غورباتشوف: عند الانتهاء من الوباء.. يجب أن يجتمع العالم

ترجمة: شادي الشوفي - تدقيق: همّام الخطيب

ميخائيل غورباتشوف

جسر: ترجمة:

طوال فترة رئاسته للاتحاد السوفيتي سابقا شجع ميخائيل غورباتشوف السياسات السلمية التي أدت إلى إنهاء الحرب الباردة ووقف سباق التسلح النووي بتوقيع معاهدة الصواريخ النووية قصيرة ومتوسطة المدى أواخر 1987 بعد لقاء القمة الذي جمعه بالرئيس اﻷمريكي في حينه رونالد ريغان العام 1986 في العاصمة اﻷيسلندية ريكيافيك.

بين يديكم تضع “جسر” الترجمة الكاملة لنص ما يمكن وصفه بالرسالة*، يوجهها آخر زعماء اﻻتحاد السوفيتي قبل تفككه، والحاصل على جائزة نوبل للسلام، إلى قادة العالم للاجتماع بعد تجاوز جائحة كورونا والعمل على خفض التسلح وبناء عالم جديد:

ميخائيل غورباتشوف

خلال الأشهر الأولى من هذا العام رأينا مرة أخرى مدى هشاشة وحدة عالمنا، ومدى خطورة الانزلاق إلى الفوضى. اليوم فايروس “كورونا – كوفيد 19” يشكل تهديداً مشتركاً لجميع الدول، ولايمكن لأي دولة مواجهته بشكل منفرد.

بكل تأكيد الأولوية اليوم هي لمجابهة التحدي الطارىء في مواجهة هذا العدو الخبيث، الفيروس الجديد، لكننا في الوقت نفسه نحتاج إلى التفكير أيضاً في الحياة ما بعد فايروس “كورونا”. الكثير منّا يقول: إن العالم ما بعد “كورونا” ليس ما قبله. لكن ما هو شكل هذا العالم؟ هذا سيعتمد على مدى تعلمنا من الدروس.

ما زلت أذكر كيف تعاملنا مع التهديد النووي في منتصف الثمانينيات. لقد كان هذا الانجاز تعبيراً عن إدراكنا لحقيقة أن عدونا واحد، ويشكل تهديداً لنا جميعاً؛ حيث أعلن قادة الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية أنه لا يمكن كسب الحرب النووية، ويجب عدم خوضها أبداً. ثم جاء اجتماع “ريكيافيك” ولاحقاً أولى معاهدات نزع الأسلحة النووية. رغم ذلك، ورغم تدمير 85٪ من تلك الترسانات، إلا أن التهديد لا يزال قائماً حتى يومنا هذا.

غورباتشوف وريغان يوقعان في البيت اﻷبيض معاهدة تدمير الصواريخ النووية متوسطة وقصيرة المدى، واشنطن 8 كانون اﻷول/ديسمبر 1987

فالأخطار والتحديات العالمية لا تزال موجودة بل باتت أكثر خطورةً والحاحاً: الفقر، عدم المساواة، تدهور النظام البيئي، استنزاف خيرات الأرض والمحيطات، أزمة الهجرة. يضاف إليها اليوم تهديد شرس آخر يتمثل في الأمراض والأوبئة القادرة على الانتشار في كل دول العالم، وبسرعة كبيرة وغير متوقعة في عالم مترابط. وفيما تتحمل الحكومات الوطنية الآن وطأة اتخاذ الخيارات الصعبة؛ لا يمكن أن تكون الاستجابة لهذا التحدي الجديد وطنية بحتة. فهكذا قرارات يجب أن تُتخذ من قبل المجتمع الدولي ككل.

لقد فشلنا فشلاً ذريعاً حتى الآن في وضع وتنفيذ استراتيجيات وأهداف مشتركة تخص البشرية جمعاء. فالتقدم من أجل تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية الجديدة التي تبنتها الأمم المتحدة عام 2000 تعثرت بشكل فاضح، ولم تحقق أياً من أهدافها المرجوة. وها نحن نرى اليوم أن جائحة “كورونا” والأثار السلبية المترتبة عليها تضرب بشدة، ولاسيّما الفقراء، مما سيؤدي إلى تفاقم مشكلة عدم المساواة في العالم.

إن ما نحتاجه اليوم وبشكل عاجل هو إعادة التفكير في مفهوم الأمن برمته. فحتى بعد نهاية الحرب الباردة تم قصر مفهوم الأمن على الناحية العسكرية. وكل ما سمعناه في السنوات القليلة الماضية هو الحديث عن الأسلحة والصواريخ والضربات الجوية. وفي هذا العام، كان العالم بالفعل على شفا حروب كادت أن تتورط فيها قوى عظمى، هذا إلى جانب الصراعات الخطرة في إيران والعراق وسوريا. وعلى الرغم من أن المشاركين كانوا قد تراجعوا عنها في نهاية المطاف، إلا أن سياسة حافة الهاوية، الخطرة والمتهورة، كانت هي السائدة.

أليس من الواضح الآن أن الحروب وسباق التسلح لا يمكن لها أن تحل مشكلات العالم اليوم؟ الحرب دليلٌ على الهزيمة، وفشل السياسة. لذلك يجب أن يكون الهدف الرئيس هو تحقيق أمن الإنسان: توفير الغذاء، والمياه، والبيئة النظيفة، والرعاية الصحية للبشر. ولتحقيق ذلك نحتاج إلى تجهيز أنفسنا، وإلى تطوير استراتيجيات، وتخطيط وإنشاء احتياطيات كافية لذلك. لكن إذا استمرت الحكومات في إهدار المال من خلال تأجيج سباق التسلح فإن كل تلك الجهود ستبوء بالفشل. ولذلك لن أملّ أو أتعب من تكرار أننا بحاجة إلى نزع السلاح من الشأن العالمي، وأيضاً من السياسات الدوليّة، والتفكير السياسي.

ولمعالجة ذلك، أنا أدعو قادة العالم، وعلى أعلى المستويات، إلى عقد جلسة استثنائية طارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة فور استقرار الوضع، من أجل، ليس أقله، مناقشة ومراجعة جدول الأعمال العالمي برمته. وعلى وجه التحديد، أدعوهم إلى خفض الإنفاق العسكري بنسبة 10 – 15%. هذا أقل ما يجب عليهم فعله الآن كخطوة أولى نحو وعي جديد، وحضارة جديدة.

 

* نشر في Time اﻷربعاء 15 نيسان/أبريل الجاري، للقراءة في المصدر اصغط هنا

قد يعجبك ايضا