لماذا تتفاوت شدة تفشي كورونا في أماكن دون أخرى؟

جسر: متابعات:

تسبب فيروس «كورونا» في وفاة الكثيرين في إيران لدرجة أن البلاد لجأت إلى المدافن الجماعية، لكن في العراق المجاورة، لم تتخط الوفيات حاجز المائة.

وفي جمهورية الدومينيكان، تخطى عدد الإصابات بالفيروس 7600. فيما سجّلت هايتي 85 حالة فقط.

وفي إندونيسيا، يُعتقد أن الآلاف ماتوا بسبب الفيروس، وفي ماليزيا القريبة أدى الإغلاق الصارم إلى عدم تخطي الوفيات حاجز المائة.

بات من الواضح أن فيروس «كورونا» قد لامس تقريباً كل الدول على وجه الأرض، لكن تأثيره بدا متقلباً. فقد فتك الفيروس بعواصم عالمية مثل نيويورك وباريس ولندن، في حين نجت حتى الآن مدن مزدحمة مثل بانكوك وبغداد ونيودلهي ولاغوس.

إن السؤال عن سبب غمر الفيروس لبعض الأماكن دون أخرى بمثابة اللغز الذي أوجد العديد من النظريات والتخمينات من دون الوصول إلى إجابات شافية. فالإجابة عن هذا السؤال يمكن أن يكون لها أثر كبير على معرفة درجة استجابة البلدان للفيروس وتحديد أي منها أكثر عرضة للخطر، ومعرفة متى يكون الخروج من البيت آمناً مرة أخرى.

 

قوة الشباب

تضم العديد من البلدان التي نجت من الأوبئة الجماعية سكاناً أصغر سناً نسبياً. وفي هذا الصدد، قال روبرت بولينجر، أستاذ الأمراض المعدية بكلية الطب بجامعة جونز هوبكنز، إن الشباب أكثر عرضة للإصابة بحالات خفيفة أو عديمة الأعراض التي لا تنتقل بسهولة إلى آخرين.

تعتبر قارة أفريقيا – في ظل وجود نسبة ضئيلة لا تتعدى 45 ألف حالة تم الإبلاغ عنها من بين 1.3 مليار نسمة – القارة الأصغر سناً حيث إن 60 في المائة من السكان تحت سن 25 سنة. في تايلاند وفي مدينة النجف العراقية، وجد مسؤولو الصحة المحليون أن الفئة العمرية ما بين 20 – 29 عاماً سجلت أعلى إصابات لكن غالباً ما ظهرت عليها أعراض طفيفة.

على النقيض من ذلك، فإن متوسط الأعمار في إيطاليا، وهي واحدة من أكثر البلدان تضرراً، فوق سن 45، وكان متوسط أعمار الذين توفوا هناك نحو 80 عاماً.

وفي الإطار ذاته، قال جوزيب كار، الخبير في السكان والصحة العالمية بجامعة «نانيانغ للتكنولوجيا» في سنغافورة، إن الشباب يمتلكون أجهزة مناعة أقوى، وهو ما يؤدي إلى ظهور أعراض أكثر اعتدالاً.

ويقول باحثون في الولايات المتحدة إنه إلى جانب عامل الشباب، يمكن للصحة الجيدة نسبياً أن تقلل من تأثير الفيروس بين المصابين، في حين أن بعض الحالات الموجودة مسبقاً – لا سيما ارتفاع ضغط الدم والسكري والسمنة – يمكن أن تزيد من حدة الإصابة.

غير أن هناك بعض الاستثناءات الملحوظة للنظرية الديموغرافية، فقد سجلت اليابان التي تضم أكبر عدد من السكان المسنين في العالم أقل من 520 حالة وفاة رغم ارتفاع عدد الحالات مع زيادة الاختبارات.

وتعد منطقة «غواياس» في الإكوادور، وهي مركز تفشي المرض الذي أودى بحياة ما يصل إلى 7 آلاف شخص، واحدة من أصغر المناطق في البلاد سناً، حيث لا يتجاوز عمر 11 في المائة من سكانها أكثر من 60 عاماً.

ويحذر الدكتور أشيش جها، من جامعة هارفارد، من أن بعض الشباب الذين لا تظهر عليهم أعراض قد يكونون معديين للغاية لأسباب غير مفهومة حتى الآن.

 

التباعد الثقافي

وأفاد علماء أوبئة بأن العوامل الثقافية، مثل التباعد الاجتماعي في مجتمعات معينة، قد تمنح بعض الدول مزيداً من الحماية.

في تايلاند والهند، حيث تكون أعداد الفيروسات منخفضة نسبياً، يرحّب الناس ببعضهم بعضاً مع الحفاظ على مسافة بينهم، مع ضم راحتي اليد كما في الصلاة. في اليابان وكوريا الجنوبية، قبل وقت طويل من وصول فيروس «كورونا»، كان الناس ينحنون عند تبادل التحية ويميلون إلى ارتداء أقنعة الوجه عندما يشعرون بتوعك.

في كثير من دول العالم النامي، أدت عادة رعاية المسنين في المنزل إلى وجود عدد أقل من دور التمريض التي كانت تعوق تفشي المرض في الغرب. ومع ذلك، هناك استثناءات ملحوظة لنظرية التحيز الثقافي. ففي أجزاء كثيرة من الشرق الأوسط، مثل العراق ودول الخليج العربي، غالباً ما يحتضن الرجال بعضهم بعضاً أو يتصافحون عند اللقاء، لكن معظمهم لا يمرض.

وقد أثبت ما يمكن تسميته «التباعد الوطني» أنه مفيد أيضاً، فقد جنت البلدان المعزولة نسبياً فوائد صحية بفضل عزلتها.

لم تشهد الدول النائية، بعضها في جنوب المحيط الهادئ وأجزاء من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، أعداداً كبيرة من الزوار الذين يحملون الفيروس معهم. ويشير خبراء الصحة في أفريقيا إلى أن ندرة السفر إلى الخارج ربما كانت السبب الرئيسي لانخفاض معدل الإصابة في القارة نسبياً.
الحرارة والضوء

يبدو أن جغرافية تفشي المرض – التي انتشرت بسرعة خلال فصل الشتاء في بلدان المنطقة المعتدلة مثل إيطاليا والولايات المتحدة ولم تكن مرئية تقريباً في البلدان الأكثر دفئاً مثل تشاد أو غوايانا – تشير إلى أن الفيروس لا يعيش في الحرارة.

لكن الفيروسات التاجية الأخرى، مثل تلك التي تسبب نزلات البرد، أقل عدوى في المناخات الأكثر دفئاً ورطوبة. لكن الباحثين يقولون إن فكرة أن الطقس الحار وحده يمكن أن يصد الفيروس تظل مجرد أمنية.

بعض أسوأ المناطق التي شهدت تفشياً للمرض في العالم النامي كانت في أماكن مثل الأمازون في البرازيل، شأن أي منطقة استوائية.

قال مارك ليبسيتش، مدير مركز ديناميكية الأمراض المعدية في جامعة هارفارد، إن «أفضل تخمين هو أن الظروف الصيفية تساعد ولكن من غير المرجح أن تؤدي في حد ذاتها إلى تباطؤ كبير في الانتشار أو انخفاض في الحالات». وقال الدكتور راؤول ربادان، عالم الأحياء الحاسوبية في جامعة كولومبيا، إن الفيروس الذي يتسبب في الإصابة بعدوى «كورونا» يبدو أنه معدٍ للغاية لدرجة أنه يخفف من أي تأثير مفيد للحرارة والرطوبة.

لكن جوانب أخرى من المناخ الدافئ، مثل قضاء الكثير من الوقت في الخارج، يمكن أن تكون عنصراً مساعداً.

الإغلاق المبكر والصارم

تمكنت البلدان التي نفذت الإغلاق في وقت مبكر، مثل فيتنام واليونان، من تجنب العدوى الخارجة عن السيطرة، وهو دليل على قوة عنصر التباعد الاجتماعي الصارم والحجر الصحي لاحتواء الفيروس.

في أفريقيا، اكتسبت البلدان التي مرت بخبرات مريرة مع الفيروسات القاتلة مثل فيروس نقص المناعة المكتسبة (إيدز) والسل المقاوم للأدوية، والإيبولا، خبرة وتدريبات، ولذلك جاء تفاعلها سريعاً. فقد كان موظفو المطار من سيراليون إلى أوغندا يقيسون درجات الحرارة ويسألون عن تفاصيل مخالطة الركاب لمصابين قبل الوصول، وكانوا يرتدون أقنعة قبل وقت طويل من اتخاذ نظرائهم في الولايات المتحدة وأوروبا مثل هذه الاحتياطات.

أغلقت السنغال ورواندا حدودهما وأعلنتا حظر التجول في حين كانت الحالات هناك لا تزال قليلة للغاية، وشرعت وزارات الصحة في هذه الدول في تتبع الاختلاط المحتمل منذ وقت مبكر. وقالت كاثرين كيوبوتونجي، المديرة التنفيذية لمركز أبحاث السكان والصحة الأفريقي، إن كل هذا حدث في منطقة أصبحت فيها وزارات الصحة تعتمد على الأموال والأفراد والإمدادات من الجهات المانحة الأجنبية، والتي اضطر الكثير منها إلى توجيه انتباهها إلى تفشي المرض في بلدانهم. واستطردت: «الدول استيقظت ذات يوم لتقول حسناً، العبء أصبح على اكتافنا، لذا نحتاج إلى النهوض».

أعادت سيراليون تطبيق بروتوكولات تتبع الأمراض التي جرى الإعداد لها في أعقاب تفشي فيروس «إيبولا» عام 2014 والتي أودت بحياة ما يقرب من 4 آلاف شخص هناك. وأقامت الحكومة مراكز عمليات الطوارئ في كل مقاطعة وجندت 14 ألف شخص من العاملين في مجال الصحة المجتمعية، منهم 1500 تم تدريبهم على اقتفاء أثر المخالطة، رغم أن سيراليون لديها نحو 155 حالة مؤكدة فقط.

ومع ذلك، لم يحدد حتى الآن الجهة التي ستدفع رواتبهم أو تغطي نفقات عديدة مثل الدراجات النارية ومعاطف المطر لمواصلة عمل تلك الفرق خلال موسم المطر المقبل.

المصدر: «نيويورك تايمز»

قد يعجبك ايضا