لا وطن ولا مستقبل: الشباب العلوي عصب حياة نظام الأسد

epa06925118 A man holds a poster depicting Syrian President Bashar Assad during the opening of the Bloudan Tourist Festival in Bloudan village in the countryside of Damascus, Syria, 02 August 2018 (issued 03 August 2018). The four-day festival is held under the slogan 'loyalty to the leader of the homeland and the Syrian Arab Army'. The festival includes various tourist, cultural, sportive, and film activities. EPA-EFE/YOUSSEF BADAWI

جسر: قضايا:

تأثر الشباب العلوي الذي كان مصدر دعم رئيسي لنظام الأسد بالصراع وتدهور الأوضاع المعيشية. تحاول هذه الورقة كشف واقعهم العام ومقاربة مواقفهم السياسيّة من النظام من خلال بحوث ومقابلات ميدانية. وتلاحظ أن عددا متزايدا من الشباب العلوي قد خاب أمله ويذهب البعض منه في مقابلات خاصة إلى حد التعبير عن الاستياء لأنهم يرون أن النظام قد فشل في توفير الترتيبات المعيشة الأساسية لهم. ومع ذلك، فمن الصعب تحديد مدى انتشار هذا التذمّر بسبب القيود البحثية والخوف المترسّخ من الاجهزة الأمنية.

arab-reform-initiative-no-homeland-no-future-alawite-youth-the-backbone-of-the-assad-regime
شاب يحمل ملصقا للرئيس السوري بشار الأسد في قرية في ريف دمشق، آب/أغسطس 2018.© EPA-EFE/يوسف بدوي

تتدهور الأحوال المعيشيّة للسكان في مناطق سيطرة النظام بشكل مستمرّ،1   وتزداد صعوبة قدرّتهم على تأمين حاجاتهم اليوميّة الضروريّة يوماً بعد يوم. في حين تتقلّص قدرة النظام على تأمين موارد الطاقة، أو الحد من ارتفاع سعر صرف الدولار والعملات الأجنبيّة أمام الليرة السورية التي تتهاوى قيمتها رغم إجراءات النظام “الأمنيّة” والاقتصادية للحد من تدهورها. ومع تشديد الإدارة الأمريكيّة الخناق على فعاليات النظام الاقتصاديّة، وعلى اقتصاد النظام من خلال قانون قيصر، تحوّلت المجاميع السكّانيّة في مناطق سيطرة النظام لمجموع محبط وفاقد للمستقبل يحاول ألّا يموت من الجوع.

في ظل هذه الاحوال الكارثيّة يعيش الشباب مآسٍ مركبة. نحاول في هذه الورقة أن نلقي الضوء على شريحة الشباب في مناطق سيطرة النظام وبالأخص على الشباب المنحدر من البيئات العلويّة، وذلك لكشف واقعهم العام ومقاربة مواقفهم السياسيّة من النظام – في المستقبل القريب والمتوسط – في ظل فشل هذا الأخير في تحقيق أي من وعوده لهم، وضياع بوصلتهم وحصارهم بالجيش والقتال الذي يقتلهم بلا جدوى بشكلٍ يومي. وتعتمد الورقة على بحث وتحري ميداني قمنا به ومقابلات مخفيّة معمّقة أجريناها مع الكثير من الشباب من مختلف مناطق الساحل، والعديد من اللقاءات والحوارات مع مهتمين بالشأن العام. كما تستند على أغلب ما كتب في هذا الشأن من دراسات وبحوث ومقالات صحفيّة وتحقيقات، وما يثار حول الموضوع على وسائل التواصل الاجتماعي. ومن المفيد ذكر أن الحصار الأمني الذي يطبّقه النظام على النشطاء والفاعلين بالشأن السياسي قد شكّل عاملاً ضاغطاً طيلة فترة إعداد الورقة.

الشباب والتجنيد الإجباري

قلّص النظام مدّة الخدمة العسكريّة الإلزاميّة من سنتين إلى سنة وتسعة أشهر بعد نشوب الاحتجاجات الشعبيّة في سوريا في مارس/آذار 2011. وقام بعدها بتسريح دفعتين من المجندين في الشهر الثامن والعاشر من عام 2011 بعد احتفاظه بهم لشهور قليلة فقط. لكنه توقف بعدها عن تسريح المجندين حيث احتفظ بهم كعسكرين لسنوات طويلة تحت بند الاحتفاظ، حيث يتقاضى فيها المجنّد (الاحتياطي أو المحتفظ به) راتب المتطوّع الذي يقارب 30 دولارا.  كما قام النظام في بداية عام 2012 باستدعاءات كبيرة للاحتياط واستمرت عمليات استدعاء الاحتياط حتى شارفت على ما يشبه النفير العام. وفي نهاية 2018 سرح النظام الدفعة الأولى من الاحتياط، والتي تعتبر نسبة بسيطة جدّاً من هؤلاء الشبّان.2

وتعتبر البيئات العلويّة من أكثر البيئات التزاماً بخدمة التجنيد والخدمة الاحتياطيّة قياساً بغيرها من البيئات، مما يجعلها الأكثر تأثراً بسياسات النظام فيما يخصّ التجنيد الإلزامي والخدمة الاحتياطيّة.3

وفي إحصائيّة تقريبيّة يقول الناشط السياسي من مدينة اللاذقيّة (ع. م.):

“إن موضوع نسبة الشباب العلوي المعسكّر إلى نسبة الشباب العلوي المدني من أكثر المواضيع التي عملت عليها، لكنني لم أستطع التوصّل إلى أرقام دقيقة بسبب ضياع جزء كبير من السجلّات العسكريّة للنظام، واعتماده على وسائل قديمة في هذا المجال حيث لم يأتمت سجلّاته العسكريّة بعد، إلّا أنني استطعت الحصول على نسب تقريبيّة. فنسبة الشباب العلويّ من عمر 18 إلى عمر 30 عام الذين يخدمون في الجيش (تجنيد إجباري، احتياطي، تطوّع) الآن تتراوح بين 65% و75%، ونسبة الشباب العلوي بين 30 و40 عام الذين يخدمون في الجيش تتراوح بين 35% إلى 40%. “

إضافةً للفترة الطويلة التي يقضيها الشباب العلوي في صفوف الجيش، والتي تصل عند نسبة كبيرة منهم إلى ما فوق السبع سنوات، فإنّهم يواجهون العديد من المصاعب التي قد تترك آثاراً نفسيّة وجسديّة مديدة: فمعظمهم متواجد في جبهات القتال ويشهد أحداث قتل وإصابات زملائهم، أو إصاباتهم أنفسهم التي قد تترك آثاراً أو إعاقات دائمة. كما أنّ شريحة واسعةً منهم شهدت وقامت بأعمال سلب ونهب وقتل تعسفي للمدنيين، ما يجعلهم غير مؤهلين للدخول بشكل جيّد في الأعمال المدنيّة والانخراط فيها بشكل سليم. بالإضافة لهذا، فإنّ الشباب يعانون طوال السنوات التي يقضونها في الجيش من أزمات نفسيّة مركبّة، فإنهم بالتالي يخسرون أيضاً زهوة سنوات حياتهم وأكثرها طاقة واندفاعاً للحياة ضمن سياقات الجيش الميتة والمُميتة.

بالنظر إلى كل هذه المعاناة، ما هي الأشياء التي تُبقي هؤلاء الشبّان في الجيش، ولماذا لا يفرّون ويبدأون حياتهم بدل ضياع سنوات عمرهم في الجيش؟ هنا سأذكر شهادة لعسكري فرّ من الجيش ثلاث مرّات واعتقل في إحدى المرات على أحد حواجز النظام وعاد للجيش في عفوين رئاسيين، وهو يخدم الآن في جيش النظام كاحتياطي وعمره يقارب الثلاثين عاماً حيث أمضى زهاء سبع سنوات منها كعسكري أو كشخص فار من الخدمة العسكريّة، إذ يقول في إجابته عن سؤالنا هذا:

“جربت الفرار لعدّة مرات وقضيت قرابة السنتين في بيت أهلي في القرية الساحليّة، سنتين لم أستطع مغادرة هذه القرية الصغيرة الفقيرة المعدمة، هاربٌ من الموت، ومن نظرات جيراني ومن الشرطة، وسنوات عمري تضيع هباءً… برأيك ما الذي سيفعله شاب في مقتبل العمر إن كبلته في بيته، لقد تحوّل بيت أهلي لسجن من نوع ما، وبعدها خاطرت وقررت الرحيل إلى طرطوس، لأعمل وأحب وأحيا حياتي، وكانت النتيجة اعتقالي، على الأقل الآن أستطيع أن أتنفس الصعداء في الإجازة، وأستطيع أيضاً أن أنتظر خبر التسريح.”

يقول عسكريّ آخر قد أمضى الآن تسع سنوات في الخدمة الإلزاميّة:

“لا شيء يمنعني من الفرار سوى الخوف من الاعتقال والسجن والتعذيب والمعاملة السيئة، لا يعنيني الفوز في حرب ولا وطن لكبار تجار “الأزمة” ولا نصرة أحد، ما يعنيني هو الخلاص من هذا الكابوس فقط.”

التحديات الاقتصاديّة والماديّة في انتظار المسرّحين من الخدمة

يُعدّ الحصول على عقار وفرصة العمل عاملان حاسمان في حياة الشباب. في بلد يعاني من أزمة اقتصاديّة خانقة، لا يمكن التنبؤ بقدرة هذا الاقتصاد على توفير فرص عمل للمسرحين من الجيش. وإن توفرت فرص عمل، فهي عبارة عن بطالة مقنّعة؛ إذ تدنّت أجور العاملين في القطاعين العام والخاص إلى ما دون الــ25 دولار في الشهر،4

في حين يقوم القطّاع الخاص بتشغيل العاملين لساعات طويلة وبأجور لا تتعدى 20 دولاراً. وبارتفاع تكلفة العيش بنسب كبيرة، باتت العائلة السوريّة المتوسطة تحتاج إلى 150 دولار شهريّاً على الأقل كي تتمكن من الاستجابة للضروريات اليومية؛ أي أن الأزمات تتعلق الآن بتأمين الطعام حتى لمن يعمل. ومع فقدان فرص العمل يصبح الحال سوداويّاً لهؤلاء الشباب المسرحين. ويبقى امتلاك العقار – وهو عنصر اساسي لتشكيل عائلة – حلماً لا يستطيع الشاب في مناطق سيطرة النظام الحلم به، فالعقارات التي ترتفع أيضاً بارتفاع الدولار ولو بوتيرة أبطأ، أصبحت الآن مكلفة للغاية. فأي شقة في أي ضاحية من ضواحي المدن ستكلّف ما يقارب العشرة آلاف دولار. ومع أن بنوك النظام طرحت قروضاً عقاريّة، إلّا أنها لا تكفي لشراء نصف بيت، وأقساطها المديدة تبدو مستحيلة: فقرض الخمسة مليون ليرة سيكلّف المقترض ما يقارب التسعين ألف ليرة سوريّة لمدة خمسة عشر عاماً، وهذا ما يبدو مستحيلاً في بلدٍ لا يتجاوز دخل الفرد فيه الثمانين ألف ليرة لجميع العاملين في القطاعين الخاص والعام.

وبالتالي سيعاني الشاب المسرّح من صعوبة في إيجاد فرصة عمل، ومن استحالة تأمين احتياجات عائلة متوسطة في حال وجود فرصة العمل، ومن استحالة في تأمين عقار. فهذه كلها عوامل تجعل النظام يفكّر طويلاً قبل أن يقوم بتسريح الشباب إذ إنّه سيطلق جيشاً من المحبطين في مدنه وقراه.

الظواهر التي أفرزتها الحرب على جيل الشباب

لا تكتفي العسكرة بتسميم حياة الشباب المنضوي في صفوفها، بل تهدد أجيال الشباب الصاعدة كفخّ قاتل ينتظرهم حالما يصلون لسن السابعة والعشرين للجامعيين أو الثامنة عشر لغير الدارسين. كما تلاحق هذه السموم الشبّان بعد تسريحهم من الجيش. فما هي أبرز الظواهر التي أفرزتها العسكرة بشكل خاص والحرب الدائرة في البلاد بشكل عام على جيل الشباب في البيئات العلويّة؟

1-        الهجرة:

نتحدّث هنا عن هجرة الشباب من البيئات العلويّة، ولا نتحدّث عن موجات النزوح والتهجير التي عاناها ويعانيها الشعب السوري جرّاء الحرب الدائرة في البلاد. فهجرة الشباب العلوي تأتي من بيئات لم تشهد غالبا قصف جوّي، أو موجات مجاعة، بل من بيئات تعتبر لحد الآن في مأمن من الأثار السلبيّة المباشرة للحرب. تأتي ظاهرة هجرة الشباب العلوي لسببين رئيسيّن: أولهما انعدام الأفق العلمي والعملي والاقتصادي في البلاد، وثانيهما الهروب من الخدمة الإلزاميّة التي تشكّل الهاجس الأكبر لدى الشباب العلوي الذي لا يرى حلولاً في الأفق وتتمظهر الخدمة العسكريّة له بمظهر المصير المجهول الذي قد يودي بالحياة أو بسنين طويلة، يكرّسها الشباب عادة لبناء مستقبلهم بشكل طبيعي.

2-        الإدمان:

انتشرت ظاهرة الإدمان في الجيش والمليشيات الفاعلة في الحرب والموالية منها للنظام إثر انتشار الفوضى بين صفوف المقاتلين. أدّى هذا لانتشار لتعاطي الحشيشة بين صفوف المقاتلين العلويين والدخول في عالم المخدّرات.5

كما انتشرت في فترات متقطعة حبوب مخدّرة تدعى الكيبتاغون – في بعض الاحيان بتشجيع من مسؤولين أمنيين – والتي تُفقد المقاتل الإحساس بالألم وتعطيه شعوراً مفعماً بالطاقة والاندفاع ليومين كاملين وتزيد من فعاليّته على الجبهات. كما عملت إيران وتجار الحرب الموالين للنظام وحزب الله اللبناني على زراعة الحشيشة ونشر تعاطيها بين صفوف المقاتلين، بما فيهم الشباب العلوي. وقمنا بالعديد من المقابلات السريّة المعمّقة الغير مكشوفة مع بعض المتعاطين، وسنورد هنا الإجابة التي حصلنا عليها من (ح.ع.) وهو عضو سابق لدى ميليشيا الدفاع الوطني قاتل مع ميليشيا حزب الله في النبك والقلمون، إذ يقول:

“كان مقاتلو حزب الله يستمعون لأغاني “اللطميّات” (نمط من الأغاني الدينيّة الشيعيّة) ويشربون الشاي ويدخنون الحشيشة، في كل استراحة وكانوا يصرّون على مشاركتنا إياهم في هذا الطقس، كما أنّهم يحموننا من أي رجل أمن أو شرطة يمسك معنا الحشيشة، ويقولون لنا على الدوام، لا تكترثوا لشيء، لا أحد من الأمن أو الشرطة أو ضباطكم يستطيع مضايقتكم لأنّكم تشربون الحشيش.”

الشباب العلوي ونظام الاسد

استطاع الأسد الأب أن يوهم العلويين بانّه يكرّس مقدّرات الدولة لصالحهم وبأنه يعمل بلا كلل على رفع شأن العلويين، الذين كانوا يعانون قبل وصوله للسلطة من الإهمال والتهديد أحياناً، وانتقلوا لوضعيّة المستفيد والمتحكّم خاصّة في أمور الجيش والشرطة وقوى الأمن. وعزز ذلك موقع آل الأسد كثيراً لدى العلويين وجعل من مسألة تقديسهم للأسد الأب حالة عابرة لكل المناطق والبيئات العلويّة، الأمر الذي جعل الاسد الابن – خلفاً لوالده – يحتلّ مكانةً قويّة لديهم. ومع الرخاء الاقتصادي النسبي الذي شهدته البلاد في الفترة التي سبقت الثورة تعزز موقع الاسد الإبن لدى أبناء الطائفة العلويّة، حيث انساق جموع الشباب العلويين للدفاع عن النظام وعن مكتسباتهم التي حققوها خلال الأربعين سنة التي سبقت اندلاع الثورة. لكنّ مجريات أحداث الثورة لم تذهب وفق أهواء الأسد حيث دفع شباب الطائفة العلويّة أثماناً باهظة على مدى تسع سنوات، ولم ينالوا خلالها سوى القتل والإصابة والتغييب والفقر المدقع.6

ويقدّر ناشطون بأن عدد القتلى من الشباب العلوي يقارب المئة ألف وحوالي الستين ألف مصاب،7

ما يجدد تهديد كيانهم كأقليّة ويضعف ثقتهم بدور النظام في المرحلة المقبلة خاصّة بعد تدخّل الميليشيات الإيرانيّة والقوات الروسيّة في عمق الجيش وكسر هيبة الضباط العلويين وتصرفهم برعونة محتلّ لا يكترث لكرامة من استجداه. ومع الرسائل الروسيّة المباشرة للعلويين وللعالم بأنّ بشار الأسد أصبح خادمهم المطيع، بات العلويون يشعرون بشكل كبير أن النظام قد أصبح مرتهناً للروس وبأنّ أيام نفوذهم في السلطة دخلت العد العكسي.

يحاول جيل الشباب في البيئات العلويّة الآن أن يؤمّن لقمة العيش أو ينتظر خبر تسريحه من الجيش، ولا يعير انتباهاً لحال النظام وبشار الأسد ومستقبل البلاد ولا يكترث لرئيس البلاد القادم طالما سيبقون على وضعهم الحالي أو تتحسن أوضاعهم قليلاً.

هذا بالنسبة لنسبة مهمة من الشباب العلوي. أما البقيّة فهم أولاد الضباط والمسؤولين وأبناء التجار الذين مازالوا يحلمون بعودة النظام وعودة النفوذ، وهم طبقة انتهازيّة تزداد اغتراباً عن الشارع العلوي وعن الهمّ العام يوماً بعد يوم.

يقول ناشط سياسي علوي معارض (ف.م.) ومعتقل رأي سابق:

” اندفع الشباب العلوي في بداية الثورة لإنقاذ النظام والدفاع عنه، فقد انتشرت حواجز اللجان الشعبيّة على مفارق القرى، وتطوّع عدد كبير من الشباب العلوي. كما خدم الكثير منهم فيما يسمى الاحتياط الكيفي حيث ذهب بعضهم لشُعب التجنيد وسلّموا بطاقاتهم المدنيّة، وكان من العار على أحد “حسب البيئة العلويّ” التخلّف عن دعوات الاحتياط أو التجنيد الإجباري. كما كان بعض البعثيين ينظّمون لوائح سوداء لسكان مناطقهم الغير موالين بشدة أو المشكك في ولائهم ليقوم الشبّيحة بإيذائهم وطردهم من مناطقهم وقراهم. أما اليوم – وهذه مفارقة عجيبة – فقد أصبح من الطبيعي أن يقول أحدهم أنني جعلت ولدي يسافر ليهرب من الخدمة العسكريّة، ليوافقه جميع الحاضرين الرأي، أو أن يتسابق الناس ليباركوا لأحد المسرحين، وللتغطية على أحد الفارين من الخدمة. هذه الإنعطافة حدثت بالتدريج وعلى مدى تسع سنوات ولأسباب عديدة.”

وفي شهادةٍ أخرى يقول الناشط المدني والمعارض العلوي (د.خ):

“كنّا نسمع زخّات الرصاص في القرى والأحياء العلويّة عند التحاق أحدهم بالجيش، فيبتهج الأصدقاء ويعم الهرج والمرج القرى والحارات وتغار الامهات من أبناء غيرهن الذين أصبحوا يطلقون النار الآن في الشوارع…  بعد سنوات صرنا نسمع زخات الرصاص عند استشهاد أحدهم، بعضهم يهنئ أهل الشهيد، وبعضهم يتفاخر بالموت، ومن ثم أصبحت زخات الرصاص للشهداء ترافق الحزن وعويل النساء وخوف الأمهات على أبنائهن في الجبهات واضطراب الآباء. الآن عندما نشيّع شهيداً فإنّ الصمت والحزن والقهر يعمّ المكان ولا شيء يعزّي أهل الضحيّة، فلا الوطن لنا ولا المستقبل؛ لا بل نسمع السباب على ضبّاط الجيش وعلى بشار الأسد، لكننا عندما نسمع زخّات الرصاص نعرف أن أحدهم قد تسرّح من الجيش، فتزغرد الأمهات، وينشئ الأصدقاء الحفلات ويحلم الباقون بنفس المصير لأبنائهم، عندما يسمعون “عقبى لمن عندك”.”

خاتمة:

حصل تطوّر ملفت عند الشباب السوري الموالي للنظام والعلوي خاصّة في موقفه من النظام ومن آل الأسد تحديداً. فبعد الاندفاع والحماس في الدفاع عن النظام في الفترة الاولى من الثورة تزداد اليوم أصوات الشباب التي لا تتشبث بسلطة آل الأسد، ولا ترى ببقاء الأسد في السلطة حلّاً للوضع القائم في البلاد. على العكس، بات الكثير من الشباب العلوي يركّز أولوياته على الوضع المعيشي ويرى أن هذه السلطة مكمناً للأزمات المتلاحقة، وأنها سلطة فاسدة وعاجزة عن حل أي من الأزمات المتراكمة التي تحيق بالشباب، والأهالي عامّة.

يبقى من الصعب تحديد نسبة انتشار هذا التذمّر نظرا للخوف المترسّخ من الاجهزة الأمنية. ولكن على قوى المعارضة كافة العمل على مشروع وطني جامع يضع الشباب السوري بكافة مكوناته على سكّة العمل والإنتاج والحياة، والعمل الفوري على إيقاف الحرب التي تأكل الشباب السوري من طرفي النزاع، ليدفع الشباب السوري الضريبة الأكبر.

المصدر: مبادرة الاصلاح العربي ٤ آب/اغسطس ٢٠٢٠

قد يعجبك ايضا