لماذا ترعى تركيا تلك التجارة القذرة على حدودها مع سوريا؟

رأي- عبدالناصر العايد

 

يُولدّ إغلاق الدولة التركية حدودها، بوجه الفارّين من جحيم الحروب المتعددة في سوريا، معضلةً انسانيةً وحقوقيةً وأمنية، تتصاعدُ مضاعفاتها يوماً بعدَ آخر، خاصةً مع تحولها لضربٍ مزدهر من ضروب الإتجار بالبشر، في الوقت الذي تستطيع فيه أنقرة، وضع حدٍ لهذه الإشكالية، بقرارٍ واحد، ينسجمُ من جهة مع إعلاناتها المتكررة بالوقوف إلى جانبِ الشعب السوري، ومن جهةٍ أخرى، مع ما تصّدره عن نفسها بأنّها دولة حق وقانون، تلتزم أعلى المعايير الحقوقية العالمية.

إنّ الحادثة الأخيرة التي تحولت إلى قضية رأي عام مناهض لتركيا بين السوريين، والمتمثلة بادعاء فتاتين سوريتين، إحداهما قاصر، بأن الجندرمة التركية، قد اعتدت عليهما بالاغتصاب والتحرش، ليست الانتهاك الأول الذي تمارسه تلك السلطة على الحدود، ولدى المنظمات الحقوقية سجلٌ يمتد لعدة سنوات من حوادث القتل والتعذيب لسوريين يتم القبضُ عليهم لدى محاولة اجتياز الحدود بصورة غير شرعية، وهو ما يدعو إلى الاعتقاد، بأنّ سياسة ترويع اللاجئين، لدفعهم بعيداً عن الحدود، هي نهجٌ معتمد من قيادات السلطات الأمنية الحدودية.

وهذا نهج لا يليق بحالٍ من الأحول بدولةٍ محترمة، ولا بمصالحها وسمعتها، إذا أنّ عدداً لا بأس به من منظمات حقوق الانسان تُصنّف تركيا تصنيفاً سيئاً للغاية من هذه الناحية، وبعضها مدفوع من جهات إقليمية على خصومة من انقرة، تدفع بالأمر أحياناً إلى حدودٍ مبالغ بها، إمعاناً في إيذاء أنقرة.

من ناحيةٍ أخرى، لم يمنعْ هذا النهج عمليات التهريب، فقد أصبحت تجارة رابحة، يمتهنها عدد كبير من المغامرين، الذين يتقاضون مبالغاً طائلة، وتتصل بشبكات فساد متعاونة مع هذه الفئة، تمتد من فصائل الجيش الوطني، المرتبط بتركيا، وبأعلى مستوى من قادته الميدانين، إضافة إلى عددٍ لا بأسَ به من السلطات الأمنية والعسكرية التركية، المتعاونة معهم، وبوسعنا أنْ نعطي الحكومة التركية أدلةً على ذلك فيما لو لجأتْ إلى الإنكار.

هل تدركُ الحكومة التركية ما يعنيه ذلك على مستوى الأمن القومي التركي على سبيل المثال، عدا عن الأضرار السابقة المتمثلة بإهدار حقوق الإنسان؟ إنّه يعني ببساطة، تحول هذا النشاط إلى نوع من العمل الاحترافي، يجعل اختراق الحدود التركية، أمراً بمتناول يد كل من يمتلك بضعة آلاف من الدولارات، ومن المؤكد أنّ جهاتٍ تضمرُ الشر لتركيا ستلجأ إليه متى شاءت، وهو باب لتفشي الفساد في المؤسستين العسكرية والأمنية في هذا البلد، التي بدأت برعاية هذا النوع من النشاط الإجرامي. وهذا التحذير يأتي من باب الطرح العملي من زاوية المصلحة التركية، إذا كان هذا هو معيار تلك السلطات.

وبالمحصلة؛ فإنّ أنقرة ترتكب خطأ انسانياً وحقوقياً وأمنياً باستمرار صمتها عن هذا الأمر، وهي تستطيع ببساطة أن تتلافاه من خلال إجراء بسيط يتمثل بإنشاء نقاطٍ محددة على الحدود السورية التركية، يتم استقبال الراغبين باللجوء إلى تركيا فيها ودراسة طلباتهم وفق اتفاقية جنيف للاجئين.

إنّ تدفقَ السوريين إلى الحدود التركية لنْ يتوقف في المدى المنظور، بسبب استمرار المأساة في ذلك البلد، وصدفة الجغرافيا والتاريخ، تُحمّل أنقرة عبئاً من هذه الناحية، لكنّ الأمور تصبح أكثر بساطة فيما لو تمت معالجتها بالطرق الحقوقية والعادلة والمنصفة، وليس بتشجيع عناصرالشرطة والجيش على ارتكاب أقصى أنواع الانتهاكات البلطجية، لمنع تدفق اللاجئين، وربما يشكل التعامل على نحو حقوقي محترم، وبمنطق الدولة الحديثة، مع قضية الفتاتين المشتكيتين من الاغتصاب والتحرش في تل أبيض، وترك طريقة المعالجة الحالية، المتمثلة بالالتفاف المشين على شكوى فتاة قاصر تبلغ من العمر سبعة عشر عاماً، وتحويلها إلى متهمة بدل إنصافها، نقطةً بدايةٍ مبشرة.

 

قد يعجبك ايضا