فنون الذاكرة: غناء النايل في الجزيرة ووادي الفرات

ياسر شوحان

نهر الفرات عند مدينة الرقة/ويكيبيديا

جسر: ثقافة:

يعتبر النايل أحد أنواع الغناء الشعبي في شمال وغرب العراق والجزيرة السورية، ويماثل هذا اللون الغنائي أيضاً الموال والزهيري، ويقوم النايل على البحر البسيط (مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن).

نهر الفرات عند مدينة الرقة/ويكيبيديا

اشتهرت منطقة الجزيرة والفرات بشكل عام بغناء هذا النوع، إلا أن في الواقع فإن انتشارها شمل كافة المناطق السورية وذلك بسبب قرب هذا اللون من الذائقة الشعبية.

ولغناء النايل أنواع عديدة، إلا أن هذه الأنواع تحافظ على الوزن الشعري، وقد يختلف النوع تبعاً لجنس المؤدي أو مكان الأداء، وهذه الأنواع هي:

ـ النايل الثنائي: ويعتبر محور غناء العمل ينشده الفلاح والعامل رجالاً ونساءً، ويكون الهدف فيه هو الترفيه عن نفسه أثناء العمل. وقد يتناوب على قول هذا النوع الغنائي أكثر من شخصين.

ـ الطْوَاحْ: ويسمى هذا النوع من النايل بالطواح من فعل (طَوّحْ) أي غنى وأنشد على بطء. وفي هذا النوع تتوالى أبيات النايل لتكمل بعضها بعضاً، وعادة ما يكون هذا النوع من النايل ذو دلالات غرامية وتعبر عن العشق.

ـ النايل الغربي أو “الغرباوي”: نسبة إلى العشائر الساكنة غربي العراق، ويُغنى على نغم الصبا.

ـ النايل العراقي: ويُقال له “سنيه” نسبة إلى منطقة السنيه على نهر ديالى بالعراق حيث يُغنى.

ـ نايل حويجة: وهو اللون الذي يعود بأصوله إلى حويجة عبيد بالعراق.

ـ نايل الورّادات: وتختص به النسوة، حيث يقمن بالغناء في مناسبات معينة كجلب الماء من النهر، أو بعض الصناعات الجماعية، كالخبز على التنور أو صناعة الكشك أو الحلويات المنزلية.

ويُغنى النايل مع الربابا أو بدونها وقد يكون تمهيداً للدبكة الريفية التي تتخذ طابعاً ريفياً بعيداً عن وزن النايل، وكأن يبدأ الشاعر منشدا:

لارسل سلامي عجل / ويا الهوا العالي

ما زال شمس وقمر / مسلاك يالغالي1

مسلا2 يا مدللة / لولا البغال تجيب

لولا الملح ينزرع / وأهل القبور تطيب

كما ينظمه البعض حسب الحروف الأبجدية، كأن يقول الشاعر:

السين: سقوني خمر / طول العمر سكران

يا نارهم بالحشا / تلهب بلا دخان

الثيه: ثويت3 بحمل / من يوم فرقاكم

والعين باتت سهيرة / والروح تتناكم4

إن أهم ما يميز هذا اللون الغنائي أنه يصوِّر مختلف جوانب الحياة الريفية والفراتية بشكل عام ويشكل انعكاساً لطبيعة تفكير أبناء الفرات، فنجد الشاعر يذكر جزءاً من تفاصيل البيت الريفي أو البدوي في المثال التالي:

يا مرتــي ع الزرب / شتريد يا عيوني

ماقدر أقلك هلا / خوفي يقتلوني5

أو في مثال آخر:

مسعد القاظب عشيره / بسرداب جَوا القاع

يشبع محبة قلب / ومعاتبة كل ساع6

أو يذكر مسميات زراعية متداولة في منطقة وادي الفرات:

لازرع شكاره لعشيري / واسقيها مي العين

واحصد هروش القلب / لا ما يجينا الزين7

كما أنه لون رقيق الشعر إذ يميل الشعر فيه إلى العذاب والحزن والحب المؤلم مثل:

لَرْسِلْ سَلامِيْ خَفِيْ / بِجْنيْحْ الخْضِيْرِيْ

رَبيْتْكُمْ مِنْ زُغُرْ / صِرْتُمْ بَخِتْ غِيْرْيْ8

ويذكر الباحث محمود النجرس أن “النايل إلى جانب العتابا والسويحلي من أغاني القبائل شبه المستقرة الذي يتميز غناؤها بالتقاء الغناء البدوي، والذي يتم التأكيد فيه على كل صوت بصورة واضحة دون وجود المحسنات بالغناء الريفي الذي تتخلله مقاطع مهمة من الأداء الزخرفي والذي لا يعتمد على أهمية الكلمة بقدر اعتماده على جمالية ومقدرة الصوت”.‏

ويرافق هذا النوع الغنائي بعض الأدوات الموسيقية كالمجوز (المطبكَ)، والشبابة (الشاخولة “الناي”)، والربابا.

 

 

الحواشي:

1 ـ مسلاك: لن أنساك.

2 ـ مسلا (لن أسلاك): لن أنساك، تجيب: تولد، تطيب: تحيا.

3 ـ ثويت: قعد من حمل ثقيل.

4 ـ تتناكم: بانتظاركم.

5 ـ مرتــي: متكئ، الزرب: الحد الفاصل بين الحرملك والسلملك في خيمة البدو، ، شتريد: ماذا تريد.

6 ـ مسعد: ما أسعده، القاظب: (القاف جيماً مصرية) الممسك. عشيره: حبيبه، جَوا: تحت، القاع: الأرض، ساع: ساعة.

7 ـ شكاره:حنطة، لعشيري: حبيبي، هروش: جذور، لا ما يجينا: حتى يأتينا. والكلام هنا دال على الانتظار وفي العامية تلفظ بلفظ آخر (عل بين ما يجينا الزين) أي سيستمر بهذا العمل حتى يأتي الزين.

8 ـ لرسل: سوف أرسل، خفي: خفية، بجنيح: مع جناح الطائر، الخضيري: نوع من الطيور الصغيرة الحجم.

قد يعجبك ايضا