لماذا ضربت روسيا فيلق الشام؟

رأي- عبدالناصر العايد

وأولى بؤر تقاطع النيران و أخطرها، هي الصراع الروسي التركي على النفوذ في إقليم الشرق الأوسط، حيث طلع اليوم الإعلام الروسي بمعلومة لم تكن معروفة من قبل، تقول إن فيلق الشام الذي شارك في أستانا وغيرها من المؤتمرات التركية الروسية، هو “تنظيم مصنف كإرهابي في روسيا”، وهذا يعني أن موسكو انقلبت فعلياً على كافة تفاهماتها المزعومة مع أنقرة، ولم يعد هناك من يمكن وصفه بالمعتدلين، وبالتالي فالمحرقة الروسية ستطال الجميع.

رأي:عبدالناصر العايد:

أودت الغارة الروسية صباح اليوم ٢٦ تشرين الأول/ أكتوبر 2020، على معسكر تدريب تابع لفيلق الشام، بحياة ما يزيد عن ٦٠ شخصاً، فيما أصيب نحو ٢٥٠ شخص بجراح منها ماهو خطير جداً، فما الذي رمت إليه موسكو من وراء ضرب هذا الفصيل الأثير إلى قلب أردوغان، باعتباره فصيلاً اخوانياً صافياً، وفي موقع يقع على الحدود التركية مباشرة؟

القتلى هم بكاملهم من الشبان السوريين الذين سدت بوجههم كل طرق العيش، ولم يبق أمامهم سوى مبلغ مائتي ليرة تركية شهرياً، أي ما يعادل ٢٥ دولاراً اميركياً، تقدمها أنقرة للمنتسبين للفصائل التي تخضع لسلطتها، ولتضع هؤلاء اليافعين في بؤرة صراعات محلية واقليمية ودولية، تكون فيه أرواحهم هي الأرخص، في حسابات الربح والخسارة، دون أن تفضي تلك الخسائر المأساوية إلى تقديم أي خدمة أو دعم لقضية الشعب السوري المنكوب.

وأولى بؤر تقاطع النيران و أخطرها، هي الصراع الروسي التركي على النفوذ في إقليم الشرق الأوسط، حيث طلع اليوم الإعلام الروسي بمعلومة لم تكن معروفة من قبل، تقول إن فيلق الشام الذي شارك في أستانا وغيرها من المؤتمرات التركية الروسية، هو “تنظيم مصنف كإرهابي في روسيا”، وهذا يعني أن موسكو انقلبت فعلياً على كافة تفاهماتها المزعومة مع أنقرة، ولم يعد هناك من يمكن وصفه بالمعتدلين، وبالتالي فالمحرقة الروسية ستطال الجميع.

نحن إذاً أمام فصل جديد من الخديعة الروسية التي انخرطت فيها أنقرة بفعالية، وهي تجميد جانب من الفصائل واستبعاده من الصراع، بطريقة أو بأخرى، ريثما يتم القضاء على قسم آخر يتم شيطنته ونعته بالمتطرف والإرهابي، وهكذا جرت الأمور منذ أن ظهرت اتفاقيات خفض التصعيد، التي سارت كالمدرعة الروسية، وسحقت الجميع، لكن بتدرج صارم.

من ناحية أخرى، تأتي هذه الضربة بعيد مشاورات ومباحثات تقودها تركيا، لتشكيل ما يسمى بالمجلس العسكري في ادلب، والذي يضم كل من هيئة تحرير الشام وحركة أحرار الشام والجبهة الوطنية للتحرير التي ينضوي فيها الفيلق، ويبدو أن موسكو أرادت القول لأنقرة أن أي محاولة لتنظيم الأمور في ادلب، بحيث يتم تذويب جبهة النصرة، وشرعنتها، تمهيداً لترسيخ واقع دائم في تلك البقعة، هو أمر مرفوض، وأن هيئة تحرير الشام يجب أن تبقى حتى النهاية، ذريعة لأي عدوان روسي، يستهدف بسط سيطرةالنظام على مساحات جديدة.
الضربة أيضا يمكن أن تنطوي على إشارة إقليمية إلى ليبيا، فقوات حفتر رفعت جاهزيتها، وتركيا استأنفت على نحو مفاجئ إرسال مرتزقة سوريين إلى هناك في الأسبوع الأخير، إذا وصلت دفعات إلى طرابلس، فيما تستعد دفعات أخرى للالتحاق بها.

ومؤخراً، صار فيلق الشام يتقدم رويداً رويدا في مجال التجنيد في صفوف المرتزقة السوريين الذين ترسلهم تركيا إلى خارج الحدود لخوض معاركها سواء في ليبيا أو أذريبجان، وعلى سبيل المثال، عاد رجل اعمال سوري يدعى صلاح الحاكمي، من المملكة العربية السعودية، وبدأ العمل على تأهيل وتجنيد مقاتلين في صفوف الجبهة الوطنية للتحرير، وفيلق الشام، لإرسالهم كمرتزقة إلى الوجهات التي تقتضيها المصلحة التركية، وبإشراف شركة “سادات” الأمنية التركية، وذلك بعد أن أصبح هذا النشاط مستقراً وتجارياً ومربحاً، وقد أفادت مصادر مطلعة بإرساله مالا يقل عن ٧٠٠ مقاتل حتى اليوم إلى أذريبجان وحدها.

إن ضربة اليوم استهدفت دورة مؤلفة من ٢٥٠ متدرب، وهو ذات العدد الذي يرسل بشكل منتظم إلى كل من ليبيا وأذريبجان.
من ناحية ثالثة، لا يمكن استبعاد الصراع الفصائلي عن هذه الضربة الروسية المحكمة، فقد نشأ اليوم نهج استخبارتي جديد في ادلب وما حولها، يتمحور الأول حول إبلاغ التحالف بمكان تواجد أهداف يبحث عنها، فيما تبلغ روسيا بأماكن أطراف أخرى تستهدفها، وضربة اليوم مبنية على معلومات استخبارتية دقيقة، ليس من المستبعد أن إحدى الجهات الحاضرة في ادلب قد سربتها للروس أو نظام الأسد.

بمجمل الأحول، إن الخاسر الوحيد هذا اليوم هو عائلات من قضوا في الضربة وأبناءهم بالدرجة الأولى، وبالدرجة الثانية قضيتنا كشعب سوري، ينكل به الجميع، ويستثمر به الجميع، بأبخس الأثمان، ومن أجل أحط الغايات.

 

قد يعجبك ايضا