ماذا بقي لتركيا بعد التصعيد اﻷخير؟

جسر: رأيكم:

على الرغم من كثرة الأراء والتحليلات حول هشاشة الاتفاق الأخير، المدرج كبروتوكول ملحق باتفاقية سوتشي، بين الاتحاد الروسي وتركيا؛ إلا أن عكس ذلك هو الأقرب للواقعية السياسية، ورغم الغموض الذي شاب بعض فقرات الاتفاق، وعدم التطرق لنقاط جوهرية كانت في أسباب التصعيد الأخير، إلا أن هذا التصعيد أظهر وبوضوح ارتفاع نبرة الخطاب المترافق مع العجز عن الفعل لدى الجانب التركي، مقابل عناد مصحوب بالثبات والأستفزاز لدى الجانب الروسي، ومرد ذلك لليقين الروسي بعجز تركيا عن المضي في المعركة إلى نهايتها، في الوقت الذي تقف فيه بعيدة عن محيطها الأطلسي والدعم الأمريكي السياسي والعسكري. 

هذا الُبعد ساهمت تركيا في أتساعه، وطالما بقيت تركيا في تخندقها الذي حفرته لنفسها فلن تحظى بالدعم الغربي المطلوب، ولن يفيد اللعب بورقة اللاجئين المثمرة ماليا دون التأثير السياسي أو العسكري اللذين لا تمتلكهما الدول الأوربية بمعزل عن الولايات المتحدة الأمريكية التي بقيت بموقف المتفرج والراغب بزيادة التصعيد بين عدو الأمس والحليف المطلوب تأديبه نتيجة عدة قضايا، يتربع على قمتها صفقة S400 وتشغيل أنظمته أو عدم تشغيلها، وهي النقطة التي يمكن لتركيا بموجبها المقايضة بموجبها على صفقة الباتريوت، والاستدارة إلى أطلسيتها دون شوائب تعتريها، حينها قد يكون طلب الدعم السياسي والعسكري واقعيا وضمن الرؤية الأمريكية الناظرة للوضع السوري كأحد حلقات النفوذ الإيراني الواجب كسره وتحجيمه ضمن الحدود الإيرانية مع مراعاة مصالح تركيا وهواجسها الأمنية. 

إذ لا يشكل التمدد الروسي في سوريا هاجسا لدى الأمريكان، طالما التزم الروس بالتفاهمات المعقودة معها ومع الجانب الإسرائيلي، والمتعلقة بالنفوذ الإيراني وأذرعه في سوريا. 

وقد حمل الهجوم الأخير لقوات النظام على منطقة خفض التصعيد في إدلب إستعانة واضحة بميليشيات إيرانية، وهذا مؤشر يجب الوقوف عليه أمريكيا، نتيجة حجم المشاركة ومدلوله، فهل هو انقلاب على التفاهمات المذكورة آنفا أم ضمن سياسة الخلاص الروسي من هذه المليشيات تحت خط النار؟ 

استنفذت تركيا أغلب امكانياتها خلال التصعيد الأخير، فمن التصريحات الإعلامية إلى المواقف السياسية والتحركات العسكرية، وهي الأخطر، من ناحية زجها لقطعات من الجيش في الشمال السوري، دون غطاء جوي يحميها من أي هجوم قد تتعرض له لو أشتعلت نار الحرب فعلا، وسينعكس ذلك على أنقرة بارتدادات داخلية وخارجية يجعلها أكثر براغماتية وأشد حذر في كل خطوة قد تُقدِم عليها لاحقاً، ولن تجازف مرة أخرى بوضع نفسها في نفس الموقف، يساعدها في ذلك السياسة الروسية الرامية إلى تحويل عملياتها العسكرية إلى رصيد سياسي، من خلال عرض الاتفاق الأخير على مجلس الأمن؛ لإقراره ببيان يُكسبه الدعم الدولي إلا أن الفيتو الأمريكي حال دون ذلك.

قد يعجبك ايضا