ما وراء عملية نبع السلام

مقاتلون في الجيشين التركي و"الوطني السوري" يرفعون العلمين بعد سيطرتهم على رأس العين/انترنت

جسر: رأي:

مقاتلون في الجيشين التركي و”الوطني السوري” يرفعون العلمين بعد سيطرتهم على رأس العين/انترنت

بعد انتهاء الأعمال القتالية في عملية نبع السلام، وظهور الاتفاق الأمريكي التركي، ومن بعده الاتفاق الروسي التركي، للعلن؛ أصبحت الخارطة الجيوعسكرية واضحة المعالم لمنطقة شرق الفرات من حيث مناطق النفوذ الجديدة للفرقاء المتصارعين على هذه المنطقة، ومن حيث المنطقة الآمنة المزمع إنشاؤها في المنطقة، والهدف منها. 

فعندما يتفق الأمريكان والروس، وينسق هؤلاء مع الأتراك، تأكد بأن هناك مخططاً يتم تنفيذه في هذه المنطقة في إطار حل نهائي في سوريا، والمستفيد الأكبر منه نظام الأسد، وهذا ما برهنت عليه تطورات الأحداث السياسية والعسكرية على الأرض منذ اتفاقات الاستانا ومن بعدها سوتشي، وهذا ظهر جلياً من خلال ابتلاع الأسد أغلب المناطق المحررة، بعد تقسيمها إلى مناطق ما سمي بـ”خفض التصعيد”، والتي لم يتبقَ منها إلا جزء من المنطقة الرابعة المتمثلة بمنطقة إدلب وشمال غرب حلب، وجزء من جبهة اللاذقية، وبهذا تم خسارة ثلثي المناطق التي حررها الجيش الحر حتى عام 2013.

ومن هنا يجب أن نعرف ماذا حققت الثورة السورية من مكاسب من خلال عملية نبع السلام، والتي شارك فيها جُل فصائل الثورة المحسوبة على تركيا تحت مسمى “الجيش الوطني”، الذي يبدو أنه لا يحمل أي صفة من الصفات التي يمكن أن تبرهن بأنه يعمل بدلالة الوطن، ووفق مصالح الوطن السوري المتمثلة في الثورة السورية، وهذا برز واضحا من خلال من نصبتهم الجهة المغتصبة لقرار الثورة، وداعموها، قادة لهذا الجيش، وهم أنفسهم من كان لهم دور كبير في تسليم الكثير من المناطق المحررة، مثل حمص القديمة والقصير وشمال حمص والغوطة الشرقية وحلب، وإيقاف الكثير من المعارك، كمعركة الساحل التي حققت إنجازاً كبيراً تمثل في السيطرة على مدينة كسب الاستراتيجية وصولاً إلى شواطئ البحر المتوسط على الساحل السوري، ناهيك عن الكثير من عمليات الفساد والتي وصلت إلى درجة بيع بعض الفصائل الراديكالية “داعش والنصرة” الأسلحة والذخائر، ويبدو أن هذا الجيش مهمته واضحة؛ وهي تنفيذ أوامر داعميه لتحقيق مصالحهم دون النظر إلى مصلحة الشعب السوري الثائر، وذلك من خلال من يتحكم بهذا الجيش ومن يقوده، ولهذا لم نجد أي مصلحة للثورة في حشد خيرة مقاتليها للقتال على اتجاهات ثانوية، وإيقاف المعركة على الاتجاه الرئيس المتمثل في قتال عصابات الأسد، ولعل ابرز ما يروج له هؤلاء ومشغلوهم هو إنشاء منطقة آمنة يمكن أن يحكموها حتى ينضج الحل النهائي، ضاربين عرض الحائط بكل مطالب الثورة التي دفع ثمنها الشعب السوري الثائر خيرة شبابه شهداء ومعتقلين ومعاقين ومشردين في أصقاع المعمورة، متناسين إجرام الأسد وعصاباته لاهثين وراء مشاركته في الحكم ولو بشكل جزئي، وكأن الشعب السوري انتفض على حكامه من أجل هؤلاء، الذين لم يكن لهم أي دور في إطلاق شرارة الثورة، وجلهم ركب الثورة في وقت متأخر متسلحا بأموال الداعمين، وجلهم من التوجهات الراديكالية، والذين لهم أهدافهم البعيدة كل البعد عن أهداف الثورة.

القسم الآخر من هؤلاء نصبته أجهزة مخابرات عربية وإقليمية ودولية للتحكم بالثورة وتوجيهها، ونجح هؤلاء بشكل كامل بالوصول إلى مبتغاهم، وما وصلت إليه الثورة من انتكاسات إلا دليل واضح على ما قام به هؤلاء؛ فمن ينادي بمشروع أمة لا يمكن أن يحمل فكراً ثورياً، إنما ثبت أنه يُطلق هذا الشعار لتحقيق أهداف ومصالح ضيقة، ظهر أن سقفها منصب هنا أو حساب مصرفي هناك، ومن ثَمّ وجدت تركيا وغيرها فرصتها في استخدام هؤلاء لتحقيق مصالحها، ومنها السبب الرئيس الذي قامت من أجله عملية نبع السلام؛ وهو إبعاد المكون الكردي، المتمثل في قوات سوريا الديموقراطية، عن الحدود الجنوبية التركية، وتوطين مكون عربي في تلك المنطقة لتحقيق الأمن القومي التركي، وبهذا يتم فصل أكراد تركيا عن أكراد سوريا، ومنع قيام دولة كوردستان سوريا المزعومة، واعتقد أن هذا هو الهدف الرئيس لهذه العملية، فضلاً عن أهداف أخرى تمثلت في إعطاء نظام الأسد فرصة للسيطرة على جزء من الحدود السورية التركية، وتسليمه مناطق شاسعة كانت تسيطر عليها قسد بحجة تخلي الأمريكان عن الأخيرة.

وبهذا يمكن أن نقول بأن عملية نبع السلام لم تحقق للثورة السورية والشعب الثائر أي مكسب يذكر؛ بل كانت العملية مرحلة من سيناريو مكتوب بدقة لإعادة إنتاج نظام الأسد من خلال مساعدته في السيطرة على أكبر جزء من المناطق المحررة بأشكال مختلفة، وما تبقى سيكون محصوراً في منطقة لا يتجاوز طولها 120 كم تمتد من رأس العين شرقاً إلى تل أبيض غرباً، وبعمق حتى 35 كم وصولا إلى الطريق M4 الواصل بين مدينة منبج ومدينة الحسكة، ليصار إلى نقل المهجرين السوريين من مناطق خفض التصعيد في درعا والغوطتين وشمال حمص، إضافة إلى السوريين غير المرغوب بهم على الأراضي التركية، ليحكم المنطقة مؤقتا مجموعة طالما حلمت يوماً بالسلطة، ولم يتحقق حلمها إلا في بقعة صغيرة من الأرض، ومواطن مكلوم جل ما يصبوا إليه تأمين لقمة عيش أبنائه، بعد أن باعه هؤلاء وباعوا ثورته بأخس الأثمان.

 

٭عقيد منشق، وقيادي سابق في الجيش السوري الحر

قد يعجبك ايضا