صراع جديد على (المهاجرين) بين تحرير الشام وخصومها

 تشتعل على الدوام معارك إعلامية، من حين لآخر، بين هيئة تحرير الشام وبين خصومها، وخاصة من داخل “التيار الجهادي” نفسه، الذي يزداد انقسامه يوماً بعد يوم حول الموقف من الهيئة.

آخر السجالات بدأت يوم الإثنين الفائت، والقضية هذه المرة هي من يمثل المقاتلين غير السوريين (المهاجرين)؟ ومن يتحدث باسمهم؟ وهي قضية قديمة تتجدد بين الحين والآخر، حيث باتت ورقة بيد الطرفين، يحاول كل منهما استثمارها لصالحه.

بيان تأييد للهيئة

عدة تجمعات تضم (المهاجرين) أصدرت بياناً في السابع من هذا الشهر، جدد فيه أصحابه دعمهم لهيئة تحرير الشام، وأكدوا أنهم راضون عن سياساتها وإدارتها للمناطق الخاضعة لسيطرتها في شمال غرب سوريا، كما نفوا أن تكون الهيئة قد عمدت إلى تكميم الأفواه أو محاربة المخالفين لها، لكنهم دعوا في الوقت نفسه المختلفين مع قيادة الهيئة إلى عدم اللجوء للإعلام في انتقاداتهم، والاكتفاء بتوجيه النصح لقيادتها بشكل مباشر من أجل معالجة ما يظهر من أخطاء أو تقصير.

كان لافتاً إلى أن البيان حمل توقيع مختلف القوى الجهادية غير السورية، أو ممثلين عنهم، وفي مقدمة هذه القوى، الحزب الإسلامي التركستاني، أكبر التشكيلات السلفية الجهادية في سوريا بعد “تحرير الشام” اليوم، بالإضافة إلى كتيبة الأوزبك، وجيش المهاجرين والأنصار القوقازي، وحركة المهاجرين السنة من إيران، وكتيبتي المقاتلين الألبان والمالديف، ورابطة المقاتلين الجزراويين (الخليجيين) وغيرهم.

انتقاد وتشهير

بيان لقي احتفاء كبيراً من قيادة هيئة تحرير الشام وأنصارها، فهو من حيث المبدأ يشكل انتصاراً كبيراً لهم بالفعل، خاصة أنه لم يكد يبقي جنسية أو تجمعاً للمقاتلين غير السوريين إلا وقد حمل توقيع من يمثلهم، إلا أن ذلك لم يمنع خصوم الهيئة من التقليل من أهميته والتعريض بالموقعين عليه.

(فارس نجد) وهو مقاتل يحمل الجنسية السعودية، نشط مؤخراً على وسائل التواصل في التهجم على قيادة “تحرير الشام”، اعتبر أن البيان لا يمثل جميع (المهاجرين)، وأكد في تعليق له أنه “لا يحق لأي كان التحدث باسم المهاجرين عامة، فالمهاجرون مشارب وأفكار، ومنهم من لا يرضى بأن يكون تابعاً لأحد ولا أن يتم توجيهه حسب الطلب” في إشارة إلى أن البيان جاء بطلب وإملاء من قيادة الهيئة.

الدكتورة علا الشريف، أحد المنشقين عن الهيئة هي وزوجها مؤخراً، نشرت على قناتها في موقع تليغرام رسالة قالت إنها وردتها من أحد المهاجرين، هاجم فيه الموقعين على البيان، ووجه إلى بعضهم عدة اتهامات.

الرسالة قالت إن “أبو حسين الأردني (أحد الموقعين على البيان) هو الذراع التنفيذي اليمنى للجولاني (قائد الهيئة)، أما أبو هاجر التونسي، فوصفه بأنه “من عتاة المجرمين” وأنه كان مهمشاً في السابق داخل الهيئة وكان يشتم قائدها، قبل أن يمنحه الجولاني سيارة حديثة وسكناً فخماً فانقلب ليصبح من أشد المتعصبين له، ويستلم مهمة أمني المهاجرين، وهو بمثابة منصب استخباراتي للتجسس على المقاتلين غير السوريين في الهيئة.

مقاتل ثالث منشق عن “تحرير الشام، أكد بدوره أن هذا البيان لا يمثل إلا كاتبيه، مضيفاً “أن الجولاني لن يستعملنا مرة أخرى كما استعملنا في قتال أحرار الشام وحركة الزنكي، وأن هؤلاء قوم لا هم لهم إلا تمرير مصالحهم الشخصية، إن كان باستعمال ورقة المهاجرين أو ورقة العلمانيين، حسب ما تكون مصلحتهم”.

من جانبه، أبو اليمان الوزاني، وهو من أشد منتقدي هيئة تحرير الشام على مواقع التواصل الاجتماعي، علق على البيان بالتأكيد على أن “المهاجرين لم ينصبوا متحدثاً باسمهم أو وصياً عليهم” داعياً إلى إبقاء المهاجرين بعيداً عما وصفها بـ”النزاعات السلطوية”.

لكن الرد الأوسع والأهم على البيان السابق، جاء عبر بيان مضاد حمل عنوان “براءة مهاجري الشام مما افتراه عليهم أهل الظلم والإجرام”، استنكر فيه أصحابه أن يتم المتاجرة باسم (المهاجرين) أو استغلالهم ضد الخصوم، مؤكدين أنه البيان السابق لا يمثل إلا الموقعين عليه ممن وصفوهم بـ”المقربين للجولاني”.

(نخبة من المهاجرين في أرض الشام) كما أطلقوا على أنفسهم، قالوا في البيان الذي صدر مساء الثلاثاء “إن البعض يريد أن يستعمل المهاجرين في خدمة طموحاته السلطوية ليكونوا بيادق يستخدمهم لضرب الخصوم وإرهاب المعارضين، فكلما حصلت بينه وبين فصيل ما خصومة، قدّم المهاجرين للقتال فيها، فيزاود على دمائهم ويحرض الناس على خصومه بدعوى أنهم يقتلون المهاجرين، وكلما انكشفت سوءَتُه في معركة من المعارك الخائبة الكثيرة، قدم المهاجرين للمحارق كي يزاود بأعداد قتلاهم وجرحاهم..”.

أنصار الهيئة يردون

وعلى الرغم من أن بيان الرد لم يحمل توقيع شخصيات بأسمائها الصريحة، إلا أنه ترك أثراً كبيراً استدعى هجوماً مضاداً من أنصار هيئة تحرير الشام، الذين وصفوه بـ”بيان المجاهيل” وبأنه لا يعدو أن يكون الهدف منه التشويش على البيان الأول الذي حمل أسماء وتواقيع شخصيات وتجمعات معروفة ولها وزن.

أبرز الردود جاءت من (أبو محمود الفلسطيني) المعروف بأنه من المقربين للمنظر السلفي الجهادي أبو قتادة الفلسطيني، والاثنان من أشد داعمي هيئة تحرير الشام داخل التيار.

أبو محمود الفلسطيني كتب في قناته على موقع تليغرام مهاجماً أصحاب البيان الثاني، أنه “ومنذ فترة وهم يوزعون شهاداتهم يمنة ويسرة، ولا يألون جهداً في الطعن في خصومهم باسم النصح والصدع بالحق، بينما تضيق صدورهم اليوم ويستشيطون غضباً بسبب بيان صادر عن السود الأعظم من المهاجرين في أرض الشام، يدافعون فيه عمن أنصفهم وأكرمهم”.

وأضاف الفسطيني “ضاقوا ذرعاً بشهادة تخالف ما يروجون له من أكاذيب وافتراءات، فانبروا لأصحاب الشهادة طعناً وتجريحاً وهذا كل ما يملكون…”

الطرف الثالث

ردود الفعل على الجانبين من داخل التيار الجهادي ومن خارجه أيضاً، انتقدت بشدة البيانين، وأكدت استمرار طرفي الخصومة باستغلال ورقة المهاجرين، وإن كان الطرف الأول قد حدد موقعه مبكراً بالاصطفاف وراء قيادة هيئة تحرير الشام، فإن أصحاب الموقف المحايد ذكّروا الطرف الثاني الذي يدعي أنه لا يقبل أن يكون أداة بيد الهيئة للاعتداء على خصومها، ذكروهم بالمشاركة سابقاً وبقوة في قتال الجيش الحر والفصائل الإسلامية المحلية الأخرى، مثل حركة أحرار الشام ولواء صقور الشام، على الرغم من الدعوات المتكررة للوقوف على الحياد.

لكن الموقف الذي يمكن اعتباره حيادياً بالفعل بين القوى والشخصيات الجهادية من غير السوريين، عبّر عنه القيادي الكويتي السابق في جبهة النصرة (علي العرجاني) والذي انشق عن الجبهة مبكراً في العام 2014، مع شنها أول هجوم على فصائل الجيش الحر، وهو معروف بشدة انتقاداته لقيادة تحرير الشام.

العرجاني أكد في تغريدة له أنه “لا يوجد مع الهيئة من المهاجرين العرب إلا العشرات فقط، بينما المئات ما بين غير ملتحق بهم أو منعزل عنهم بسبب فسادهم وكذبهم وظلمهم” حسب تعبيره.

وأضاف” في سنة 2016 طرحت على المهاجرين فكرة الاستقلالية عن الفصائل وعلى رأسها الجبهة، وأن يختاروا من يمثلهم، ولكن وقتها كان الناس في فتنة الجولاني هائمين! .. ثم طرحت مشروعاً آخرَ يجمع المهاجرين ويخلصهم من استغلال الجولاني لهم ويكون نقطة الانطلاق، واجتهدت لجمع دعم لهذا المشروع، لكن للأسف لم أجد من يتبناه”.

يعيش المقاتلون غير السوريين في الشمال السوري تشتتاً كبيراً ما بين أكثر من خمسة عشر فصيلاً صغيراً، ناهيك عن المنشقين عن هيئة تحرير الشام، الذين لم يحددوا موقفهم من الانضمام لأي فصيل بعد. كما يعيش هؤلاء انقساماً حاداً في المواقف تجاه الهيئة وتجاه بقية الفصائل في الوقت نفسه، وهو ما يشكل أرضية مناسبة لكي يستغلها قادة الهيئة وخصومها من داخل التيار السلفي الجهادي، إذ يندر أن يمر وقت دون أن يزج الطرفان بورقة المهاجرين التي يعتقد باستمرار أنها رابحة.

عقيل حسين-تلفزيون سوريا

IMG_2924.JPG
IMG_2925.JPG

 

IMG_2929.JPG
IMG_2930.JPG

 

قد يعجبك ايضا