في بلاغة المقارنة بين الأسد وفيروس كورونا

 

جسر : متابعات

ليس ترفاً أو “فضاوة بال” أن يقوم سوريون بتشبيه فيروس كورونا (كوفيد 19) برأس النظام بشار الأسد! فقد فعل الفيروس بالبشر خلال مدة وجيزة لجهة القتل وتعطيل الحياة ومنع التواصل، شيئاً مشابهاً لما فعله ديكتاتور سوريا وداعموه بالشعب السوري، لهذا فإنه من الطبيعي أن يجد هؤلاء في قصة الفيروس مناسبة لإعادة الحديث عن مآسيهم، وإن بشكل ساخر.

المقارنة بين فيروس كورونا وبين الأسد تبدو إلى الآن غير متكافئة بين المُشبه وبين المُشبه به، فالأول عرضي وطارئ، بينما الثاني مُؤسس له ويمارس أفعاله عبر سبق إصرار وترصد!

كما أن سياق الإجراءات العالمية حيال الفيروس مازال حتى اللحظة يحاذر المساس بالقيم الديموقراطية، فقد فرض انتشار فيروس كورونا على الناس حول العالم حالياً القيام بعزل تطوعي لمحاصرة انتشاره، تحول مع الوقت ومع تراخي الغالبية في تطبيق الإجراءات إلى عزل إجباري ملزم بقوة عربات الجيوش ورجال الشرطة الذين باتوا حاضرين عند محطات النقل في المدن الأوروبية!

وقد كتب كثيرون عن أن ما يفرضه حضور الفيروس والإجراءات المضادة له بات يهدد مدنية المجتمعات المتحضرة، ولاسيما جزئية الحريات فيها، لهذا تجد الرئيس الفرنسي ماكرون ومثله عدد من زعماء العالم يتحدثون عن إجراءات الحماية عبر فرض الطوارئ، دون استخدام عبارات القسر والزجر الفاقعة، رغم الإشارة إلى أن الفرنسيين الآن باتوا في حالة حرب!

السوريون الذين تابعوا ردود فعل الأوربيين الذين أصيبوا بالهلع فسارعوا إلى المتاجر للتبضع بشكل محموم، سخروا في تعليقاتهم من الأمر وضاهى بعضهم بين حالتهم كشعب منكوب بحاكم قاتل، قام بذبح وتجويع وتشريد مواطنيه، وبين تعاطي الحكومات الأوروبية مع مواطنيها!

وفي المحصلة كانت هذه المقاربة تقودهم للسخرية من حالهم وواقعهم عبر استدعاء صورة الأسد بالتقابل مع صورة الفيروس!

المقارنة الساخرة مسألة تتعدى حقاً أغنية طريفة أو صورة كوميدية هنا أو منشور على فيس بوك هناك. إنها في جوهرها محاولة جدية عبر أدوات بلاغية لإيصال رسالة للعالم؛ أي لمن هم خارج حدود المذبحة السورية، لتنبيههم إلى أننا عشنا ومازلنا نعيش ما تقاسونه حالياً بسبب فيروس كورونا، ولكن بفارق وحيزٍ زمني مدته تسع سنوات ممتلئة بموت وآلام واعتقال وتهجير ونزوح ولجوء مستمرين دون توقف!

سابقاً كان الممانعون العرب مؤيدو نظام الأسد يأخذون على السوريين الثائرين أنهم قالوا في سياق غضبهم من هول ما يتعرضون له من جرائم؛ إن إسرائيل أفضل من نظام الأسد! ولكن ما لم يستوعبه هؤلاء المعترضون أن البلاغة تقتضي مقارنة الأسوأ المحكي عنه لتثقيل حجم أفعاله السيئة في عقول من يستمعون، بمن هو أشد سوءاً منه، وبموجب هذه الآلية العفوية في التفكير يصبح نظام الأسد أشد قبحاً وإجراماً من إسرائيل القبيحة والمجرمة، وبهذا يذهب النبض العفوي إلى عدم منح البراءة للاثنين من دم السوريين والفلسطينيين!

البلاغة هي الأداة اللغوية الأهم في سياق المرافعات والمجادلات وغير ذلك من نصوص متداولة بين البشر، واللجوء لألعاب التشابيه اللغوية كان في العصور الماضية السبيل الأساسي لإضفاء أقصى معاني التهويل ضمن سياق توصيل الرسائل بين البشر، طالما أن الأخبار تنتقل عبر اللغة، وكذلك يقوم على عاتقها كل تواصل ممكن بين الناس!

ولكن وبعد كل هذا الاجتهاد هل كانت هذه الرسائل البليغة تصل للمرسل إليه؟

أم أنها كانت تضيع في ضباب صنعته بعض وسائل الميديا التي تواطأت مع المجرمين القتلة ضد أحلام وطموحات السوريين، فغرزت فيها فزاعات وأشباح داعش والنصرة المخيفة والمرعبة للعالم كله بعد تاريخ دموي صنعه الجهاديون حول العالم وتعامت عن وجه حقيقي مختلف للثورة صنعه ثوارها الأوائل!

من المؤسف أن السوريين وبعد تسع سنوات من قيام ثورتهم، التي تداعت قوى عالمية وإقليمية ومحلية لمنع نجاحها، إضافة إلى ظروف الصراع المحلية ونشوء التيارات المتطرفة التي حرفت

من جرب كارثة حكم عائلة الأسد بالتأكيد لن يقلل من مآسي الآخرين! فهل تبقى رسائل السوريين ضائعة، وهل يبقى العالم أصم وأعمى وأخرس عن مآسيهم؟!

مساراته، باتوا منسيين بأحلامهم وطموحاتهم، لا يتم تذكر أحوالهم إلا حين يتم التفكير بأخطار لجوئهم إلى الدول الأخرى! ما يؤشر فعلياً إلى أن أياً من الرسائل التي اشتغلوا عليها وأرسلوها إلى العالم كله لم تصل أبداً، بدليل أن كارثتهم مستمرة، ويتم إذكاء نيرانها بدعم من روسيا وإيران وصمت دولي فادح عن جرائم النظام، يقزم المأساة إلى أزمة لجوء ولاجئين!

المقارنات الساخرة لدى السوريين لم تر في كارثة فيروس كورونا مجرد قصة مرض ومرضى، بل إنها تشير إلى تحسسهم للخطر الكبير الذي يكتنف انتشار العدوى بين البشر، فهي تهدد وجود الجميع، كما هدد ويهدد استمرار حكم الأسد لسوريا كينونة وحياة السوريين، وهم بهذا يتقدمون من حيث الالتقاطة الإنسانية على غيرهم!

فمن جرب كارثة حكم عائلة الأسد بالتأكيد لن يقلل من مآسي الآخرين! فهل تبقى رسائل السوريين ضائعة، وهل يبقى العالم أصم وأعمى وأخرس عن مآسيهم؟!

(موقع تلفزيون سوريا )

قد يعجبك ايضا