عقوبات “قيصر” الجديدة تصدم النظام والمعارضة!

عقيل حسين

انترنت
جسر: متابعات:
فاجأت حزمة العقوبات الأميركية الأخيرة ضد النظام، والتي تم الإعلان عنها الأربعاء، السوريين، بالنظر إلى الشخصيات والمؤسسات التي استهدفتها، وكان بينها حافظ ابن بشار الأسد المولود عام 2001.
بدت هذه الدفعة من الإجراءات مثيرة للسخرية بالنسبة للبعض، وتصبّ في سياق التعامل السطحي لواشنطن مع القضية السورية، بينما كانت بالنسبة للبعض الآخر خطوة إضافية على طريق خنق النظام وعزله.
قراءاتان سوريتان معارضتان لا تنبعان بالضرورة من الموقف المسبق تجاه الولايات المتحدة، سياسياً أو إيديولوجياً، بل بدا واضحاً أن هاتين القراءتين تشكلها الآمال التي عقدت على إقرار قانون “قيصر” والتطلعات التي رسمت بناء عليه.
أكثر الأطراف صدمة هم السوريون الذين اعتقدوا أن قانون العقوبات الأميركي المشدد سيطحن النظام فور دخوله حيز التنفيذ، لكن استعادة الليرة عافيتها خلال الاسبوع الماضي، واقتصار حزمة العقوبات الجديدة على شخصيات وكيانات غير مؤثرة، جعل الكثيرين من هؤلاء يعيدون النظر بتفاؤلهم.
ما أثار سخط هذا الفريق من المعارضة وسخريته في الوقت نفسه، أن العقوبات الجديدة طالت ابن رئيس النظام، الشاب المراهق، وزهير الأسد ونجله المراهق أيضاً، بالإضافة إلى مجموعة فنادق ومنشآت سياحية في دمشق.
مجموعة أسماء ومؤسسات لا قيمة لها في بنية النظام أو قدراته، بما في ذلك حتى الفرقة الأولى في جيش النظام، ما جعل البعض يتساءل -على سبيل الاستهزاء- فيما إذا كانت حزمة العقوبات القادمة ستشمل بعض المقاهي في مزة جبل، أو محلات بيع الدخان في السومرية (تجمعين سكنيين للعلويين الوافدين إلى دمشق) وكذلك بعض المخاتير ورؤساء الجمعيات الفلاحية.
لكن الأمر أكثر عمقاً بالنسبة للمشككين بالولايات المتحدة وخططها وأهدافها في سوريا. ما حدث يؤكد، بالنسبة لهؤلاء، أن واشنطن لا تبدو مهتمة حتى الآن بإنهاء الحرب، فضلاً عن إسقاط النظام، الذي أكدت مراراً أنها لا تسعى إليه، وأن ما تقوم به هو العمل على إطالة أمد الصراع وابقاء الأمور تحت سيطرتها ما أمكن، فيما ذهب آخرون أبعد من ذلك، بالتأكيد على أن الولايات المتحدة تعمل على استمرار الوضع الراهن في سوريا لتبقى ثقب المنطقة الأسود الذي يستنزف الجميع ويبتلعهم.
قراءة يقدم أصحابها ما يدعمها من وقائع، أهمها طبعاً أن النظام وحلفاءه حققوا خلال سنوات حكم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يظهر عداءً شديداً للأسد وإيران، ما لم يتحقق لهم طيلة فترة حكم سلفه باراك أوباما، المتهم بمحاباة إيران والمساهمة في تمكينها من المنطقة.
ويرى هؤلاء أنه لولا الموقف التركي الحازم وتدخلها العسكري المباشر في إدلب وقبلها في ريف حلب ومناطق أخرى، لاستعاد النظام بدعم روسي إيراني، كافة الأراضي السورية منذ وقت طويل، في ظل الانكفاء الأوروبي والتلاعب الأميركي الذي كان آخر تجلياته هذا النوع من العقوبات.
لكن أصحاب القراءة الأخرى يرون أن هذا الموقف التركي القوي لم يكن ليحصل من دون دعم، أو على الأقل رضىّ أميركي، إذ لا تستطيع تركيا منفردة مواجهة التوسع الروسي في سوريا وليبيا، وهو التوسع الذي يقلق دول حلف “ناتو” حتماً، ويكررون أن حزمة العقوبات الأخيرة لا تسقط النظام طبعاً، لكنها حلقة من سلسلة ينتظر أن تلتف حول عنق هذا النظام حتى خنقه في النهاية.
ويضيف من يتبنى هذا الموقف، أنه لولا الموقف الحازم للولايات المتحدة من النظام ورفض أي محاولة لإعادة تعويمه لكان استعاد مقعده في جامعة الدول العربية منذ وقت طويل، ولاستأنفت عشرات من الدول من مختلف القارات علاقاتها الديبلوماسية والاقتصادية مع دمشق، فوحدها العقوبات ما يمنع كل ذلك، ووحدها ما سيجبر روسيا في النهاية على الرضوخ وإلزام النظام بتقديم تنازلات حقيقية.
وكان جويل د. رايبرن، نائب مساعد وزير الخارجية والمبعوث الخاص لسوريا، قد أكد الأربعاء، أن واشنطن أدرجت حتى الآن أكثر من خمسين شخصية ومؤسسة من النظام أو داعمة له، مضيفاً “سوف يستمرّ هذا السيل من العقوبات إلى أن يتوقّف بشار الأسد ونظامه عن عرقلة الوصول إلى حلّ سياسي سلمي للصراع، فقانون قيصر يهدف إلى إرسال إشارة واضحة مفادها أنه لا ينبغي لأي طرف خارجي الدخول في أعمال تجارية مع مثل هذا النظام أو المساهمة في إثرائه”.
ورداً على سؤال حول رؤيته لتأثير العقوبات على النظام ومؤيديه حتى الآن وإلى أي مدى يمكن لهذه العقوبات أن تدفع النظام للانخراط في عملية السلام في المستقبل؟ قال ريبران: “لا يزال من المبكر رؤية التأثير العام للعقوبات، ولكننا واثقون من أن العقوبات سيكون لها تأثير على تفكير النظام ومن يدعموه.. نحن نعتقد أنهم يفهمون الرسالة التي تصلهم بصوت عالٍ وواضح: إن هذه العقوبات الاقتصادية ستستمرّ حتى انضمامهم إلى حلّ سياسي، كما دعا قرار مجلس الأمن 2254”.
وحول قيام الإمارات بإعادة فتح سفارتها في دمشق منذ أكثر من عام وتقييم واشنطن لمستوى العمل الذي يتم بين الإمارات، وهي حليف مهم للولايات المتحدة، والنظام في سوريا، وما اذا كان هناك اي استثناءات لأشخاص أو دول من العقوبات التي تفرض أكد أنه “لا يوجد استثناء بناءً على مكان إقامة الأشخاص، ولقد قمنا بإرسال رسالة قوية للغاية من خلال القنوات الدبلوماسية، وكما ترون الآن في بياناتنا العامة، نخبر أصدقاءنا أنه يجب على الجميع احترام قانون قيصر والأحكام الواردة فيه”.
إجراءات وتصريحات تبدو مريحة بالنسبة للإئتلاف الوطني المعارض، الذي يعتبر نفسه شريكاً أساسياً في توقيع قانون “قيصر” وإنفاذه، ورغم عدم صدور تعليق رسمي منه على حزمة العقوبات الجديدة، إلا أن الرضى عنها يبدو ظاهراً في ردود فعل العديد من أعضائه وتعليقاتهم، التي اعتبرت أن ما حدث هو خطوة أضافية تستهدف النظام.
تبدو الولايات المتحدة مصممة فعلاً على إنفاذ تطبيقات قانون العقوبات “قيصر” لكن إلى حد إيلام النظام وحليفته الأولى روسيا، لا إلى درجة اسقاطه ومنح الحكم في دمشق للمعارضة، وهذا ما يفهمه النظام والمعارضة الرسمية تماماً، ويعمل كل منهما على الانسجام مع هذا الأمر مع أفضلية للنظام بطبيعة الحال.
المصدر: المدن 30/7/2020
قد يعجبك ايضا