ملاحظات حول الترابط بين ملفي ليبيا وشمال سوريا

بوتين وإردوغان يفتتحان "السيل التركي"/انترنت

جسر: خاص:

قصفت البحرية الروسية، المستمرة في تعزيز تمركزها في المتوسط قبالة السواحل السورية، مع بداية العام الجديد، بلدة “مرعند” التابعة لجسر الشغور، ومحيطها في ريف إدلب الشمالي، بثلاثة صواريخ شديدة الانفجار، سمع دويها في عموم المحافظة.

بوتين وإردوغان يفتتحان “السيل التركي”/انترنت

قبلها بأسبوعين، قصفت البحرية الروسية محيط مدينة حارم في ريف إدلب الشمالي، بصاروخ بالستي تزامنا مع أعلان الخدمة الصحفية ﻷسطول البحر اﻷسود الروسي عن تحرك الفرقاطة “اﻷدميرال إيسن” المزودة بصواريخ “كاليبر” المجنحة، من ميناء “سيباستوبول” على البحر اﻷسود باتجاه البحر المتوسط لتنضم إلى القوات البحرية الروسية في المنطقة.

وإضافة لتزامن تعزيزات روسيا لقواتها في المتوسط مع الحملة العسكرية الشرسة التي تدعم فيها حليفها اﻷسد ضد إدلب، فقد تزامن كلا اﻷمرين مع حدث ثالث يتمثل في انطلاق العملية التركية شمال شرق البلاد، وما اعقبها من انسحاب أمريكي، ودخول لقوات النظام بعد اﻻتفاق مع “قسد” بوساطة روسية.

الحدث الثالث، الذي ما كان ليتم لولا العملية التركية، اعتبرته وزارة الدفاع الروسية الإنجاز الأهم لقواتها العاملة في سوريا خلال العام المنصرم.

وبحسب ما نُقل عن قائد القوات الروسية في سوريا الفريق ألكسندر تشايكو، خلال اجتماع عقد في وزارة الدفاع، فقد “تمثل الحدث المحوري لعام 2019 بمساعدة الحكومة السورية على بسط السيطرة على أراض واقعة في شرق الفرات، بما في ذلك محاصرة منطقة تنفيذ عملية نبع السلام التركية العسكرية مع تسيير دوريات روسية تركية مشتركة”.

ومع انسحاب القوات اﻷمريكية من قواعدها على طول الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا، حلت القوات الروسية محلها بمباركة من كلا جانبي الحدود، اللذان قطفا، إلى جانب روسيا، ثمارا ما كانا ليحلما بها لولا اﻻنسحاب اﻷمريكي.

استولت القوات الروسية على مطار القامشلي، وحولته قاعدة جوية لقواتها، ونقلت مروحيات إليه من قاعدة “حميميم” في الساحل السوري، للمشاركة في تسيير الدوريات البرية المشتركة مع الجانب التركي. كما استولت على عدة مواقع سبق وأن شغلتها “وحدات الحماية”، في ما يشبه اصطياد عصفورين بحجر، فإضافة للمكاسب المباشرة المتأتية من احتلال مواقع جديدة، بدت طمأنة الشريك التركي ثمرة ثانية لم تبذل القوات الروسية كبير جهد في قطفها.

وعلى وقع المواجهات الشرسة بين حلفاء الضامنين في إدلب، سيّر الجانبان دوريات مشتركة لمراقبة تنفيذ تفاهمات “سوتشي” بين بوتين ونظيره التركي إردوغان، دون أي بوادر لتفاهم بينهما يوقف الحملة الوحشية على المحافظة، قبل بسط سيطرة النظام على كامل الطريق الدولي M5، لينضم إلى نظيره M4 شرق الفرات.

لكن تعزيزات روسيا البحرية في المتوسط تتجاوز الشأن السوري إلى الليبي، حيث تبقى تركيا شريكا لدودا فيه؛ فقد تزامنت تلك التعزيزات مع تصاعد المواجهة الديبلوماسية بين تركيا وحكومة الوفاق من جهة، ومصر واليونان من جهة أخرى، بعد أن وقّع السراج وإردوغان مذكرتي التفاهم؛ إذ لا يبدو أن روسيا ستترك تركيا تمضي في المتوسط دون شراكتها لضمان استمرار الشراكة في كلا الملفين؛ اللليبي والسوري، اللذان يستثمر فيهما الجانبان الكثير.

ومن شرق الفرات، إلى شرق المتوسط وقلبه، يبدو جدل الشريكين اللدودين، طريقا وحيدا لمواجهة الخصوم المشتركين، وعلى رأسهم “اﻻتحاد اﻷوروبي”، جدل مفيد للجميع بمن فيهم الخصوم، حيث يضبط كل منهما صاحبه أو يرضيه دون حاجة لتورط آخرين كاﻷوروبيين أو اﻷمريكيين، المكتفين بالمراقبة والتعليق.

ومع وصول الدفعات الأولى من العسكريين اﻷتراك والموالين لهم من مقاتلي “الجيش الوطني” للقتال إلى جانب قوات “حكومة الوفاق”، والذين التحقوا بقرابة ألف من مرتزقة “فاغنر” يقاتلون إلى جانب قوات خليفة حفتر كأحد أشكال الدعم الروسي له، بدأ الحديث عن هدنة في ليبيا، تفاهم عليها الرئيسان أثناء افتتاحهما لمشروع “السيل التركي”.

وعقب اجتماع بين الجانبين أصدرا بيانا مشتركا، يحث جميع الأطراف في ليبيا على “إعلان وقف دائم لإطلاق النار مدعوما بالإجراءات اللازمة التي يتعين اتخاذها من أجل استقرار الوضع على الأرض وعودة حياة الناس اليومية في طرابلس وغيرها من المدن إلى طبيعتها”، اللافت للنظر أن تاريخ سريان الهدنة جاء مطابقا لتلك التي اتفق عليها الجانبان في إدلب وهو منتصف ليل الأحد 12 يناير/كانون الثاني.

لتركيا مصالح حيوية تتعرض لتهديدات جدية في المتوسط تعلم أنها لن تستطيع الدفاع عنها، ناهيك عن انقاذها، منفردة في ظل توتر العلاقة مع الحلفاء اﻷوروبيين تحديدا واﻷطلسيين بشكل عام، إضافة إلى توتر علاقتها بدول المنطقة من الخليج إلى مصر التي تشارك اليونان تضييق الخناق عليها في المتوسط.

من هنا، لا تجد أنقرة طرفا تحاوره في ليبيا؛ أملا في الوصول إلى تفاهمات تحمي الحد اﻷدنى من مصالحها في المتوسط، إلا موسكو، والتي لا تتمتع بعلاقات أطيب بكثير من تلك التي لتركيا مع اﻻتحاد اﻷوروبي أو الولايات المتحدة، اﻷمر الذي يحيجها إلى تدخل تركيا، لتمسي بالنسبة للأوروبيين أوﻻ؛ شرٌ لابد منه للجم الطموح التركي على الضفة المقابلة عبر المتوسط.

من إدلب إلى ليبيا: تشاووش أوغلو يؤكد أمل بلاده في أن تتمكن روسيا من كبح جماح اﻷسد وحفتر!

قد يعجبك ايضا