرص الأخير على توزيع كوادره في مختلف المواقع المفصلية.

ما يرشح عن المباحثات أن هناك حرصا أميركيا على إنجاحها، ومن ثم توسيع دائرة التوافقات مع بقية الأطراف الكردية التي ما زالت خارج دائرة المباحثات، ويُشار هنا بصورة خاصة إلى الحزب الديمقراطي التقدمي، وحزب الوحدة؛ هذا إلى جانب الأحزاب الكردية الأخرى المرتبطة عملياً بالإدارة “الذاتية” التي يشرف عليها حزب الاتحاد الديمقراطي. كما ستشمل المباحثات والتفاهمات القوى العربية والسريانية، ولكنها تعاني من جملة مشكلات؛ فعلى الصعيد العربي، لا توجد قوى أو أحزاب سياسية فعلية، قادرة على تمثيل العرب في منطقة شرقي الفرات، وإنما هناك بنية عشائرية، تعاني، هي الأخرى، من الهشاشة والضعف نتيجة توزع الشيوخ بين جملة من الولاءات، حتى ضمن العشيرة الواحدة في بعض الأحيان. والموقف عند السريان هو أفضل نسبياً، فهناك المنظمة الآثورية وغيرها من القوى السياسية، ولكن تبقى الكنيسة الجهة الأكثر نفوذاً، وهي مرتبطة، في نهاية المطاف، مع النظام. شأنها في ذلك شأن كل المؤسسات الرسمية لمختلف الأديان والمذاهب في البلد.

هل سينجح الأميركيون في عملية تفكيك العلاقات العضوية الشمولية بين حزبي الاتحاد الديمقراطي والعمال الكردستاني، ولو جزئياً، ليحظى الأول بشيءٍ من الاستقلالية النسبية، ويستعد للتحول فعلياً، ولو تدريجيا، إلى حزب كردي سوري، يأخذ مصلحة كرد سورية ضمن الإطار الوطني السوري بالاعتبار؟ هذا هو السؤال الجوهري الأساسي الذي يفرض نفسه قبل إطلاق أي حكم، سواء بحظوظ نجاح المباحثات المذكورة أو فشلها. ونحن هنا لا ننكر وجود نزوع لدى كوادر عديدة ضمن حزب الاتحاد الديمقراطي نحو تحقيق أمرٍ من هذا القبيل، ولكن التجارب الماضية تؤكد أن الحزب الأم مستعدٌّ للإقدام على أي خطوة من أجل منع حصوله. والمجلس الوطني الكردي هو الآخر يعاني من نقاط ضعفه، سواء الداخلية الخاصة بكل حزب من أحزابه، أو في علاقات هذه الأحزاب مع الأحزاب الأخرى، خصوصا مع التي تركت المجلس لأسباب عدة.

مع ذلك، المباحثات والحوارات مستمرة؛ ويبدو أن الكل يراهن على عامل الزمن والتطورات التي قد تحدث، فحزب العمال الكردستاني استفاد من ورقة الكرد السوريين، واستغلها على نطاق واسع في حملاته الإعلامية، بغية التغطية على إخفاقاته في الداخل التركي. ويبدو أن النظام الإيراني لا يضغط كثيراً على الحزب المذكور لوقف هذه المباحثات؛ بل ربما يعتبرها مناسبة لسبر النوايا، وحتى فتح قنوات الاتصال، وهو على ثقةٍ بأن المفاتيح الأساسية ضمن الكردستاني ما زالت بيده. أما تركيا، وهي المعنية أكثر من غيرها بهذه المباحثات، فهي تراقب تفصيلات الوضع عن كثب، وتنتظر التوضيحات الخاصة بالحصيلة من الجانب الأميركي. وبالنسبة إلى الكرد السوريين، فإن مصلحتهم الاستراتيجية تتمثل أولاً في نزع فتيل الصراع الداخلي بين من أصبح من مؤيدي حزب الاتحاد الديمقراطي وأولئك الذين هم على خلاف معه. وإلى جانب هذا، فإن المعطيات التاريخية والجغرافية، والموجبات السكانية والاقتصادية، تلزمهم بالحفاظ على علاقة ودية مع تركيا، بغض النظر عن هوية الحزب الحاكم أو الأحزاب الحاكمة، فهناك حدود برية طويلة، وتداخل سكاني، ومصالح اقتصادية مشتركة، فضلاً عن مشاريع إنمائية كبيرة ممكنة في المستقبل.

الأكثر الأهمية هو مراعاة الاعتبارات والالتزامات الوطنية، والحفاظ على أفضل العلاقات مع النسيج المجتمعي الوطني السوري، والتفاعل مع كل السوريين من مختلف الانتماءات، والعمل معاً من أجل الوصول إلى حل سياسي يفتح الآفاق أمام تغيير حقيقي، يؤدّي إلى انتقال سياسي يضمن القطع مع الاستبداد والفساد، ويلتزم بمشروع وطني سوري، يطمئن الجميع على قاعدة احترام الحقوق والخصوصيات، والتشارك في الإدارة والموارد.المباحثات بين المجلس الوطني الكردي السوري وحزب الاتحاد الديمقراطي (الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني) مستمرة برعاية أميركية وفرنسية، وبالتنسيق مع المسؤولين في إقليم كردستان العراق، وسط أجواء من التصريحات والتوقعات المتباينة. وهي مباحثاتٌ تتابعها مختلف الأطراف المهتمة بالملفين، السوري والكردي؛ ويُشار هنا إلى كل من أنقرة وموسكو وطهران. وأي اتفاق يتمخض عما يجري راهناً لا بد أن يأخذ في اعتباره مختلف الحسابات والحساسيات والتداخلات. أما كرد سورية، فآراؤهم مختلفة في شأن هذا الموضوع. هناك شريحة شعبية واسعة منهم تتعامل معه من موقع عاطفي، محوره الرغبة في وحدة الكرد، ووضع حد للخلافات البينية التي تُضعف الموقف الكردي بصورة عامة، وتنذر بصراعاتٍ داخليةٍ لا تحمد عقباها في حال تطوّرت الأمور نحو الأسوأ. ويرى هؤلاء أن الاتحاد الديمقراطي قد تمكّن من إبعاد المنطقة، على الرغم من كل سلبيات إدارته، عن الفوضى المتوحشة التي سيطرت على مناطق سورية عديدة خرجت عن دائرة سيطرة النظام، وباتت في أيدي قوىً لم تتمكّن من طمأنة السوريين، بل تحوّلت، بنزعاتها الإسلاموية المتطرّفة المتشدّدة، وولاءاتها الخارجية، إلى مصدر قلق وخوف لدى غالبية السوريين.

وفي مقابل هؤلاء، هناك كثيرون بين الكرد السوريين يرون في الحزب المذكور قوة وافدة، أدخلها نظام بشار إلى جانب المليشيات الأخرى منذ بدايات الثورة السورية، وقد كُلّف مع تلك المليشيات بمهام مختلفة، تمحورت حول مساعدة النظام في عملية قمع ثورة الشعب السوري.

وكانت مهمة هذا الحزب بصورة أساسة ضبط الأوضاع في المناطق الكردية لصالح النظام. وهي المناطق التي سُلّمت إليه بموجب تفاهماتٍ وتوافقاتٍ شملت التمويل والتسليح والإدارة، وحتى هوية الكوادر المفصلية؛ وقد تم ذلك كله في اجتماعات سرّية بين أجهزة النظام وممثلين 

كثير من الكرد السوريين يرون في حزب الاتحاد الديمقراطي قوة وافدة أدخلها نظام بشار إلى جانب المليشيات الأخرى منذ بدايات الثورة السورية  عن قيادة حزب العمال الكردستاني، وبالتنسيق مع النظام الإيراني، وبتسهيلٍ من أوساط محدّدة ضمن قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني التي أقدمت على هذه الخطوة بناء على التزاماتها مع حليفها الإيراني، ورغبةً منها في التضييق على منافسها الداخلي: الحزب الديمقراطي الكردستاني، والرئيس مسعود البارزاني تحديداً، وذلك نظراً إلى حالة التأييد الواسعة التي يتمتع بها بين الكرد السوريين، هذا إلى جانب الاعتبارات الجغرافية والتداخل السكاني، فالمنطقة الكردية في سورية أقرب إلى مناطق الحزب الديمقراطي، كما أن النسيج المجتمعي على جانبي الحدود متداخلٌ بفعل الانتماءات العشائرية والأسرية المشتركة. هذا فضلاً عما يثيره هذا الموضوع من حساسيةٍ لدى الجانب التركي، الأمر الذي من شأنه تعكير صفو العلاقات بين الحزب الديمقراطي وتركيا، وفي ذلك مصلحة مباشرة للنظام الإيراني، ومعه نظام بشار بطبيعة الحال. وليس سرّاً أن إيران هي التي أسهمت بقوة، عبر قرارات وممارسات قيادة حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل، في إفشال العملية السلمية التي كانت بين الحزب المعني وحكومة حزب العدالة والتنمية، وتم الإعلان عنها في عام 2010. ويشار هنا، على سبيل المثال، إلى ظاهرة حفر الخنادق في جزيرة بوطان ونصيبين وسور؛ وإطلاق النار على الشرطة التركية؛ والحملات الإعلامية التجييشية؛ الأمر الذي عزّز مواقف القوميين المتشدّدين في الجانب التركي، حتى تفجّرت الأوضاع، وتفاعلت مع موضوعاتٍ أخرى، مثل الأزمة مع الروس، وقضية الانقلاب الفاشل، واضطراب العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية. وقد دفع ذلك كله الحكومة التركية نحو مسار أستانة وسوتشي، وترتيب الأوراق مجدّداً في إطار سياسة اعتماد الخطط البديلة، خصوصا على صعيد التحالف مع اليمين القومي التركي في الداخل. ولذلك يرى هذا الفريق من الكرد السوريين أن ما يجري إنما يأتي في سياق سعي أميركي من أجل الاستمرار في الاستفادة من إمكانات الحزب المعني العسكرية، والاستفادة، في الوقت ذاته، من الموقف الكردي السوري العام الذي لم يتمكّن حزب الاتحاد الديمقراطي من كسب ثقته، وتأييده؛ وإنما تمكن من السيطرة 

إيران أسهمت بقوة، عبر قرارات وممارسات قيادة حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل، في إفشال العملية السلمية التي كانت بين الحزب المعني وحكومة حزب العدالة والتنمية  عليه عبر استخدام أدوات التهديد والترغيب، إلى جانب الشعارات العاطفية التي لم تعد قادرةً على إقناع الناس الذين يعيشون أوضاعاً اقتصادية في غاية الصعوبة، نتيجة انهيار قيمة الليرة السورية، وحالات الفساد بأشكالها المختلفة خصوصا، وسوء الإدارة، خصوصا في ميادين التعليم والصحة والقطاع الزراعي.

وبين هذين الموقفين، هناك مواقف الحزبيين من الطرفين، إذ لا يثق كل جانب بالجانب الآخر، وذلك بناء على التجارب الطويلة غير المشجعة مع حزب العمال الكردستاني، وواجهته السورية، ولكن يبدو أن لكل طرفٍ حساباته وأسبابه.

ولكن الأمور في هذه المرحلة قد تغيرت بعض الشيء، فحزب الاتحاد الديمقراطي هو اليوم ضمن مجلس سورية الديمقراطية (مسد) وقوات سورية الديمقراطية (قسد)، وله التزامات مع شركاء عرب وسريان. كما أن للأميركان وجودا مؤثرا في المنطقة؛ وهم يتحكّمون بمفاتيح عديدة ضمن الحزب المعني، باعتبارهم مصدر الإمداد والتمويل. كما أن تعقيدات الإدارة ومتطلباتها قد أضعفت، إلى حد ما، من درجة تحكّم حزب العمال الكردستاني بكل التفاصيل، على الرغم من حرص الأخير على توزيع كوادره في مختلف المواقع المفصلية.

ما يرشح عن المباحثات أن هناك حرصا أميركيا على إنجاحها، ومن ثم توسيع دائرة التوافقات مع بقية الأطراف الكردية التي ما زالت خارج دائرة المباحثات، ويُشار هنا بصورة خاصة إلى الحزب الديمقراطي التقدمي، وحزب الوحدة؛ هذا إلى جانب الأحزاب الكردية الأخرى المرتبطة عملياً بالإدارة “الذاتية” التي يشرف عليها حزب الاتحاد الديمقراطي. كما ستشمل المباحثات والتفاهمات القوى العربية والسريانية، ولكنها تعاني من جملة مشكلات؛ فعلى الصعيد العربي، لا توجد قوى أو أحزاب سياسية فعلية، قادرة على تمثيل العرب في منطقة شرقي الفرات، وإنما هناك بنية عشائرية، تعاني، هي الأخرى، من الهشاشة والضعف نتيجة توزع الشيوخ بين جملة 

على الصعيد العربي، لا توجد قوى أو أحزاب سياسية فعلية قادرة على تمثيل العرب في منطقة شرقي الفرات  من الولاءات، حتى ضمن العشيرة الواحدة في بعض الأحيان. والموقف عند السريان هو أفضل نسبياً، فهناك المنظمة الآثورية وغيرها من القوى السياسية، ولكن تبقى الكنيسة الجهة الأكثر نفوذاً، وهي مرتبطة، في نهاية المطاف، مع النظام. شأنها في ذلك شأن كل المؤسسات الرسمية لمختلف الأديان والمذاهب في البلد.

هل سينجح الأميركيون في عملية تفكيك العلاقات العضوية الشمولية بين حزبي الاتحاد الديمقراطي والعمال الكردستاني، ولو جزئياً، ليحظى الأول بشيءٍ من الاستقلالية النسبية، ويستعد للتحول فعلياً، ولو تدريجيا، إلى حزب كردي سوري، يأخذ مصلحة كرد سورية ضمن الإطار الوطني السوري بالاعتبار؟ هذا هو السؤال الجوهري الأساسي الذي يفرض نفسه قبل إطلاق أي حكم، سواء بحظوظ نجاح المباحثات المذكورة أو فشلها. ونحن هنا لا ننكر وجود نزوع لدى كوادر عديدة ضمن حزب الاتحاد الديمقراطي نحو تحقيق أمرٍ من هذا القبيل، ولكن التجارب الماضية تؤكد أن الحزب الأم مستعدٌّ للإقدام على أي خطوة من أجل منع حصوله. والمجلس الوطني الكردي هو الآخر يعاني من نقاط ضعفه، سواء الداخلية الخاصة بكل حزب من أحزابه، أو في علاقات هذه الأحزاب مع الأحزاب الأخرى، خصوصا مع التي تركت المجلس لأسباب عدة.

مع ذلك، المباحثات والحوارات مستمرة؛ ويبدو أن الكل يراهن على عامل الزمن والتطورات التي قد تحدث، فحزب العمال الكردستاني استفاد من ورقة الكرد السوريين، واستغلها على نطاق واسع في حملاته الإعلامية، بغية التغطية على إخفاقاته في الداخل التركي. ويبدو أن النظام الإيراني لا يضغط كثيراً على الحزب المذكور لوقف هذه المباحثات؛ بل ربما يعتبرها مناسبة لسبر النوايا، وحتى فتح قنوات الاتصال، وهو على ثقةٍ بأن المفاتيح الأساسية ضمن الكردستاني ما زالت بيده. أما تركيا، وهي المعنية أكثر من غيرها بهذه المباحثات، فهي تراقب تفصيلات الوضع عن كثب، وتنتظر التوضيحات الخاصة بالحصيلة من الجانب الأميركي. وبالنسبة إلى الكرد السوريين، فإن مصلحتهم الاستراتيجية تتمثل أولاً في نزع فتيل الصراع الداخلي بين من أصبح من مؤيدي حزب الاتحاد الديمقراطي وأولئك الذين هم على خلاف معه. وإلى جانب هذا، فإن المعطيات التاريخية والجغرافية، والموجبات السكانية والاقتصادية، تلزمهم بالحفاظ على علاقة ودية مع تركيا، بغض النظر عن هوية الحزب الحاكم أو الأحزاب الحاكمة، فهناك حدود برية طويلة، وتداخل سكاني، ومصالح اقتصادية مشتركة، فضلاً عن مشاريع إنمائية كبيرة ممكنة في المستقبل.

الأكثر الأهمية هو مراعاة الاعتبارات والالتزامات الوطنية، والحفاظ على أفضل العلاقات مع النسيج المجتمعي الوطني السوري، والتفاعل مع كل السوريين من مختلف الانتماءات، والعمل معاً من أجل الوصول إلى حل سياسي يفتح الآفاق أمام تغيير حقيقي، يؤدّي إلى انتقال سياسي يضمن القطع مع الاستبداد والفساد، ويلتزم بمشروع وطني سوري، يطمئن الجميع على قاعدة احترام الحقوق والخصوصيات، والتشارك في الإدارة والموارد.

___________________________________________________________________________________

*نشر في العربي الجديد الثلاثاء 19 أيار/مايو 2020، للقراءة في المصدر اضغط هنا

قد يعجبك ايضا