مؤشرات تقارب جديد بين أنقرة وتل أبيب

بكر صدقي*

جسر: متابعات:

نشر موقع “هالمز” الالكتروني التركي، في 21 أيار/مايو الجاري، مقالاً للقائم بأعمال السفارة الإسرائيلية في أنقرة روي جلعاد بعنوان “المصالح التركية ـ الإسرائيلية المشتركة بما في ذلك إدلب وكوفيد 19″، جاء فيه أن الحرب في إدلب قد أظهرت “بعض الحقائق الجيوسياسية المهمة”. واحدة من تلك الحقائق، يتابع جلعاد، هي أن الوجود الإيراني في سوريا يتعارض والمصالح التركية، مذكراً بالجنود الأتراك الخمسين الذين قتلوا هناك على يد قوات تحتل فيها الميليشيات التابعة لإيران وحزب الله اللبناني الوزن الراجح.

يذكر أن العلاقات التركية ـ الإسرائيلية التي كانت قد انقطعت تماماً، في أيار/مايو 2010، بسبب المجزرة التي ارتكبتها قوات كوماندوس إسرائيلية بحق طاقم وركاب سفينة “مافي مرمرة” التركية التي حملت مساعدات إنسانية لفك الحصار المضروب على قطاع غزة، عادت بفتور منذ العام 2013، في أعقاب مبادرة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما الذي دفع برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الاعتذار من نظيره التركي أردوغان. لكن تعيين سفيرين في كل من أنقرة وتل أبيب، استغرق وقتاً طويلاً من الانتظار فلم يتحقق إلا في أواخر العام 2016 بعد مفاوضات مضنية على تعويض أسر ضحايا مجزرة قافلة التضامن التركية، لتعود العلاقات بين البلدين إلى التوتر مجدداً، في العام 2018، بسبب الموقف التركي من العدوان الإسرائيلي على غزة، حين تم طرد السفير الإسرائيلي من تركيا، لتصبح العلاقات الدبلوماسية بينهما على مستوى القائم بالأعمال. لكن توتر العلاقات الدبلوماسية لم يؤثر، عموماً، على حجم التبادل التجاري الذي يفوق خمسة مليارات دولار سنوياً، في حين أن حركة السياحة الإسرائيلية إلى تركيا تراجعت، في السنوات السابقة، لمصلحة اتخاذ تركيا محطة عبور وسيطة باتجاه أوروبا بالنسبة للسياح الإسرائيليين.

من ناحية أخرى، شكل الخلاف حول الثروة الغازية في الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط سبباً إضافياً لمزيد من التوتر بين البلدين، فقد وجدت إسرائيل في قبرص اليونانية واليونان ومصر شركاء لها في مخزونات الغاز الواعدة، مقابل عزل تركيا وقبرص التركية. لكنها امتنعت عن التوقيع على بيان، صدر في 11 أيار، جمع كلاً من مصر والإمارات واليونان وفرنسا وقبرص اليونانية على إدانة عمليات التنقيب التركية قبالة شواطئ قبرص ودعم تركيا لقوات حكومة الوفاق في طرابلس. ربما كان سبب الموقف الإسرائيلي هذا هو النأي بالنفس عن الاصطفاف في التوتر القائم بين تركيا وقطر من جهة ومحور الرياض ـ أبو ظبي ـ القاهرة من جهة ثانية. لكنه، في كل الأحوال، إشارة إيجابية إلى تركيا ظهر ما يليها من خطوات وصولاً إلى مقالة جلعاد المشار إليها.

ويوم الأحد 24 أيار هبطت أول طائرة شحن إسرائيلية في مطار إسطنبول قادمة من تل أبيب بعد قطيعة جوية بين البلدين استمرت عشر سنوات، على أن يتم تحميلها بمعدات طبية تركية خاصة بمكافحة انتشار فيروس كورونا المستجد. وسبق للحكومة التركية أن أرسلت مساعدات مماثلة إلى إسرائيل قبل فترة قصيرة. ومن المتوقع أن تعود الرحلات الجوية بين البلدين بصورة منتظمة.

إضافة إلى هذه المؤشرات المتناقضة المتحققة، ثمة توقعات قاتمة بشأن الفترة القريبة المقبلة. فنتنياهو الذي يحاكم أمام القضاء بتهم الفساد، ولم يتمكن من الاستمرار في السلطة إلا بتقاسم الولاية مناصفة مع شريكه في الائتلاف الحكومي (18 شهراً لكل منهما)، وعد جمهور داعميه المتشددين بضم 30 في المئة من أراضي الضفة الغربية في مطلع شهر تموز. لا نعرف ما إذا كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المقبل على انتخابات مصيرية سيشجعه على هذه الخطوة أم يكبحه، نظراً لصعوبة توقع أعمال ترامب. ولكن في حال وفى نتنياهو بوعده بشأن الضم، فمن المرجح أن يتصاعد التوتر السياسي مجدداً بين أنقرة وتل أبيب بسبب ذلك.

ولكن هناك نظرية إسرائيلية بشأن العلاقات بين البلدين فحواها أنه لا يتوجب أن يتفقا على كل شيء شرطاً لاستمرار علاقات التعاون بينهما في مختلف الميادين. وبرأي جلعاد أن إخراج إيران من سوريا مصلحة استراتيجية مشتركة بين تركيا وإسرائيل، إضافة إلى الحاجة المتبادلة بينهما في ميادين التجارة والسياحة والتعاون العلمي والتكنولوجي وغيرها. فإذا صح تقدير الدبلوماسي الإسرائيلي بشأن هدف إخراج إيران والميليشيات التابعة لها من الصراع السوري، فهذا مما يقرّبهما أيضاً من الاندراج في الاستراتيجية الأمريكية المعلنة بشأن تطويق التمدد الإقليمي لإيران، بما في ذلك إخراجها والميليشيات التابعة لها، بما فيها حزب الله اللبناني، من الأراضي السورية. وهو هدف معلن لإسرائيل، لكنه غير معلن بالنسبة لتركيا التي تربطها بإيران علاقات سياسية واقتصادية لا يستهان بها، وفي سوريا بالذات ثمة آلية ثلاثية (آستانة) تجمعهما إلى روسيا في إدارة الصراع في سوريا، وإن كانت إيران مهمشة، منذ بعض الوقت، لمصلحة الثنائية الروسية ـ التركية، وهو الأمر الذي شجع على بروز تحليلات تتحدث عن موافقة روسية ضمنية على إخراج إيران من سوريا.

لدينا، إذن، ثلاثة مواقف متدرجة من الوجود الإيراني في سوريا: الأول هو الموقف الإسرائيلي ـ الأمريكي الذي يعمل على إخراج إيران من سوريا؛ والثاني هو موقف تركيا الموارب الذي من المحتمل أن يرحب بإخراج إيران لكنه لا يعلن عن ذلك ولا يعمل شيئاً للوصول إلى هذه النتيجة المرغوبة؛ أما الثالث فهو موقف روسيا الغامض الذي لا يمكن التكهن به لأنه قائم على منطق المقايضات: يريد ثمناً من واشنطن مقابل الموافقة على إخراج إيران من سوريا.

من جهة تركيا، لا شك أنها بحاجة إلى استعادة علاقات تحالف قوية مع الولايات المتحدة بعد سنوات من العلاقات المتذبذبة التي غلبت عليها الخلافات، لموازنة علاقتها بروسيا في الصراع السوري. ومن المحتمل أن ترى أنقرة في إسرائيل نافذة مناسبة لتحسين العلاقات مع واشنطن.

_______________________________________________________________________________

*نشر في القدس العربي الخميس 28 أيار/مايو 2020، للقراءة في المصدر اضغط هنا

قد يعجبك ايضا