شرق الفرات: منطقة آمنة متصلة أم ثلاث منفصلة؟

جسر: متابعات:

جنود أمريكيون شرق الفرات/انترنت

جالت الدورية العسكرية الأمريكية التركية في ريف الرقة الشمالي الجمعة للمرة الثالثة على التوالي منذ توصل البلدين لاتفاق “المنطقة الأمنية” في 7 آب (أغسطس) الماضي، والمتعلق بإبعاد مقاتلي وحدات “الحماية” الكردية من جوار الحدود مع تركيا والتخفيف من المخاوف التركية. وأخذت الدورية المشتركة من منطقة شرق تل أبيض خط سير لها، بدون الدخول إلى أي من القرى أو البلدات هناك. ورافقت طائرات مسيرة بدون طيار الدورية المشتركة في جولتها.

بالتزامن مع ذلك، قالت وزارة الدفاع التركية في بيان لها الجمعة، إن وزير الدفاع خلوصي أكار أجرى اتصالاً هاتفياً مع زير الخارجية الأمريكية مارك اسبير أعرب فيه رفض “قيام ممر إرهابي قرب حدودنا”. وأوضح البيان “ضرورة وقف دعم واشنطن لتنظيم بي كاكا/ب ي د /ب ك ك الإرهابي وامداده بالسلاح والذخيرة”. وشدد أكار على “عزم تركيا إنشاء منطقة آمنة شرقي الفرات، تكون خالية من الإرهابيين والأسلحة الثقيلة على عمق 30 كم على طول الحدود التركية”.

وأعرب الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، الثلاثاء عن انزعاجه من تطبيق الاتفاق مع أمريكا شرقي الفرات ملوحاً بعملية عسكرية قريبة للغاية “لم يعد بمقدورنا الإنتظار ولو ليوم واحد، وليس لدينا خيار سوى الاستمرار في طريقنا”.

وكان اردوغان عرض في كلمته، أمام الجمعية العامّة للأمم المتحدة، في 24 أيلول (سبتمبر) الماضي، رؤية تركيا للمنطقة الآمنة، والتي تمتد 480 كيلومترا على طول الحدود مع سوريا. مشيرا إلى أن المنطقة الآمنة التي اقترحتها بلاده شرقي الفرات قادرة على استيعاب نحو 3 ملايين سوري، بحيث يكون عمقها 30 كيلومترا من شمال وشمال شرق سوريا، وتضم مدن جرابلس ومنبج وعين العرب (كوباني) وتل أبيض وسلوك ورأس العين والدرباسية وعامودا والقامشلي والمالكية.

وتطمح أنقرة حسب عرض اردوغان إلى توسيع المنطقة لتشمل كل الأراضي الواقعة شمال طريق حلب – القامشلي وصولا إلى معبر ربيعة الحدودي مع العراق (M4)   الذي يربط غرب سوريا بشرقها، وتضمن من خلال ذلك، تعطيل الفعاليات العسكرية للوحدات الكردية التي تستخدم هذا الطريق لنقل الأسلحة والمواد اللوجستية حسب الاتهامات التركية.

وأكد المبعوث الأمريكي جيمس جيفري أن الاتفاق العسكري مع تركيا له جوانب سياسية، وقال في مؤتمر صحافي عقده في نيويورك الأسبوع الماضي “نعمل بقدر الإمكان على تطبيق الاتفاق العسكري بصدق وبشكل سريع”.

ولفت إلى استعداده “مناقشة عودة اللاجئين” مع أنقرة، محذراً “لقد أوضحنا أنّ أي عملية عسكرية تركية أحادية، لن تحسن الوضع الأمني لأي طرف”.

 وأوضح أن العمل مركز على التفاصيل واتفقنا على العديد من القضايا العسكرية “رافضا” الحديث عن عمق المنطقة الآمنة “لأننا بحثنا فقط (مع تركيا) ثلث المنطقة شمال شرق سوريا، ثمة عمق متفاوت يرتبط بتراجع ي ب ك وسحب الأسلحة الثقيلة، والدوريات المشتركة والطلعات الجوية الأمريكية التركية”.

وفسر مصدر مقرب من فريق جيفري لـ”القدس العربي” الكلام أعلاه حول المنطقة الأمنية أو الآمنة، بغض النظر عن اسمها، أنها “منطقة متقطعة غير متصلة من ناحية الطول” وطولها ليس 480 كيلومترا كما يشتهي الأتراك، وهو ما يعني أن واشنطن وافقت على ثلاث مناطق حدودية تبلغ الكثافة الكردية ذروتها فيها، وتخفف من ريبة تركيا في آن، وهي منطقة آ، تمتد من عين العرب كوباني إلى شرق تل أبيض، منطقة ب، تشمل الدرباسية وعامودا ومنطقة ج تقع شرق القامشلي، شمال المالكية قرب المثلث الحدودي التركي السوري العراقي.

ويوحي غموض تصريح المبعوث الأمريكي والمعلومات السابقة أن عمق المنطقة هو 6 كيلومترات فقط، على أن لا تدخل الدوريات المشتركة إلى القرى والبلدات. وتتعهد واشنطن بإخراج عناصر وحدات “حماية الشعب” الكردية منها وهذا ما لن يرضي أنقرة بطبيعة الحال والتي ستواصل الضغط بشتى الطرق. سواء بالتهديد بعملية عسكرية في كل وقت، كما تفعل الآن أو من خلال استخدام قضية “عودة اللاجئين” كما أشار اردوغان في خطاب الأمم المتحدة.

في السياق، نقل تلفزيون “تي أر تي خبر” الحكومي وجود مسودة خطة تركية بهدف توطين مليون لاجئ سوري في المنطقة الآمنة شرق سوريا وتتضمن الخطة بناء 140 قرية تتسع كل منها لخمسة آلاف شخص وعشر بلدات تتسع كل منها لـ 30 ألف شخص، على أن تخدم القرى المزمع بناؤها بمدارس ومراكز رعاية وأخرى شبابية ومساجد وملاعب كرة قدم ومرافق  اجتماعية متنوعة، وتصل مساحة البيت الواحد إلى 100 متر مربع وستصل كلفة المشروع إلى 27 مليار دولار أمريكي تدعمها صناديق تمويل أجنبية، لم يحددها الخبر، فيما لم تذكر المحطة الرسمية إن كانت تركيا طرحت المشروع على أي من الدول الأوروبية المعنية بمساعدة تركيا في ملف اللاجئين.

ومن الواضح أن أنقرة تدير ملف شرق الفرات بذكاء وبراغماتية شديدين، فقد وافقت على وضع قدمها في شرق الفرات ولو من خلال تسيير الدوريات المشتركة وهي جزء من المرحلة الأولى وأعادت التنسيق العسكري مع واشنطن بعد انقطاعه فترة طويلة من الزمن وجعلته بوابة ضغط دائم عليها تسعى من خلاله إلى توسيع مكاسبها من داخل الحدود السورية وليس من خلف الجدار الأمني الذي بنته سابقاً.

كل ذلك يحصل في ظل تهديدها بحرب دائمة في شرق الفرات، بهدف إجبار واشنطن على تقديم التنازلات. وتدرك الأخيرة أن أنقرة التي قبلت الدخول في تلك اللعبة لن تنجر لعملية عسكرية مطلقاً. فيما يبقى عدد لا بأس به من السوريين ينتظرون بدء الحرب هناك، أغلبهم من أبناء دير الزور والرقة ومنبج الذين اشتاقت بنادقهم لإطلاق الرصاص وهم جالسون في منطقة “درع الفرات” التي خمدت جبهات قتالها مع النظام بشكل نهائي.

القدس العربي 6 تشرين اﻷول/أكتوبر 2019

قد يعجبك ايضا